اخر الاخبار

الرصاص المنهمر من كلا الجانبين لم يعد السبب الوحيد للموت في بلد تنشغل فيها الدولة بالحرب عن ما سواها. فالولايات التي لم تتعرض حتى الآن لهجوم قوات الدعم السريع او قصف طيران الجيش في شرق وشمال السودان التي اجتاحتها الأوبئة خاصة الكوليرا وسجلت حالات وصفت حتى من قبل السلطات الصحية نفسها بانها وبائية.

جهات عليمة في الحقل الصحي   تشير إلى أن الإسهامات المائية التي انتشرت في ولايات كسلا ونهر النيل مؤخرا ومتلازمتها الكوليرا ليست عصية على السيطرة كما قد يتبادر إلى الذهن. ويعتمد علاجها على المضادات الحيوية التقليدية او المحقونة بالوريد في حالة الكوليرا. كما انها تحتاج إلى املاح التروية. والتي تقع ضمن قائمة الادوية المنقذة للحياة التي توفرها الامدادات الطبية التابعة لوزارة الصحة. وبعضها يأتي من برامج المنظمات التابعة للأمم المتحدة. من هذين المصدرين يتوفر 70 في المئة من مخزون الدواء بينما يوفر القطاع الخاص الصناعي والتجاري 25 في المئة.

وبإطلاق الرصاصة الاولي نهبت المخازن الحكومية ومستودعات المنظمات في المئة كبير توقف تصديق 16 شركة.

وبحسب مخرجات ورشة اقامتها ادارة الصيدلة والسموم بوزارة الصحة الاتحادية أن واردات الدواء بعد 7 أشهر من قيام الحرب انخفضت من أكثر 300 مليون دولار إلى 16مليون دولار ثم انحدرت إلى 2مليون دولار في الأشهر الثلاثة الاخيرة.  إذا بضرب سلاسل الإمداد الدوائي في كل البلاد انعدمت الادوية في المستشفيات.  

لكن نفس المخزون دخل إلى السوق ويباع في الصيدليات بأسعار مرتفعة. وعلى سبيل المثال ارتفع سعر قطرة العين لمعالجة التهاب ملتحمة العين المعروف باسم (كارلوسل) من 800جنيه. إلى 5000جنيه. وحلت محل شركات توزيع الدواء المعتمدة من قبل وزارة الصحة وتلتزم بالمواصفات والمقاييس التي تحددها منظمة الصحة العالمية وتلتزم بها الوزارة في نقل وتخزين الدواء مجموعات تعرف محليا باسم (الجوكية) يعرضون انواعا من العقاقير الطبية بالكاد ينطقون اسمها الصحيح. وجلهم يعملون لصالح قيادات متنفذة في طرفي الحرب. والذين يقومون بتهريب الدواء من غرب ووسط افريقيا عن طريق دولة جنوب السودان. ومن شرق وشمال افريقيا عن طريق مدينة الدمازين وبورتسودان ومدينة الدبة في شمال السودان. كما ان الارتكازات المسلحة للقوتين كل في مناطق سيطرته يصادرون شحنات الادوية ويبيعونها لمصلحتهم او يطلبون مبالغ كبيرة مقابل الافراج عنها.

لهذه الأسباب أكد أطباء وصيادلة في بعض المدن أن سوق الدواء يسيطر عليه الدواء المهرب. وهو غير مأمون وهناك أدوية كثيرة منتهية الصلاحية. طبيب جراح في مدينة الأبيض المحاصرة من كل الجهات، قال إن المريض كان يشعر بكل ما يقوم به اثناء الجراحة بسبب عدم صلاحية أمصال التخدير. وأضاف طبيب نساء وتوليد أنه امتنع عن وصف حقن الخصوبة للنساء لأنه يعلم أنها منتهية الصلاحية.

والمدن السودانية أصلا كانت ومازالت تعاني ترديا مريعا في صحة البيئة قبل الحرب بسبب تراكم النفايات التي لا تخضع لاي معالجة. واختلطت بمياه الخريف والجثث المتحللة في الطرقات والمنازل مما يوفر بيئة مناسبة لتوالد وانتشار الذباب الناقل الاساسي لمعظم الأمراض، وقد لعب دورا كبيرا في تفشي التهاب ملتحمة العين الذي اجتاح كل البلاد وفي الإسهامات. هذا إلى جانب ضرب البنيات التحتية لوزارة الصحة. فالمستشفيات التي ضربتها مدفعية الدعم السريع او قصفها طيران الجيش خاصة في الخرطوم إلى جانب كونها كانت تقدم خدمات علاجية لأكبر تجمع سكاني بالعاصمة القومية للبلاد والتي يعيش فيها 15 في المئة من عدد السكان فهي ايضا تعتبر مستشفيات مرجعية. وإذا اخدنا هذا العوامل مجتمعة سنجد أننا أمام انهيار كامل النظام الصحي وليس سلاسل الامداد الدوائي فحسب.

عرض مقالات: