شهدت كينيا في الأسبوع الفائت أحداثا اعتبرها العارفون بشؤون البلاد غير مسبوقة، وستدخل كتب التاريخ، باعتبارها حدثا استثنائيا. خرج ملايين من شبيبة البلاد، ينتمي الكثير منهم إلى ما يسمى بالجيل الجديد، يومي الثلاثاء والخميس الفائتين، إلى شوارع كبرى مدن كينيا وقراها وطالبوا برفض «قانون المالية 2024» المقترح (قانون الموازنة). لقد أثار القانون، الذي اقترحه رئيس لجنة المالية والتخطيط الوطنية التابعة للجمعية الوطنية في 13 ايار2024، حال طرحه استياءً بين الشباب، إذ تضمن خططا لرفع جديد لأسعار المواد الغذائية الأساسية مثل السكر والخضروات والخبز.
وكانت البداية إجراء مناقشات واسعة على شبكات التواصل الاجتماعي مثل تويتر وتيك توك. وتصدرت المطالبة بـ: رفض قانون المالية، احتلال البرلمان، والإغلاق العام. وبلغت التعبئة ذروتها في مسيرات سلمية جيدة التنظيم في جميع أنحاء البلاد، عكست وحدة أكثرية الكينيين من أجيال مختلفة، وأنهم متحدون في معارضتهم لما يسبب معاناة المواطنين العاديين. وكان للمتظاهرين هدف واحد فقط، تمثل في إرسال رسالة إلى الحكومة مفادها أن قانون المالية المقترح سيؤدي إلى شل الاقتصاد ويزيد من تكاليف المعيشة، التي وصلت بالفعل إلى مستوى لا يطاق.
إن الشيء الذي لم يتوقعه الكثير من ساسة البلاد وخبراؤها هو إسماع الجيل الجديد صوته بشجاعة لا توصف، وسعيه الحثيث لتحقيق العدالة الاجتماعية. غالبًا ما يُنظر إلى الشبيبة على أنهم قليلو تجربة، وغير ناضجين، ومشكوك بعمق وعيهم، وبكونهم شاردو الذهن ومنشغلون بوسائل التواصل الاجتماعي، وقد تفاجأ الكثيرون بمدى عمق وعي هذه الفئة العمرية عندما يتعلق الأمر بضرورات الحياة وسياسية الحكومة التي تجعل مستقبلهم ضبابي. لقد أوضح أبناء هذا الجيل تمامًا أنهم لن يقبلوا القمع فقط، بل كانوا على استعداد للدفاع علنًا عن حقوقهم ومحاسبة ممثليهم المنتخبين في البرلمان.
وفقًا لوثيقة صادرة عن المجلس الوطني للسكان والتنمية بعنوان «فائض الشباب في كينيا: نعمة أم نقمة»، فإن قرابة 80 بالمائة من سكان كينيا دون سن 35 عامًا، ويطلق عليهم هناك: «جيل الألفية»، «الجيل اكس» و»جيل ألفا». ويتمتع هذا الجيل في كينيا بمستوى بتعليم جيد للغاية، وبفضل الاستخدام المستمر لشبكات التواصل الاجتماعي، في نقل المعلومات وتبادل الرؤى، أصبحت البلاد تملك أجيالا مستنيرة للغاية.
يشار إلى أن العديد من خريجي هذا الجيل يعانون من البطالة وضعف فرص العمل بالإضافة إلى عدم الرضا عن فرص العمل المتاحة. وبالنسبة للبعض منهم، فان العمل الحر غير الآمن هو الخيار الوحيد الممكن. ولا ينبغي لمعارضتهم القوية لمشروع قانون المالية المطروح أن تفاجئ أحدا. ولا سيما حكومة الرئيس ويليام روتو، الذي ادعى خلال حملته الانتخابية سيعمل من أجل المحتاجين والطموحين، الذين لا يملكون سوى قوة عملهم، لأنهم ليس من أبناء الأثرياء أو ورثتهم.
وبعد أن أقر البرلمان الكيني القانون مع بعض التعديلات يوم الثلاثاء الماضي، بدأت التوترات تتفجر، واخترق المتظاهرون الحواجز المحيطة ببناية البرلمان لاقتحام المبنى. ردت الشرطة بإطلاق النار، فقتلت بعض المتظاهرين وأصابت آخرين. ومن أجل تهدئة التوترات، أعلن الرئيس روتو في مؤتمر صحفي يوم الأربعاء الفائت أنه سيسحب مشروع قانون المالية. وأنه يريد استئناف الحوار مع الشباب الكيني. ويبدو أن الرئيس ينوي تمرير إجراءات التقشف بطريقة ما.
إن الوحشية التي واجهت بها قوات الأمن المتظاهرين، خصوصا في ضواحي العاصمة نيروبي، موثقة جيدًا. ونتيجة لذلك، يبدو أن الكثيرين فقدوا الثقة في الرئيس ويطالبون باستقالته وإجراء تعديل وزاري كامل. ويقول متابعو الأوضاع إن الرئيس أصبح في وضع صعب، وستكشف الأيام المقبلة قدرته على الخروج منه من عدمها.