اخر الاخبار

في منتصف الاسبوع الماضي التقى وفد من  قيادة الحزب الشيوعي السوداني برئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك بناء على دعوة من الاخير، حسبما افادت بيانات صادرة عن المكتب السياسي للحزب وعن رئاسة مجلس الوزراء.

ودار النقاش في اللقاء حول  الصعوبات التي تواجهها فترة الانتقال في البلاد من النواحي السياسية،  وابرزها استعادة النقابات والتحديات الاقتصادية.

وصرح صالح محمود القيادي في الحزب والذي شارك في اللقاء بان الحزب ملتزم بمواقفه التي اعلنها للجماهير من قبل. وفصل هذه المواقف قيادي شيوعي آخر، هو كمال كرار عضو اللجنة المركزية، بقوله في تصريحات صحفية  انها تتعلق بالرفض المعلن لوصفة صندوق النقد الدولي، خاصة رفع الدعم عن السلع الاساسية وتعويم سعر العملة. وهي السياسة التي تتبناها الحكومة بشكل معلن.

وعلى هذا فلا جديد في اللقاء بخصوص مواقف الطرفين، ولم يرد في سياقه ما يشي بحدوث تقارب بينهما. غير انه ابقى على الجسور  موصولة، في وقت يدعو فيه الحزب صراحة لاسقاط الحكومة.  وهذا ما يضع اللقاء في خانة المناورات وتوجيه الرسائل السياسية.

فالشيوعيون من جانبهم وبالرغم من ان الدعوة جاءتهم من رئيس الوزراء ولم يسعوا هم الى اللقاء به، الا ان قبولهم إياها  ستأخذه الاحزاب التي تشكل الحاضنة السياسية للحكومة مأخذ الجد. وهي  قد شرعت  بالفعل  في ترتيب صفوفها استعداداً لمواجهة الحزب، ان هو وضع شعار اسقاط الحكومة موضع التنفيذ. وذلك من خلال السعي الى ابعاد عناصر الحزب من اللجان المهنية، التي  تستعد لخوض معركة استعادة النقابات. وقد ظهرت نتائج هذه التحركات وسط المعلمين، حيث تعرضت عناصر الحزب لمضايقات من حلفاء الامس، مستفيدين من آليات السلطة وقوتها. لذلك فان تلك الاحزاب سيزعجها جداً تقارب حمدوك مع الشيوعيين، في ظل وجود عناصر شيوعية سابقة تحيط برئيس الوزراء، ولا تصدق الاحزاب الاخرى انهم بالفعل قد غادروا الحزب او لا تربطهم به اية علاقة، بل تعتبرهم من الخلايا النائمة.

من جانبه يرسل حمدوك من خلال هذا اللقاء رسائل الى المكون العسكري، الساعي الى اقامة تحالفات مع عناصر الادارة الاهلية والكيانات المسلحة  وبعض المدنيين في مجلس السيادة واحزاب وقيادات في “الحرية والتغيير”. وهو يقول للجميع بهذا اللقاء انه ليس معزولاً تماماً كما يعتقد البعض، او انه يمكن  الضغط عليه من خلال التكتلات السياسية.

لكن مستقبل العلاقة بين الشيوعيين ورئيس الوزراء، والتي يعتقد البعض ان مستشار رئيس الوزراء السياسي ياسر عرمان قد يكون قد لعب فيها دوراً، يتوقف على المكاسب السياسية التي يمكن ان يجنيها الحزب. علما انه لا يمكن ان يلتحق بالسلطة في ظل وجود سياسات اقتصادية معلنة تتعارض مع خطه السياسي المعلن ايضاً. كما انه لا يمكن ان يتخلى عن دعوته لاسقاط النظام، بناء على تفاهم حول اشياء لم تكن  مواقف الطرفين فيها  متباعدة الى درجة كبيرة، مثل قضية استعادة النقابات. في الوقت الذي  تبقى فيه نقاط الخلاف الجوهرية بلا حلول.

فاللقاء غير مفهوم من هذه الناحية، ولا تفسير له بعيد عن حقيقة ان لا احد يريد ان يتحمل مسؤولية  اغلاق باب الحوار في وجه الآخر، كذلك الايحاء للخصوم المشتركين  بان الخلافات بينهما مقدور عليها ويمكن حلها عبر التفاوض.  اضافة الى اعطاء انطباع ربما ان الحزب قد يغير استراتيجيته بطريقة تبقيه على مسافة غير بعيدة عن دائرة القوى السياسية المساندة للسلطة.

 كما ان للخطوة تاثيرها على حراك الشارع، وربما تدفع الاجسام الثورية ممثلة في لجان المقاومة، الى اتخاذ مواقف سلبية من دعوات الخروج الى الشارع.  لكنها من غير شك ستخلق فراغاً في المعارضة،  قد تشغله العناصر الموالية للنظام السابق، في ظل تصاعد الازمة الاقتصادية الطاحنة التي اخذت تتمظهر في حالات الانفلات الامني في عدة مدن، خاصة العاصمة الخرطوم. وهذا في وقت تتصاعد فيه اسعار السلع الضرورية وتصبح الحياة معها جحيماً لا يطاق. كما ان السلطة اخذت تلاحقها شبهات الفساد في مرافق مهمة يعتمد عليها اقتصاد البلاد، وتتكاثر اخطاء المسؤلين الى جانب تهافت الاحزاب والمحاصصات التي يزكيها قرب موعد تكوين المجلس التشريعي وتعيين حكام الولايات.

 ولا يلوح اي بصيص  امل في آخر النفق المظلم، غير الوعود التي يطلقها رئيس الوزراء في تغريداته على مواقع التواصل الاجتماعي بالعبور والنصر،  والتي تحولت الى مثار سخرية على تلك الوسائط. مما يؤسس لعلاقة بين السلطة والجماهير، لن تلبث ان تتحول الى موقف سياسي.

عرض مقالات: