اخر الاخبار

يسود توازن القوة السياسي الحرج المشهد السياسي السوداني ويفرض عليه حالة من الجمود، يسعى الشركاء الخارجيون لتحريكها عبر الضغوط على اللاعبين الاساسيين من العسكريين والمدنيين .

ففي الوقت الذي وقّع فيه اكثر من ٧٢ من تنسيقيات لجان المقاومة في كل ولايات السودان علي ميثاق سلطة الشعب الاسبوع الماضي، اعلن تحالف جديد يضم قسما من تحالف الحرية والتغيير وما يعرف بالمبادرة الدستورية عن نفسه، بتوقيع ميثاق لإكمال ما تبقى من الفترة الانتقالية ؛ في ظل وجود  تحالف الحرية والتغيير -المجلس المركزي، الذي يقبل من حيث المبدأ الحوار مع العساكر والحلول التفاوضية. كذلك اعلن قيام تحالف قوى التغيير الجذري، الذي يرفض الدخول في اي حوار مع العساكر ويلتقي مع لجان المقاومة في الاهداف الجوهرية للتغيير .

واستضافت العاصمة القطرية الدوحة الاسبوع الماضي ملتقى تفاكريا ضم عددا من الاكاديميين  والاعلاميين  والناشطين، لمناقشة تداعيات الوضع السياسي، وانطلقت ضده حملة انتقادات واسعة في الاعلام، نظرا للسرية التي إحيط بها مع انه ليس حوارا سياسيا. ثم انه ضم شخصيات جلها محسوب علي تيار التسوية  السياسية،  وبعضهم ينتمي لفكر الاخوان المسلمين مثل عبد الوهاب الافندي .

وفي ظل تسابق الرؤى هذا يعود للظهور من جديد اسم عبد الله حمدوك، رئيس الوزراء السابق . وتقول تسريبات أن الرجل يجد قبولا من العسكريين الذين لا يمانعون في توليه رئاسة مجلس السيادة،  لينصرفوا بأمان الى موقعهم الجديد في مجلس الأمن والدفاع،  كشرط لانسحابهم من السلطة السياسية وتركها خالصة للمدنيين .

من ناحية اخرى يبدو أن الشركاء الدوليين نفذ صبرهم ويريدون اية حكومة مدنية يتعاملون معها، لمواجهة الوضع المتفجر في الداخل وفي القارة الافريقية، التي يحتل فيها السودان موقعا استرتيجيا ضمن الصراع الروسي الغربي علي ساحل البحر الاحمر، بعد تجديد الاتفاق القديم بين موسكو والخرطوم لاحياء اتفاق سابق يمنح روسيا قاعدة بحرية في منطقة فلمنقو، تكون على صلة بالاسطول الصيني في جيبوتي. وعليه فان امريكا ستقبل حتى بحكومة مدنية شكلية في الخرطوم اذا كان ذلك سيهدئ مخاوف جنرالاتها ويباعد بينهم وبين روسيا في هذا الوقت الحساس. كما أن الادارة الأمريكية اصبحت زاهدة في القوى السياسية المدنية السودانية، معتقدة انها لا تملك رؤى سياسية وليست لها قدرات على التأثير في الواقع السياسي. خاصة وانها ناصرت الثورة ضد النظام السابق لانه كان يمثل شوكة في خاصرتها، وليس لانها تريد توسيع مساحة التحول الديمقراطي .

ووفقا لهذه التحركات فان الارجح هو تكوين حكومة كفاءات، يشكل تحالف الحركات المسلحة والحزبين الكبيرين الامة والاتحادي حاضنتها السياسية. ولكنها ستواجه معارضة غير سهلة من قبل لجان المقاومة والكيانات الثورية الاخرى وتحالف قوى التغيير الجذري الذي ينشط فيه الحزب الشيوعي. في حين سيذهب تحالف الحرية والتغيير - المجلس المركزي الى تكوين جبهة ثالثة  تسعى لتغيير المعادلة المرتقبة عن طريق ما تسميه العملية السياسية استنادا الى علاقاتها الخارجية . وهذا موقف ربما تستخدمه الجهات الداعمة لها في تعديل سلوك الحكومة المرتقبة، بممارسة الضغط عليها لتعديل سلوكها السياسي، ولكن ليس بالضرورة في اتجاه تحقيق شعارات الثورة، بل من اجل أهداف تلك الجهات في رفع الدعم عن السلع الاستراتيجية، وتعويم سعر العملة الوطنية، والحوكمة، وفتح الطريق امام منظمات المجتمع المدني لتحل محل التكوينات الجماهيرية، التي تقف ضد هذا التوجه، خاصة لجان المقاومة التي يحسبها بعض المراقبين على الحزب الشيوعي بسبب ما تطرحه من تصورات اشتمل عليها ميثاق سلطة الشعب المشترك مع برنامج الشيوعيين، ولأن عددا من كوادر الحزب ينشطون وسط هذه اللجان.

ويتوقع ان تشهد  الفترة القادمة اشتدادا في الصراع بين اليمين واليسار، وهو واقع ستحاول فيه قوى الحرية والتغيير أن تلعب دور تيار وسطي، تنعدم اي امكانية لبروزه  في ظل الاستقطاب الحاد الذي ينتظم الساحة السياسية بدفع دولي واقليمي. ويبدو ان الحكومة القادمة  لن تختلف عن تلك التي شكلها عمر البشير عقب ثورة سبتمبر ٢٠١٣، التي تمخض عنها ما يعرف بالحوار الوطني الذي خرج بتصور يبقي علي سيطرة النظام مع تمثيل ديكوري  لقوى سياسية وشخصيات من الوزن الخفيف؛ مما فتح الباب امام ثورة ديسمبر التي اطاحت بالحكومة.

عرض مقالات: