يعّد مقال كتبته الصحفية العراقية بولينا حسون، في مجلة (ليلى) الصادرة يوم 15 أذار 1924، أهم وربما أول مقال يدعو علناً للنهضة النسوية، والذي دعت فيه الرجال لدعم المرأة في نضالها قائلة "إن نجاح النهضة النسوية الناشئة منوط بغيرتكم وشهامتكم أيها الرجال". وكان أن تعرضت لردود قاسية من قوى التخلف، أجبرتها على العيش في المنفى حتى وفاتها في عام 1969.
كما يذكر التاريخ لنا المعركة التي خاضتها المربية الفاضلة معزز محمد توفيق برتو مديرة مدرسة البارودية للإناث، في نفس السنة من أجل تعليم البنات وحقوقهن، في وقت حورب فيه نادي (النهضة النسائية) وأجبرت القائمات عليه وأبرزهن أسماء الزهاوي، على تحويله إلى نادي (المرأة) لخوفهم من النهضة!
في عام 1929 مثلت كل من أمينة الرحال وجميلة الجبوري نساء العراق في المؤتمر النسائي الثاني والذي عُقد في دمشق، ثم في المؤتمر الثالث الذي انعقد في العراق العام 1932. وبدأ نضال النساء يمتد للمطالبة بحقهن في العمل بمجالات الحياة المختلفة، والاستقلال الاقتصادي وإعطاء المرأة حرية ارتداء الحجاب من عدمه.
وجاء ولادة الحزب الشيوعي العراقي 1934 والحزب الوطني الديمقراطي 1946 ليفتح الساحة رحبة لإنخراط النساء في العمل الحزبي السري والعلني، ولعل من أبرز المناضلات في هذا السياق المحامية أمينة الرحال وعدوية الفلكي. كما تأسست الجمعية النسوية المناهضة للفاشية والنازية والاستعمار والامبريالية، بقيادة عفيفة رؤوف عام 1942، وجمعية الرفيقات التي هدفت لمكافحة الأمية بين النساء وغيرها.
وفي العام 1936، صدرت مجلة (المرأة الحديثة) لصاحبتها حمدية الخفاجي، لإيصال صوت المرأة ومواصلة النضال النسوي. وفي 1946 صدرت مجلة "تحرير المرأة" التي كان من أبرز أهدافها تخفيف قيود المجتمع التي تتحكم بحياة النساء.
بعد ثورة 14 تموز 1958 انخرطت النساء في معظم الأنشطة السياسية والرياضية والاقتصادية والفنية وغيرها، وشغلت العديد من النساء مناصب مرموقة في المؤسسات الحكومية والوزارات، من أبرزهن الدكتورة نزيهة الدليمي، وزيرة البلديات، وهي أول امرأة تشغل منصب وزاري على مستوى العراق والدول العربية، و فيحاء إبراهيم كمال، عضو الوفد الممثل للعراق في الأمم المتحدة، و زكية اسماعيل، أول قاضية في البلاد، فيما تطورت مساهمة المرأة في التنمية الاجتماعية بإصدار أفضل قانون للأحوال الشخصية في تاريخ العراق والمنطقة، وفي التنمية الثقافية، الذي لعبت فيها زينب و ازادوهي صاموئيل ونازك الملائكة وعاتكة الخزرجي وغيرهن، ادواراً هامة.
وانتزعت النساء في فترة الستينيات والسبعينيات حقوقاً أكثر كالمساواة في الأجور وإجازات للحمل والولادة وساعات الرضاعة ومنع النساء من العمل في ظروف غير مناسبة لهن، وقانون التقاعد والضمان الاجتماعي الداعم للنساء العاملات، وقانون التعليم الإلزامي والذي ألزم التعليم للفتية والفتيات حتى عمر 16 عاماً، ومنع التزويج القسري للفتيات.
وما زال الكفاح لصيانة ما حققته المرأة مستمراً مقترناً بالنضال من أجل المزيد حتى يبزغ مجتمع الحرية والعدالة لبني البشر رجالاً ونساءً.
نزيهة الدليمي
تعد الفقيدة د. نزيهة الدليمي، أبرز رائدات الحركة النسوية العراقية وأيقونة النضال من أجل حقوق المرأة وقيام مجتمع حر وعادل في بلادنا، خلال هذا القرن من الزمان.
ولدت في عام 1923 في بغداد، لعائلة مكونة من أربعة أخوة وأختين، ولأب، بذل جهداً كبيراً رغم ظروفه الاقتصادية الصعبة، لتعليم أولاده وبناته، فتمكنت من اكمال دراستها في كلية الطب بجامعة بغداد، وتثقيف نفسها ثقافة سياسية واجتماعية وفي مجال التاريخ والاقتصاد.
تعرفت على أول جمعية نسائية هي (الجمعية النسوية ضد الفاشية والنازية) إبان الحرب العالمية الثانية، وانضمت لها ونشطت في صفوفها، وكتبت في مجلتها (تحرير المرأة) وفي نضالها من أجل حقوق المرأة العراقية، وفي إطار الكفاح من أجل عراق مستقل وحكومة ديمقراطية وضد الاستعمار والاقطاع والتخلف في مختلف نواحي الحياة. كما عاشت بين الناس وتعرفت على ما يعانيه الكادحون وخاصة النساء من شظف العيش والتمييز والفقر والأمية وغياب الرعاية الصحية، فتبنت ثلاثة شعارات هامة تتعلق بالنضال من أجل التحرر الوطني والسلام العالمي، والدفاع عن حقوق المرأة، وحماية الطفولة.
وفي العاشر من آذار 1952 ساهمت في تأسيس رابطة الدفاع عن حقوق المرأة والتي أبدلت اسمها في المؤتمر الثاني في آذار 1960 إلى رابطة المرأة العراقية، وتبوأت قيادتها، ولعبت دوراً مهماً في تحويلها لأبرز حركة ديمقراطية نسائية. شغلت منصب وزيرة البلديات، وحققت خلال عملها الكثير من مطامح المناطق الكادحة في بغداد والمحافظات. كما ساهمت في تشريع أفضل قانون للأحوال الشخصية، القانون 188 لسنة 1959.
أصدر انقلابيو شباط 1963 حكماً بالإعدام الغيابي عليها، كما أسقطت جنسيتها العراقية، لكنها بقيت متمسكة بنهجها النضالي من أجل حقوق المرأة ومن أجل حرية العراق وسعادة شعبه، حتى رحيلها في 2007.