اخر الاخبار

قبل 76 عاما، في الثامن من أيار حسب تقويم وسط أوربا، والتاسع من أيار حسب التوقيت الروسي، انتهت الحرب العالمية الثانية في أوربا باستسلام المانيا النازية. لهذا فان هذا اليوم من أيار هو يوم انتصار الحرية على الفاشية والعنف، وقد تحقق هذا النصر بفضل تحالف قوى عالمية واسعة، كان الدور الرئيس فيها لشعوب الاتحاد السوفيتي وبريطانيا العظمى والولايات المتحدة وفرنسا، وللمقاومة ضد الفاشية في أوربا والصين وشرق آسيا، والتي كان الشيوعيون يشكلون قوتها الأساسية.

ويجرى استذكار المناسبة هذا العام والاحتفال بها، فيما قوى السلام والتقدم في العالم تستعد لاحياء الذكرى الـ 80 لغزو المانيا النازية للاتحاد السوفيتي في 22 حزيران 1941، ذلك الاعتداء الاجرامي الذي شكل نقطة تحول نوعية في مسار الحرب، وكان في الوقت نفسه بداية النهاية للنازية والفاشية والعسكرية اليابانية. فالغزو الذي اعتقد هتلر في البداية أنه سيكون نزهة تحقق أحلامه المريضة، تحول إلى كابوس بالنسبة لنظامه، وانتهى بدخول الجيش الحمر برلين واسقاط نظامه العدواني.

لقد أدت الحرب العالمية الثانية إلى سقوط أكثر من 60 مليون ضحية من العسكريين والمدنيين، كان نصيب الاتحاد السوفيتي منها 20 مليونا على الأقل. وشكلت وحشية النازيين وحلفائهم وصمة عار في تاريخ البشرية، وشملت جرائم الإبادة الجماعية التي اقترفوها ملايين الأبرياء في أوربا، لأسباب عرقية ودينية وثقافية، ولهذا فمن الضروري ان تبقى الذاكرة الجمعية للشعوب حية ولا تنسى ما حدث.

وكانت معالم خطر صعود الفاشية قد تشكلت في العشرينات والثلاثينات من القرن العشرين، في سياق الكساد الاقتصادي العظيم، وبدعم من قوى الرأسمالية المهيمنة في أوربا ، التي شجعت هجومها ضد جبهة الديمقراطية والسلام، وبهدف القضاء على دولة البديل الاشتراكي في الإتحاد السوفيتي.

وسوف لن ينسى التاريخ ممهدات هذه الحرب التي تمثلت في الانقلاب الفاشي في ايطاليا واحراق الرايشتاغ (البرلمان الالماني) في برلين، وغزو الحبشة وحرب الغازات فيها، والانقلاب الفاشي في اسبانيا، ومعاهدة الخيانة في ميونخ في ايلول 1938، التي عقدت في 30 ايلول 1938 بين ألمانيا النازية وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا الفاشية،.

وتحتفل قوى اليسار والسلام والتقدم والنقابات والحركات الاجتماعية، وكل المناضلين من أجل عالم أفضل، بيوم الانتصار على الفاشية باعتباره انتصارا للحياة على الموت. وكانت محاكمات نورنبيرغ بعد الحرب محطة تاريخية أصدر فيها العالم قراره بحق الفاشية. ووجد شعار “لا للحرب.. لا للفاشية ثانية” صدى واسعا في العالم. ومثّل عام 1945 عام انجاز كبير لصالح قوى الديمقراطية والتقدم، على طريق نضالها ضد القوى الرجعية والمحافظة.

وعندما تنشر هذه السطور تكون الاحتفالات بيوم النصر قد عمت مناطق واسعة من العالم، لكن الاحتفال في روسيا الاتحادية وألمانيا يكتسب أهمية خاصة تاريخيا وسياسيا وثقافيا، انطلاقا من  أن روسيا الاتحادية هي وريث الاتحاد السوفيتي في النظام الدولي السائد، وبالتالي فهي حريصة على تسليط الضوء على انتصارات الجيش الأحمر ونضالات شعوب الاتحاد السوفيتي التي تحملت القسط الاكبر في مواجهة الغول النازي. ومن جانب آخر يلعب الدفاع عن تقييم تاريخي موضوعي دورا في الصراعات الجيوسياسية المتصاعدة مع الغرب الرأسمالي بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية.

وفي المانيا يمثل الاحتفال بالانتصار على الفاشية مناسبة لتأكيد الدفاع عن القراءة التاريخية الصحيحة لمسار الحرب، ولمسؤولية النظام النازي عن اندلاعها وجرائمه المروعة. وهو ضروري لمواجهة سعي اليمين التقليدي والمتطرف وكل القوى المحافظة  أو التي ما زالت تعتبر الانتصار على الفاشية هزيمة قومية المانية.

 وفي هذا السياق جاءت التصريحات الصادرة من قوى اليسار الجذري في المانيا على اختلاف مشاربها الفكرية، منسجمة في المشترك المتمثل في الدعوة إلى اعتبار الثامن من أيار يوم عطلة واحتفال رسميين، باعتباره يوما للتحرر من الفاشية، في حين تصر قوى معسكر اليمين وقوى واسعة في الوسط، باستثناء حزب الخضر، على رفض هذا المطلب الذي تطرحه الكتلة البرلمانية لحزب اليسار في البرلمان الاتحادي الالماني مرارا وتكرارا. والاستثناء الوحيد هنا هو قرار برلمان ولاية برلين في عام 2020، بمناسبة الذكرى الـ 75 للانتصار على الفاشية، اعتبار هذا اليوم يوم عطلة رسمية لمرة واحدة فقط.

يذكر أن حزبي اليسار والخضر طرفان في التحالف الحاكم في الولاية بزعامة الحزب الديمقراطي الاجتماعي.

وفي عام 1985 استذكر الرئيس الالماني آنذاك ريتشارد فون فايتسكر، الذي خدم كضابط في الجيش النازي خلال سنوات الحرب، استذكر يوم 8 أيار باعتباره “يوم التحرير من النظام اللاإنساني للاستبداد الاشتراكي القومي” (اي النازي).

وبالإضافة إلى ذلك تشدد قوى اليسار على أن يوم التحرير هو تفويض لمكافحة كل أشكال العنصرية والفاشية، ولمواجهة محاولات تحريف التاريخ ونشر الأوهام. وأن نهاية الحرب العالمية الثانية كانت محفزا قويا للنضال ضد الحرب والنزعة العسكرية.

ويذكًر اليسار بان خطر اليمين المتطرف والنازية ما زال قائما، وما زال الناس يعيشون في خوف جراء جرائمه، وينكشف المزيد والمزيد من التفاصيل المخيفة حول شبكات الإرهاب اليمينية. ولا يزال الكثير من الناس يعانون من الإقصاء والعداء والحرمان بسبب أصلهم او مظهرهم او جنسهم او دينهم وخصوصياتهم. وتعمل قوى اليسار للتغلب على هذه الانقسامات، والاعتراف والالتزام بحقوق واحتياجات جميع الناس على قدم المساواة.

عرض مقالات: