اخر الاخبار

افاقت تونس، صباح الاثنين الماضي، على جملة قرارات اتخذها رئيس الجمهورية قيس سعيّد ‏وسماها “اجراءات استثنائية” في اطار المادة 80 من الدستور التونسي، والتي يقول انها سمحت له بـ”تجميد عمل مجلس النواب، ورفع الحصانة عن اعضائه، وإقالة رئيس ‏الحكومة هشام المشيشي”.

وتضمنت القرارات الاستثنائية، اعلان الرئيس توليه النيابة العمومية والسلطة التنفيذية، ‏وتعيينه رئيسا للحكومة، وفق اختياره هو، على حد قوله.

الارهاب والاغتيالات السياسية

وفي هذا السياق، حمّل حزب المسار الديمقراطي الاجتماعي “مكونات الائتلاف الحاكم، وفي مقدمتها حركة النهضة وحكومة هشام المشيشي مسؤولية الانفجار الاجتماعي و ‏انسداد الأفق خاصة أمام الشباب وتعطيل تركيز المحكمة الدستورية والدفع بالأزمة إلى أقصاها”.‏

‏وقال الحزب في بيان حصلت “طريق الشعب”، على نسخة منه، أن “الحزب يذكر بمواقفه السابقة التي نبّه فيها إلى أن فساد المنظومة الحاكمة قد بلغ ذروته، وأن لوبيات المال والفساد قد أصبحت ‏تتحكّم في مفاصل الدولة والحكم”، مشيراً إلى “الفشل الذريع لمختلف مؤسسات الدولة، حكومة وبرلمان ورئاسة جمهورية ‏في إنقاذ تونس من أزمتها الشاملة”.‏

وجدد الحزب مطالبته “الملحّة بفتح ملفات الإرهاب والفساد المتعلقة بأطراف داخل الحكم، وفي مقدمتها ملف ارتباط حركة ‏النهضة وقياداتها بالجهاز السري المتورط في الاغتيالات السياسية، وتفكيك لوبيات الفساد ومحاسبة الفاعلين فيها”.‏

وحذّر الحزب من “التمديد في تعطيل مؤسسات الدولة وتجميع كل السلطات بيد رئيس الجمهورية إلى أجل غير محدد وإدامة هذا ‏الوضع الاستثنائي، وهو ما من شأنه تهديد الانتقال الديمقراطي الهش”.‏

‏ونبّه إلى “ضرورة احترام الحريات العامة والفردية والطابع المدني لمؤسسات الدولة واحترام دستور البلاد واستقلال ‏القضاء وعدم الانزلاق نحو التسلّط”.‏

‏ودعا الحزب في بيانه، رئيس الجمهورية إلى “ضبط روزنامة واضحة لعودة نشاط مؤسسات الدولة بشكل طبيعي في ظرف لا ‏يتجاوز الشهر بالتشاور مع الأحزاب والمنظمات الوطنية ومؤسسات المجتمع المدني والالتزام بمقتضيات الدستور بصفته ‏ضامنا له”.‏

موجة احتجاجات

وأثارت القرارات الاخيرة، موجة احتجاجات واسعة في اغلب الولايات التونسية، مطالبة بحل ‏الحكومة والبرلمان، وانهاء وجود حزب حركة النهضة، الذي تولى رئاسة الحكومة منذ اسقاط ‏الرئيس السابق زين العابدين بن علي سنة 2011‏‎ .‎

وتزامنت القرارات المعلنة مساء 25 تموز، مع حلول ذكرى عيد الجمهورية ‏وانطلاق الاحتجاجات الواسعة في ارجاء تونس، حيث خاضت الجماهير الغاضبة مواجهات ‏شرسة مع قوات الامن، وتمكنت بعد كرّ وفرّ من اقتحام مقرات حزب حركة النهضة في ‏المدن والحواضر المختلفة، وتحطيم معداتها واضرام النار في بعضها. بينما طوقت جموع ‏اخرى مجلس النواب في العاصمة التونسية، مطالبة بحله واغلاق حلبة الصراعات التقليدية ‏الموروثة والمتواصلة على مدى عشر سنوات مع ازمة سياسية واقتصادية مستحكمة، اضافة ‏الى انها فشلت في التصدي لجائحة كورونا، التي اضرمت النار في الهشيم التونسي.‏

من جانبه، وصف راشد الغنوشي، رئيس مجلس النواب المجمد، والامين العام لحزب حركة ‏النهضة، القرارات المذكورة بأنها “انقلاب على الثورة والدستور”، في مسعى حسب بعض ‏المراقبين  “للتشبث بالسلطة من خلال رمي الكرة في ملعب انصاره وأبناء الشعب، وتحميلهم ‏مسؤولية الدفاع عنها” في “تصريحات يراد منها شق الصف التونسي”‏‎ .‎

وما بين شارع حقق مكاسب سياسية طال انتظارها وقوى معارضة من جانب، وبين ازمة ‏اقتصادية خانقة رمت بوطأتها على المواطن مع جائحة فتكت بالبلاد شر فتك، يبقى السؤال ‏المطروح في البلاد التونسية: هل تشكل هذه القرارات - الاجراءات ولادة جديدة لتونس، ام ‏هي اعصار يضرب البلاد بكل عواقبه؟

مسار ديمقراطي

وتداركت وزارة الخارجية التونسية الموقف سريعاً، حيث أكدت أن وزيرها، عثمان الجرندي “أجرى محادثات هاتفية مع نظرائه في تركيا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا والمفوضية الأممية لحقوق الإنسان طمأنهم فيها بشأن مرحلة ما بعد قرار الرئيس قيس سعيّد تجميد البرلمان وإقالة رئيس الحكومة”، مؤكدا أن “البلاد ستواصل مسارها الديمقراطي”.

وقال بيان صدر عن الوزارة، أن الجرندي “شرح لهم أن الإجراءات الاستثنائية مؤقتة، وأن نظراءه تعهدوا بمواصلة دعم الديمقراطية الناشئة”.

وبحسب البيان، فإن الجرندي وضح لنظرائه “الطبيعة الاستثنائية لهذه التدابير التي تهدف إلى التنظيم المؤقت للسلط إلى حين زوال حالة الخطر الداهم على الدولة”، مؤكدا “حرص سيادة رئيس الجمهورية على ضمان كافة الحقوق والحريات وعدم المساس بها”.

وفي الاثناء، ردّ الرئيس التونسي قيس سعيّد على منتقدي إجراءاته. وقال إن الأمر ليس انقلابا، وعلى من يدعي ذلك أن يراجع دروسه في القانون.

تحقيق وإعفاءات

الى ذلك، قال مصدر قضائي لـ”رويترز”، إن القضاء التونسي فتح تحقيقا بشأن ثلاثة أحزاب سياسية بينها حزبا النهضة وقلب تونس، للاشتباه في تلقيها أموالا من الخارج خلال الحملة الانتخابية عام 2019.

وتم فتح التحقيق يوم 14 تموز، قبل أن يقيل الرئيس قيس سعيد رئيس الوزراء ويجمد البرلمان، في خطوة وصفتها هذه الأحزاب بأنها انقلاب.

وفي وقت متأخر من مساء الثلاثاء، أعلنت الرئاسة التونسية صدور أمر رئاسي بإنهاء مهام عدة مسؤولين، منهم المعز لدين الله المقدم مدير ديوان رئيس الحكومة المقال هشام المشيشي، وكاتب عام الحكومة وليد الذهبي، وكل مستشاري رئيس الحكومة المقال، وهم رشاد بن رمضان وسليم التيساوي ومفدي المسدي، ورئيس الهيئة العامة لشهداء وجرحى الثورة والعمليات الإرهابية عبد الرزاق الكيلاني.

وقال الرئيس التونسي، إن الإجراءات التي اتخذها مؤقتة، وإنها جاءت بسبب تعمق الأزمة، حسب وصفه.

وأضاف سعيد، خلال لقائه ممثلي منظمات محلية بينها الاتحاد التونسي للشغل، أن الحريات لن تمس بأي شكل.

فتح الملفات الحارقة

وفتح تصاعد الأحداث في تونس شهية التونسيين لإثارة الملفات المسكوت عنها، خاصة التي ‏تمس “أمن الدولة” في مقابل محاولات حركة النهضة الإخوانية لطمس تلك الملفات وعرقلة أي ‏خطوات للتعامل معها قضائيا وسياسياً، ومن أبرزها ملفات تسفير الشباب التونسي إلى بؤر ‏الارهاب في ليبيا وسوريا بين عامي 2011 و2013.

وفي أول تعليق لها على قرارات الرئيس ‏التونسي، طالبت عبير موسى رئيسة الحزب الدستوري الحر في تونس، رئيس الجمهورية ‏قيس سعيد، بـ”القيام بشكل عاجل بفتح الملفات الحارقة، الخاصة بأمن الدولة وتسفير الشباب إلى ‏بؤر الارهاب واغتيال المعارضين وعناصر الجيش والقوات الأمنية”.

ودعت موسى، في إطلالة ‏لها عبر فيسبوك، الرئيس التونسي إلى “غلق مقر الجمعيات الأهلية المشبوهة في تونس والتي ‏يتم عن طريقها تبييض أموال الجهات الداعمة للإرهاب وتجفيف منابع تمويلها”.

ورأت السياسية ‏التونسية أن “الرئيس مطالب بالإعلان عن خارطة طريق للمسار السياسي والدستوري للدولة ‏التونسية، وتشكيل حكومة جديدة بلا إخوان أو حلفائهم”.

ووجهت النائبة التونسية حديثها للرئيس ‏قائلة: “ننتظر إحالة ملفات أمن الدولة، وتغلغل الإرهاب إلى القضاء، لنرى أحكاما رادعة ‏وتحميل مسؤوليات واضحة، ولديك كل الصلاحيات التي تمكنك من ذلك”‏.