في معرض تقييمه السنوي لحالة العسكرة ونزع السلاح والأمن في العالم، حذر المعهد الدولي لأبحاث السلام في السويد (SIPRI) من الزيادة المضطردة في عدد وأنواع الأسلحة النووية ومن تطور اهتمام الدول المختلفة بالردع النووي، مما يسبب قلقاً شديداً، يمكن أن ينمو بسرعة في السنوات المقبلة. وذكر المعهد بأن الدول النووية التسع وهي الولايات المتحدة وروسيا والمملكة المتحدة وفرنسا والصين والهند وباكستان وجمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية وإسرائيل، واصلت تحديث ترساناتها النووية ونشرت في عام 2023، العديد من الأسلحة النووية الجديدة، او من أنظمةِ ذات قدرة نووية، بلغت نسبتها 32 بالمائة من مجموع ما تملكه من هذه الأسلحة.
تطور مخيف
وأشار المعهد إلى أن من إجمالي المخزون العالمي الذي يقدر بنحو 12121 رأسًا حربيًا في كانون الثاني 2024، كان هناك حوالي 9585 رأساً حربياً مخزوناً للاستخدام المحتمل، فيما تم نشر ما يقدر بنحو 3904 من تلك الرؤوس الحربية المحمولة بالصواريخ والطائرات، أي بزيادة 60 رأساً عما كانت عليه في كانون الثاني 2023. كما تم الاحتفاظ بحوالي 2100 رأس حربي محمول بالصواريخ الباليستية ومنشور في حالة تأهب تشغيلي عال (أنظر الجدول ادناه).
جميع التقديرات الواردة في الجدول تقريبية. لا توجد معطيات واضحة حول نشاط إسرائيل النووي، فيما لم تعد روسيا والولايات المتحدة تنشران أرقامًا إجمالية للقوات النووية الاستراتيجية المقيدة بمعاهدة عام 2010 بشأن تدابير زيادة تخفيض الأسلحة الهجومية الاستراتيجية والحد منها (ستارت الجديدة).
وعموماً تنتمي أغلبية هذه الرؤوس الحربية إلى روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، الدولتين اللتين بالإضافة إلى مخزونهما العسكري، تمتلكان أكثر من 1200 رأس حربي، سبق وأن خرجت من الخدمة العسكرية، وتقومان بتفكيكها تدريجياً. كما يُعتقد بأن الصين، وللمرة الأولى، لديها بعض الرؤوس الحربية في حالة تأهب تشغيلي عالٍ، فيما تسعى كل من الهند وباكستان وكوريا الديمقراطية إلى اكتساب القدرة على نشر رؤوس حربية متعددة على الصواريخ الباليستية، أي تقليد ما تمتلكه بالفعل روسيا وفرنسا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذي من شأنه أن يتيح زيادة سريعة في الرؤوس الحربية المنشورة، فضلاً عن إمكانية قيام البلدان المسلحة نووياً بالتهديد بتدمير عدد أكبر بكثير من الأهداف.
عودة القطبين الكبيرين
وحسب تقرير المعهد، فإن روسيا والولايات المتحدة تمتلكان معا ما يقرب من 90 في المائة من جميع الأسلحة النووية. ويبدو أن أحجام مخزوناتها العسكرية (أي الرؤوس الحربية القابلة للاستخدام) ظلت مستقرة نسبيًا في عام 2023، على الرغم من أن التقديرات تشير إلى أن روسيا نشرت حوالي 36 رأسًا حربيًا إضافيًا مع قوات تشغيلية، وإنها قامت بنشر أسلحة نووية على الأراضي البيلاروسية. غير أن الحقيقة تشير إلى عدم وجود أدلة مرئية قاطعة على الإدعاءات الأخيرة، خاصة في ظل تراجع الشفافية فيما يتعلق بالقوات النووية لكلا القطبين، ولاسيما في أعقاب الغزو الروسي واسع النطاق لأوكرانيا، والذي زاد من أهمية المناقشات حول ترتيبات التقاسم النووي.
أقطاب جديدة
من جهته اعترف هانز إم كريستنسن، مدير مشروع المعلومات النووية في اتحاد العلماء الأمريكيين (FAS)، بإن جميع الدول، بما فيها الصين، لديها خطط أو مسعى كبير لزيادة القوات النووية، وربما تعمل الصين على توسيع ترسانتها النووية بشكل أسرع من أي دولة أخرى.
وارتفعت تقديرات معهد سيبري لحجم الترسانة النووية الصينية من 410 رؤوس حربية في كانون الثاني 2023 إلى 500 رأس في كانون الثاني 2024، ومن المتوقع أن تستمر في النمو. واعتمادًا على الطريقة التي تقرر بها هيكلة قواتها، فإن الصين تقوم وللمرة الأولى، بنشر عدد صغير من الرؤوس الحربية على الصواريخ أثناء وقت السلم، فيما يتوقع أن تمتلك الصين على الأقل عددًا من الصواريخ الباليستية العابرة للقارات (ICBMs) مثل روسيا أو الولايات المتحدة الأمريكية بحلول نهاية العقد.
وعلى الرغم من أن المملكة المتحدة لم تزد كما يبدو من ترسانتها من الأسلحة النووية في عام 2023، فإن من المتوقع أن ينمو مخزونها من الرؤوس الحربية في المستقبل نتيجة لإعلان الحكومة البريطانية في عام 2021 عن أنها سترفع الحد الأقصى من 225 إلى 260 رأسًا حربيًا. وقالت الحكومة أيضًا إنها لن تكشف علنًا بعد الآن عن كميات الأسلحة النووية أو الرؤوس الحربية أو الصواريخ المنشورة.
وواصلت فرنسا في عام 2023، برامجها لتطوير غواصة الصواريخ الباليستية من الجيل الثالث التي تعمل بالطاقة النووية (SSBN) وصاروخ كروز جديد يُطلق من الجو، بالإضافة إلى تجديد الأنظمة الحالية وتحديثها.
وقامت الهند بتوسيع ترسانتها النووية بشكل طفيف في عام 2023. وواصلت كل من الهند وباكستان تطوير أنواع جديدة من أنظمة إيصال الأسلحة النووية مؤخراً. وبينما تظل باكستان هي المحور الرئيسي للردع النووي الهندي، يبدو أن دلهي تركز أيضاً وبشكل متزايد على الأسلحة الأطول مدى، بما في ذلك الأسلحة النووية، تلك القادرة على الوصول إلى الأهداف في جميع أنحاء الصين.
وتواصل كوريا الديمقراطية إعطاء الأولوية لبرنامجها النووي العسكري كعنصر أساسي في استراتيجية الأمن القومي. وتشير تقديرات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام إلى أن البلاد قامت الآن بتجميع حوالي 50 رأسًا حربيًا وتمتلك ما يكفي من المواد الانشطارية للوصول إلى ما مجموعه 90 رأسًا حربيًا، وهي زيادة كبيرة مقارنة بتقديرات العام 2023. ورغم أن كوريا لم تقم بأي تفجيرات تجريبية نووية في العام الماضي، إلا أنها أجرت كما يبدو أول اختبار لصاروخ باليستي قصير المدى من صومعة بدائية. كما أكملت تطوير نوعين على الأقل من صواريخ كروز للهجوم الأرضي (LACM) المصممة لإيصال الأسلحة النووية. واعرب المعهد عن اعتقاده بأن إسرائيل التي لا تعترف علنًا بامتلاك أسلحة نووية، تعمل على تحديث ترسانتها النووية وتطوير موقع مفاعل إنتاج البلوتونيوم في ديمونة.
تدهور الدبلوماسية النووية
وأكد المعهد على ان دبلوماسية الحد من الأسلحة النووية ونزع السلاح قد عانت من انتكاسات كبيرة في العام الماضي، حيث أعلنت روسيا والولايات المتحدة عن تعليق مشاركتهما في معاهدة عام 2010 بشأن تدابير زيادة تخفيض الأسلحة الهجومية الاستراتيجية والحد منها (ستارت الجديدة)، وهي آخر معاهدة متبقية للحد من الأسلحة النووية.
وفي تشرين الثاني الماضي، سحبت روسيا تصديقها على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، بسبب عدم التوازن مع الولايات المتحدة، التي لم تصادق على المعاهدة منذ فتح باب التوقيع عليها في عام 1996. ورغم تأكيدات موسكو على أن قرارها هذا لن يؤثر على مشاركتها في عمل منظمة معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية (CTBTO)، فقد اجرت في ايار الماضي، تدريبات على الأسلحة النووية التكتيكية بالقرب من الحدود الأوكرانية.
وقد أدهشت هذه التطورات مدير برنامج أسلحة الدمار الشامل في معهد ستوكهولم الدولي، فصرح بأنه لم ير أحد منذ الحرب الباردة دوراً بارزاً تلعبه الأسلحة النووية في العلاقات الدولية كما يراه اليوم، حتى بات من الصعب أن نصدق بأنه لم يمر سوى عامين، منذ أن أكد زعماء الدول الخمس الكبرى المسلحة نوويا بشكل مشترك على أن الحرب النووية لا يمكن كسبها ولا يجب خوضها أبداً.
لا عتمة مطلقة
وأشار المعرض أيضاً إلى وجود بعض كوى من الضوء في هذه العتمة المتزايدة، حيث أدى الاتفاق غير الرسمي بين إيران والولايات المتحدة إلى تهدئة مؤقتة للتوترات بين البلدين، والتي تصاعدت بسبب الدعم العسكري الإيراني للقوات الروسية في أوكرانيا. كما بدت الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، إلى بكين مهمة في توسيع مساحة الحوار بين الصين والولايات المتحدة حول مجموعة من القضايا، بما في ذلك الحد من التسلح، واستئناف الاتصالات العسكرية بين البلدين.
انتكاسة
وذكر المعهد بأن الحرب الذي شنتها إسرائيل على غزة قد قلبت الاتفاق الأيراني ـ الأمريكي رأساً على عقب، حيث يبدو أن الهجمات بالوكالة التي شُنت على القوات الأمريكية في العراق وسوريا قد أنهت الجهود الدبلوماسية الإيرانية الأمريكية. كما قوضت الحرب الجهود الرامية إلى إشراك إسرائيل في مؤتمر إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل الأخرى في الشرق الأوسط.
وخلص المعهد إلى إن آثار الحربين في أوكرانيا وغزة باتت واضحة في كل جانب تقريبا من القضايا المرتبطة بالتسلح ونزع السلاح والأمن الدولي، إضافة إلى التأثير المدمر للصراعات المسلحة النشطة في 50 دولة أخرى كما هو الحال في جمهورية الكونغو الديمقراطية والسودان وميانمار ونشاط العصابات الإجرامية المسلحة في بعض دول أمريكا الوسطى والجنوبية. وهو ما دفع بمدير المعهد دان سميث، إلى القول بأننا في واحدة من أخطر الفترات في تاريخ البشرية، حيث هناك مصادر عديدة لعدم الاستقرار، مثل المنافسات السياسية، وعدم المساواة الاقتصادية، والاضطراب البيئي، وسباق التسلح المتسارع. إن الهاوية تلوح في الأفق، وقد حان الوقت للقوى العظمى أن تتراجع وتتأمل، ويفضل أن يكون ذلك معًا.