في ظل الاخفاقات التي تعاني منها حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني حول السيطرة على الفساد وغياب دور النزاهة، وجه المرجع الديني في العراق علي السيستاني، اليوم الاثنين، ملاحظات جوهرية للمسؤولين العراقيين حول عوامل إستقرار البلاد فيما ركز على جانبين هما الفساد وسوء الإدارة في تسنّم مواقع المسؤولية، ومنع التدخلات الخارجية بمختلف وجوهه.
ويعاني العراق من فساد مستشري داخل مفاصل الدولة لا يمكن السيطرة عليه، في ظل فشل الإجراءات الحكومية، بشأن قضايا الفساد الكبرى وتحديدا في التسريبات الصوتية وسرقة القرن.
وذكر بيان لمكتب السيستاني تلقته “العالم الجديد”، أن “السيد السيستاني استقبل ممثل الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس بعثتها في العراق (يونامي) محمد الحسان والوفد المرافق معه”.
وأضاف، أن “السيد السيستاني قدّم شرحاً موجزاً حول مهام البعثة الدولية والدور الذي تروم القيام به في الفترة القادمة، وفي المقابل رحّب بحضور الأمم المتحدة في العراق وتمنى لبعثتها التوفيق في القيام بمهامها”، مشيرا الى “التحديات الكبيرة التي يواجهها العراق في الوقت الحاضر وما يعانيه شعبه على أكثر من صعيد”.
وقال المرجع الديني الأعلى، بحسب البيان: إنه “ينبغي للعراقيين – ولا سيما النخب الواعية – أن يأخذوا العِبر من التجارب التي مرّوا بها ويبذلوا قصارى جهدهم في تجاوز اخفاقاتها ويعملوا بجدّ في سبيل تحقيق مستقبل أفضل لبلدهم ينعم فيه الجميع بالأمن والاستقرار والرقي والازدهار”.
وأكد على أن “ذلك لا يتسنى من دون إعداد خطط علمية وعملية لإدارة البلد اعتماداً على مبدأ الكفاءة والنزاهة في تسنّم مواقع المسؤولية، ومنع التدخلات الخارجية بمختلف وجوهها، وتحكيم سلطة القانون، وحصر السلاح بيد الدولة، ومكافحة الفساد على جميع المستويات”، مردفاً: “لكن يبدو أن مساراً طويلاً أمام العراقيين الى أن يصلوا الى تحقيق ذلك، أعانهم الله عليه”.
وفي ما يخص الأوضاع الملتهبة في منطقتنا عبّر السيد السيستاني، عن “عميق تألّمه للمأساة المستمرة في لبنان وغزّة وبالغ أسفه على عجز المجتمع الدولي ومؤسساته على فرض حلول ناجعة لإيقافها أو في الحدّ الأدنى تحييد المدنيين من مآسي العدوانية الشرسة التي يمارسها الكيان الصهيوني”.
وكشف رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، في 29 تشرين الأول أكتوبر الماضي عن وجود تعديل وزاري مرتقب، وأوضح خلال جلسة مجلس الوزراء التي جاءت بمناسبة مرور عامين على تشكيل الحكومة، أن هذا التعديل سيكون مستندًا إلى مؤشرات الأداء والعمل، ووفقًا للبرنامج الحكومي، فيمل أكد أن هذا القرار ليس سياسيًا أو شخصيًا، بل يعكس الرغبة في تحقيق أداء أكثر فاعلية لتلبية متطلبات المرحلة وتطلعات المواطنين.
إلى ذاك، قال ممثل الأمم المتحدة في العراق محمد الحسان، في مؤتمر صحفي تابعته “العالم الجديد”، عقب لقائه بالسيستاني في النجف “تشرفت بلقاء السيد السيستاني، واستمعت إلى حكمته ورؤاه للمنطقة والعراق”.
وأضاف “تعلمون مكانة السيد في العالم الإسلامي والعالمي وأنا سعيد بهذا اللقاء، وقد اتفقت مع سماحة السيد السيستاني علي العمل المشترك على تعزيز مكانة العراق”.
وشدد “نحن لا نقبل بأي مساس بمقام المرجعية، ومشورة السيد السيستاني تحظى باحترام المبعوثين الخاصين”، مضيفاً “أكدنا أن الأمم المتحدة ستستمر في دعم العراق”.
وتابع “السيد السيستاني طلب مني تنفيذ الأولويات بما هو لمصالح العراق”، مشيراً إلى أن “السيد السيستاني توقع أن يعزز العراق علاقاته مع جيرانه”.
وختم بالقول “نحن ملتزمون في دعم الأولويات للعراق ولا نتدخل إلا في المشورة”.
وتصاعدت وتيرة التسريبات الصوتية المنسوبة لجهات سياسية، خلال الفترة الماضي، والتي طالت عدد من المسؤولين آخرها مدير عام هيئة الضرائب علي علاوي وهو يتحدث عن قيامه بالتلاعب بالنسب الضريبية لصالح إحدى الشركات، فيما لم يتخذ حتى الآن أي إجراء قانوني بحقه، سوى سحب يده من منصبه.
ووافق السوداني، في 22 أكتوبر تشرين الأول الماضي، على إعفاء رئيس هيئة النزاهة حيدر حنون بناء على طلبه، فيما صوت مجلس الوزراء خلال جلسته على تعيين حنون مستشاراً في وزارة العدل.
جاء ذلك بعد انتشار مقطع صوتي، وهو عبارة عن اتصال هاتفي نسب إلى رئيس هيئة النزاهة العراقية، يتحدث فيه عن رشى وعن قطعة أرض بنى عليها بيته، وشكا من سحب ملفات قضايا عديدة من هيئة النزاهة إلى قاضي التحقيق في المحكمة، وقال في الاتصال مع شخص آخر إنّ الهيئة تعمل على ملفات كثيرة، “لكن عملها مقيّد”، وقد أعلن الادعاء العام طلب التحقيق بخصوص التسجيلات، الأمر الذي اثار سخط العراقيين حول سوء إدارة الدولة في التعامل مع مثل هكذا قضايا.
وتتجلى أيضا دلالات على تراكمات الفساد في البلاد بقضية سرقة القرن والمتهم نور زهير كانت الأبرز، حيث أطلق سراحه بتسوية وأعيدت له كافة أملاكه وعقاراته في بغداد والبصرة، وتم رفع الحجز عنها.
وكانت القوات الأمنية اعتقلت المتهم الأبرز بسرقة القرن، نور زهير، في 24 تشرين الأول أكتوبر من 2022، قبيل فراره لخارج العراق بطائرة خاصة من مطار بغداد الدولي، حيث جرى منع الطائرة من الإقلاع بعد صعوده على متنها واعتقاله.
وأثارت القضية سخطا شديدا في العراق الذي شهد في السنوات الماضية احتجاجات واسعة تطالب بوضع حد للفساد، حيث باتت حديث الشارع العراقي والأوساط السياسية وغيرها حتى انتقل صداها إلى خارج العراق لتتناولها وسائل إعلام عربية وغربية.
وتتمثل “سرقة القرن” باختفاء مبلغ 3.7 تريليونات دينار عراقي (نحو مليارين ونصف المليار دولار) من أموال الأمانات الضريبية، وتم الكشف عنها من قبل عدة جهات معنية قبل نحو شهرين من انتهاء فترة حكم الحكومة السابقة برئاسة مصطفى الكاظمي.
يشار إلى أنه جرى الإعلان أكثر من مرة عن استعادة أموال مجمدة من بعض الدول الأوروبية، وتراوحت بين 20 – 40 مليون دولار، وهي لا تمثل نسبة عالية من مجموع المبالغ التي تقدر بأكثر من ملياري دولار.
الجدير بالذكر أن لجنة النزاهة النيابية السابقة قدرت في 2023، حجم الأموال المهربة منذ 2003، بنحو 350 مليار دولار، أي ما يعادل 32 بالمئة من إيرادات العراق خلال هذه الأعوام.