نشرت طريق الشعب في 18 أيلول/سبتمبر 2023 مقالا بعنوان: "ممر المواصلات الهندي الخليجي المتوسطي وتأثيره على العراق" لأهمية هذه المشاريع الاستراتيجية. ولا زلنا نشهد ازدياد حرائق المعارك الدولية ومنها ما له علاقة بالممرات الاقتصادية الجديدة، وخاصة بعد أن قررت أمريكا جمع الأطراف للاتفاق حول المشروع الهندي الخليجي الإسرائيلي الأوربي المسمى ايميك (IMEC) (انظر الخارطة رقم 2) والذي ينوي ربط شبه القارة الهندية بأوروبا فيعبر دول الخليج والسعودية وإسرائيل بواسطة البر ثم يعبر البحر إلى الاتحاد الأوروبي عبر ميناء حيفا في إسرائيل. ولكن برز هناك بديل أخر، (وهو مشروع قديم جديد) يتجنب إسرائيل وجوارها غير المستقر بشكل متصاعد ومستمر ليؤمن ربط أوروبا بآسيا والهند عبر العراق وتركيا فقط. ولا يفوتنا هنا ذكر طريق ثالث ولكنه لدول خاضعة للعقوبات الامريكية يربط سان بطرسبرج في روسيا عبر إيران بالهند، فسبق ان اتفقت روسيا وإيران على استكمال خط سكة حديد يربط روسيا بالموانئ على الخليج من الجانب الإيراني، ليوفر النقل عبر أذربيجان كحلقة وصل حاسمة، للدولتين المتضررتين من العقوبات الامريكية، وعندما يكتمل هذا الجزء (من المقرر أنهاؤه عام 2027) فسيسمح بالنقل السككي دون انقطاع على طول ما يُعرف بالممر الدولي للنقل من الشمال إلى الجنوب (INTSC) بهدف ربط روسيا بالمحيط الهندي (انظر الخارطة رقم 1). واكتسب هذا الممر حيوية بعد الحرب مع أوكرانيا والمحاولات الاقتصادية الغربية الهادفة لعزل روسيا اقتصاديا.
المناخ الدولي اليوم مشحون جدا بالتوترات الجيوسياسية الحاسمة. فتقوم إسرائيل وبدعم أمريكي علني وواضح بشن عدوان شرس على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة المحتلة، كما وتهدد لبنان وإيران وتقصف سورية، ويقوم الحوثيون في اليمن بضرب الحمولات الذاهبة الى إسرائيل عبر البحر الأحمر، الذي يحمل 40 بالمائة من حركة المرور البحرية العالمية. وفي الأفق تلوح حرب في بحر الصين الجنوبي نتيجة زيادة حشد قوات الولايات المتحدة بالقرب من الصين. ولم تبدو الطرق البحرية التي تربط الشرق والغرب غير آمنة على هذا النحو منذ قرون. وتسنمت الطرق البرية التي تربط آسيا وأوروبا فجأة قمة الأهمية، لقد أنشأت الصين بالفعل روابط سكك حديدية بين الاثنين كجزء من مبادرة الحزام والطريق (BRI) (انظر الخارطة رقم 3)، ولكن منذ أن بدأت الحرب الأوكرانية الروسية، أخذت حتى هذه الطرق تواجه إشكاليات. وهنا بدأت دول القوقاز تروج للممر الأوسط الذي ينحدر تحت بحر قزوين، ويتجنب روسيا تماما، ويزعم أنه قد يقلل من أوقات العبور إلى النصف. فقد وقعت الصين وأوزباكستان وقيرغيزستان اتفاقا في حزيران الماضي لتنفيذ مشروع سكة حديد يربط بين الدول الثلاث، على أن يبدأ البناء في أكتوبر/ تشرين الأول. وسيتصل الخط بطرق النقل المتجهة إلى أوروبا من خلال خطوط سكك حديدية أخرى تمر عبر تركمانستان وتركيا. وفي نفس الوقت تقوم روسيا بترويج طريقها البحري الشمالي (NSR) فوق البلاد (انظر الخارطة رقم 4)، والآن بعد أن أدى الانحباس الحراري العالمي إلى إزالة الكتل الجليدية من الطريق، ويعد بتقصير الوقت اللازم لإرسال البضائع من أوروبا إلى آسيا بشكل كبير بعدة أسابيع. وفي حين تلاحق المخاوف الأمنية معظم الطرق البحرية الأخرى، فإن روسيا فقط لديها كاسحات الجليد التي تعمل بالطاقة النووية اللازمة لعبور هذا الطريق.
جاءت أمريكا عبر الهند بمقترح ممر ايميك، الذي يعبر الشرق الأوسط ويتجنب تماما بحر قزوين والبحر الأسود، والمخطط تقسيمه إلى قسمين: الممر الشرقي، الذي سيربط الخليج العربي بالهند، والممر الشمالي، الذي يربط الخليج بأوروبا. ومن المقرر جمع البضائع الهندية في ميناء مومباي وشحنها إلى جبل علي في الإمارات العربية المتحدة، قبل نقلها عبر المملكة العربية السعودية بالقطار إلى إسرائيل، حيث سيتم إرسالها بالسفن من حيفا في محطتها الأخيرة إلى الموانئ الأوروبية في بيرايوس في اليونان ومرسيليا في فرنسا وميسينا في إيطاليا، لتدخل الاتحاد الأوروبي.
وهناك مشروع طريق التنمية العراقي التركي الذي يربط تركيا بالفاو (انظر الخارطة رقم 5)، ففي مؤتمر دولي في 27 مايس/ آيار 2023 في بغداد، أعلن رئيس الوزراء العراقي، عن مشروع “طريق التنمية” الذي يهدف إلى ربط الخليج بأوروبا عبر شبكة طرق برية وسكك حديدية تبدأ من ميناء الفاو. وبسبب المناطق الساحلية الضيقة والضحلة بالقرب من البصرة وشط العرب، فلم يكن من الممكن إنشاء ميناء عالي الطاقة هناك، ولهذا تقرر بناء ميناء الفاو الكبير على الخليج العربي، لمعالجة هذا التحدي. ومن المزمع ان يربط طريق التنمية ميناء الفاو بالحدود التركية ويمتد إلى أوروبا.
ماذا يعني طريق التنمية للعراق؟
إن أهم ميزة يبشر بها طريق التنمية تكمن في سرعته العالية وتكلفته المنخفضة. حيث يوفر نقل البضائع إلى السوق الأوروبية من الفاو ويختصر زمن الشحن بين آسيا وأوروبا إلى نحو نصف الزمن الحالي عبر قناة السويس. ويتوقع أن يقلل المشروع من زمن ما يستغرقه نقل البضائع بين ميناء شنغهاي في الصين وصولاً إلى ميناء روتردام في هولندا، من 33 إلى 15 يوما، وهو لا يقتصر على البنية التحتية للنقل فقط، وإنما يشمل أيضاً خطوط النقل للطاقة والاتصالات. ونظرا لأن العراق هو الدولة الوحيدة خارج الاتحاد الجمركي للاتحاد الأوروبي على طول الطريق، فهذا سيوفر أيضا كثير من الكلف ومن وقت الاجراءات البيروقراطية الكبيرة. وعلاوة على البنية التحتية المخطط لها بين البصرة وتركيا، فإن خطوط الخدمات اللوجستية في تركيا مكتملة بالفعل في الغالب. وهكذا يقدم طريق التنمية ميزة لا يمكن إنكارها من حيث السرعة وقدرة النقل مقارنة بالممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا ايميك الذي أُعلن عنه في سبتمبر 2023. العراق وتركيا يضعان توقعات عالية على المشروع، ويتضح ان هناك استعدادا من الجانبين لتحمل المخاطر السياسية. يعتبر العراق هذا الممر جسرا حيويا يربط بين الدول الصناعية والزراعية الحية في آسيا والدول المتقدمة تكنولوجيا والصناعية القوية والمزدهرة في أوروبا. كما ويتصل بخط الطريق والحزام الصيني في تركيا (انظر الخارطة رقم 6)، ويمتد على طول مسافة 1200 كيلومتر، ويربط ميناء الفاو الجنوبي بالحدود التركية في الشمال عبر شبكة من السكك الحديدية والطرق السريعة، ويمر عبر عشر مدن عراقية. وتقدر الاستثمارات الأولية بنحو 17 مليار دولار، مع أرباح سنوية متوقعة تصل إلى حوالي 5 مليارات دولار ويخلق ما لا يقل عن 100 ألف وظيفة. كما تم التخطيط لإنشاء مراكز لوجستية ومدن صناعية ضمن الشبكة وقد تشمل خطوط أنابيب النفط والغاز. وسيوفر طريق التنمية تكاليف نقل مخفضة وأوقات عبور أقصر، على عكس الممرات الاخرى، حيث تحتاج تلك العديد من نقاط التحميل والتفريغ مما يزيد من التكلفة ويستغرق وقتا أطول. وستنقل القطارات عالية السرعة البضائع والركاب بسرعات تصل إلى 300 كيلومتر في الساعة عبر البلاد. وبحسب مصادر حكومية عراقية ان البناء سيستمر حتى عام 2050.
الجزء الخاص بالعراق يتضمن ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: تشمل استكمال بناء وتطوير ميناء الفاو الكبير بمحافظة البصرة وتنتهي عام 2028، وتتيح نقل 3.5 مليون حاوية بالقطار و22 مليون طن من البضائع السائبة سنويا.
المرحلة الثانية: تتضمن استكمال بناء السكك الحديدية والطرق البرية في العراق وتركيا بحلول عام 2033، مما يتيح نقل 7.5 مليون حاوية و33 مليون طن من البضائع سنويا.
المرحلة الثالثة: تتضمن الانتهاء من أعمال البناء والتطوير في ميناء الفاو الكبير بحلول عام 2050، مما يتيح نقل 40 مليون طن من البضائع سنويا.
سيفتح المشروع بوابة على أوروبا بعد انتهائه ونتيجة للصراعات التي عانى منها العراق لعقود من الزمان، فإن أغلب شبكات الطرق والسكك الحديدية في حالة سيئة، مما يزيد من تكاليف التجارة ويعرقل اندماج العراق في الأسواق الإقليمية والعالمية. وسيساعد هذا المشروع في تحسين البنية التحتية في قطاع النقل وانفتاح العراق على أوروبا والعالم، مما يساعد في تحقيق أهداف العراق التجارية في التنمية وتحقيق الرفاه. وعند اكتماله، سيكون المشروع أقصر طريق يربط دول الخليج بأوروبا. وبما أن مشروع الطريق السريع يمر عبر تركيا، فسيتم ربط دول الخليج الأخرى، بالإضافة إلى الأردن وإيران، بأوروبا أيضا.
سيعزز هذا الطريق عبر العراق سيولة نقل الطاقة فسيكون نقطة عبور لشحنات الطاقة الخليجية إلى أوروبا، ويتم ربط العراق بأسواق الطاقة الدولية عن طريق البر. وفي نهاية المطاف، سيوفر طريقا منخفض التكلفة ليس فقط للنفط والغاز العراقيين، ولكن أيضا للنفط والغاز الإيراني والقطري والخليجي. ومن خلال المشروع الجديد، تتصور حكومة العراق تسيير قطارات عالية السرعة على هذا الطريق، وربط المراكز الصناعية المحلية وخطوط أنابيب الطاقة لتسهيل تجارة الطاقة. وتمتلك تركيا بالفعل خطوط أنابيب وخطوط نقل للنفط والغاز تمر عبر المنطقة، ومنها خط أنابيب النفط الخام العراقي التركي، الذي ينقل النفط المنتج في كركوك بالعراق (تديره محليا حكومة إقليم كردستان)، إلى جيهان بتركيا.
إن النسيج المعقد للسياسة الدولية يقدم ثلاثة مسارات بديلة للتجارة العالمية، ويحاول بعضها تجنب المبادرة العراقية. وتزيد التحيزات الإقليمية، والعقبات الداخلية بما فيها المخاطر الأمنية، ونفوذ الفصائل المختلفة، والمكونات القبلية، فضلا عن التحديات المالية والموقف الحذر لشركات الاستثمار الأجنبية، من تعقيد الأمور. وعلاوة على ذلك، هناك ضعف في المشاركة الدولية، لتركيا دور حاسم في نقل موارد الطاقة من القوقاز وروسيا إلى الأسواق الأوروبية المتعطشة للطاقة. وإذا لم يتم بذل جهود جادة لحشد مشاركة دولية قوية، تتضاءل أهمية الطريق.
وهذا يثار التساؤل: هل يستطيع هذا الممر العراقي أن ينافس بفعالية الطرق البديلة التي تمر عبر إيران إلى تركيا أو من المملكة العربية السعودية إلى إسرائيل؟ وهل يمتلك حقاً القدرة على الظهور كطريق عالمي كما هو متصور؟
المخاوف المشتركة
إن توقعات حكومتي العراق وتركيا من المشروع عالية وكما يتضح من استعداد الجانبين لتحمل المخاطر السياسية. والجدير بالذكر أن الحكومة العراقية أعلنت حزب العمال الكردستاني منظمة غير قانونية لأول مرة، وهذا تطور مهم. ومن المرجح أن يكون رد الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان الإيجابي على المخاوف الأمنية التركية راجعا إلى آمالهما الكبيرة في هذا المشروع، الذي سيضع العراق كلاعب اقتصادي رئيسي في المنطقة. إن دعم موقف تركيا الأمني يشكل تكلفة يمكن تحملها بالنسبة للعراق في مقابل مثل هذا المكسب.
وربما ستبدأ تركيا والعراق وحكومة إقليم كردستان عمليات عسكرية لتأمين هذا الطريق ومعالجة مخاوف تركيا من الإرهاب. وبهدف القضاء على وجود حزب العمال الكردستاني وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش). ويواجه الجزء الخاص بإقليم كردستان من المشروع انتقادات متكررة من بعض قادة حزب الاتحاد الوطني الكردستاني وحلفائه، الذين يشككون في مكاسب حكومة إقليم كردستان. ويمر الطريق بين الفاو ومعبر أوفاكوي التركي بالقرب من فيشخابور عبر الحدود الإدارية للموصل، متجنبا بشكل أساسي إقليم كردستان العراق بسبب تضاريسه الجبلية. ومع ذلك، فللمشروع منفعة للإقليم من خلال توفير مبرر مهم للاتفاق على صادرات النفط بين بغداد وأربيل وخفض تكلفة السلع المستوردة للإقليم. ويشكل المشروع حافزا للطرفين على حل النزاع بشأن صادرات النفط والغاز.
وطرحت قضية تقاسم المياه غير المحلولة بين تركيا والعراق خلال زيارة أردوغان للعراق، فقد يؤدي انخفاض مستويات نهري دجلة والفرات إلى التسبب في اشتداد الجفاف وحدوث مجاعة، فسلط الجانب العراقي الضوء على تداعيات انخفاض مستويات المياه، وخاصة من تركيا، منذ عام 2021. فهذا الانخفاض، إضافة الى قطع إيران المياه، أدى إلى انحسار الأراضي الزراعية بنسبة 50 بالمائة في العراق. وأكدت تركيا والعراق على ضرورة تعاون البلدين لمعالجة هذه القضية، التي تفاقمت بسبب ظاهرة الاحتباس الحراري العالمي.
التحديات التي تواجه المشروع
لا يخلو طريق التنمية من التحديات. فمن الضروري فرض الاستقرار والأمن وسيطرة الدولة في المناطق التي يمر فيها المشروع. ومن أسباب عدم الاستقرار وجود حزب العمال الكردستاني وتنظيمات داعش في بعض مناطق شمال العراق. ويتعين على الأطراف المعنية (الحكومة العراقية المركزية وإقليم كردستان وتركيا) التعاون وفرض الاستقرار والأمن في غضون إطار زمني واضح.
إن القضاء على المنظمات الإرهابية التي تشكل مخاطر أمنية في المنطقة يشكل تحديا كبيرا لاستقرار وتطور البلدين. وتوفر التركيبة السكانية في العراق وسوريا موارد، بما في ذلك البشر والأسلحة والتمويل، لكل من حزب العمال الكردستاني وتنظيم داعش. ولا يمكن انهاء وجود هذه المنظمات، على الأقل في الممارسة العملية، دون كسب دعم القبائل المحلية الكردية والعربية.
ويشكل نجاح سعي العراق لتحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي ومكافحة الفساد المستشري والمؤثر عصلى صناع القرار في الدولة، تحديا إضافيا أمام المشروع. فيمكن لدول مثل إيران التأثير على بعض الساسة العراقيين لتعطيل المشروع، وتوليد مخاطر كبيرة، مما قد يؤدي الى تأخير جدول المشروع وإلى تقليل كفاءته.
ومما لا شك فيه أن الصين، التي تبذل جهدا ونفوذا كبيرا لصالح مشروعها الخاص (مبادرة الحزام والطريق)، ربما ستشعر بان ليس لها مصلحة في مشروع خط التنمية العراقي وبالتالي، لن تتردد في محاولة التأثير على الأطراف المعنية. وقد تستخدم الصين الاستثمارات والقروض التي تتوقعها الدول الإقليمية كأدوات لهذا التأثير، فتصبح القروض القائمة عوامل ضغط على الدول التي تعمل ضد مصالحها ويمكن تقديم قروض جديدة للترغيب في القيام بأشياء لصالحها. وقد حظيت مبادرة الحزام والطريق الصينية باعتراف واسع النطاق في جميع أنحاء العالم. ويمكن للصين، بقدراتها القوية وخبرتها الغنية المساهمة في تطوير البنية التحتية، وان تكون شريكا مثاليا للعراق في تنفيذ برنامج "الطريق إلى التنمية". وحسب المصادر التركية، فإنهم مستعدون لتعزيز التعاون مع الصين في تطوير البنية التحتية، وهم يتفاوضون مع الجانب الصيني بشأن تمويل العديد من خطوط السكك الحديدية الجديدة، كما ويدعون اليابان أيضا إلى توفير التمويل. فعلى العراق تعزيز التواصل مع الصين وكسبها كلاعب في مشروع طريق التنمية الذي يمكن ان يصب في مبادرة الحزام والطريق (انظر الخارطة رقم 6).
وربما ستتكون لدى الولايات المتحدة الامريكية هواجس ضد هذا المشروع باعتباره بديلا لمشروع ايميك الذي كانت احدى أهدافه تطبيع وتقوية العلاقات بين اسرائيل والدول العربية المحيطة والمساهمة في مشروع ايميك، مما يضيف تحديا آخر للمشروع العراقي التركي. إن الهم الأساسي للولايات المتحدة هو تخريب مبادرة الحزام والطريق الصينية، فاذا نجح العراق في اقناع الولايات المتحدة الامريكية أنه من الأجدى لها دعم عدة ممرات وعدة برامج بديلة للتنمية، بدلا من التركيز فقط على مجرد الجهود لعزل مبادرة الحزام والطريق الصينية، قد يؤدي إلى نتائج أكثر فعالية بالنسبة لها. ومن المجدي للولايات المتحدة أن تثبت أنها تقدم خيارات أكثر حيوية ومنفعة من الصين، وأنها قادرة على تطوير بدائل متعددة في وقت واحد. وهذا من شأنه أن يقنع الدول الإقليمية، التي لا توافق على العمليات العسكرية الإسرائيلية العدوانية في غزة، بالانضمام إلى تحالف جديد من أجل تحقيق الفوائد الاقتصادية والأمنية لدول المنطقة ولأوروبا ولها.
قد تشعر إيران ان طريق التنمية يؤثر بشكل كبير على سياستها ورؤيتها ودورها في الشرق الأوسط وعلى نفوذها في المنطقة. فعلى الأمد القريب، تخاطر إيران بفقدان طرقها اللوجستية لتزويد حلفائها بالأسلحة عبر العراق إلى لبنان. وإذا تشكل الوعد الاقتصادي للمشروع، فسيصبح من الصعب على إيران ايصال الموارد للقوات الحليفة والحفاظ على مناطق نفوذها. وقد تشارك إيران لمواجهة هذه المخاطر الاستراتيجية، في مشاريع من شأنها زعزعة استقرار العراق.
التحول الإقليمي الاستراتيجي
من الواضح أن طريق التنمية يواجه مصاعب كبيرة. ولكن منافسيه وخاصة ايميك يواجهون تحديات أكبر في التكلفة وفي الجدوى. فبالنسبة لدول الغرب التي دعمت مشروع الممر الهندي الشرق اوسطي الأوربي تتولد هناك عدم ثقة بهذا المشروع، وليس فقط بسبب عدم استقرار إسرائيل وعدوانها المستمر على دول الجيران، بل أيضا هم يعلمون ان المحطة الأوربية النهائية لهذا الممر، أي ميناء بيرايوس اليوناني يقع تحت سيطرة الصين، اذ تقوم بإدارته شركة كوسكو للشحن وهي شركة صينية.
إن إقليم كردستان العراق قادر على استخدام هذا المشروع كنقطة أساسية في معالجة مشكلة الفساد المتجذرة والاقتصاد غير الكفء، كما ويمكنه إقناع المجتمع العراقي بالاتحاد حول هدف مشترك، وهو مواجهة عدم الاستقرار الداخلي الناجم عن النفوذ القوي لدول الإقليم والحد من مشاعر العواطف الانفصالية عند البعض في كردستان، ويمكن للحكومة المركزية العراقية تعزيز روح المواطنة والهوية المشتركة لكامل مكونات الشعب، والسيطرة على الخلل في النمو السكاني السريع ومنع إشعال أزمة هجرة دولية جديدة. ويمكن لتركيا، بحضورها الصناعي والاقتصادي القوي في الشرق الأوسط، أن تزيد من حصتها في السوق وتوسع إنتاجها بأرباح أكبر، وبالتالي الحد من التضخم وزيادة فرص العمل وخلق أساس أقوى لاقتصادها. كما يمكنها أن التخلص من التهديدات الأمنية ومن الإرهاب من خلال تعاون أمني أكبر مع جارتها الجنوبية.
ويمكن للدول أصحاب المصلحة في الشرق الأوسط ومنها الدول الخليجية وأوروبا كسب المليارات من خلال خفض تكاليف الشحن. وعلاوة على ذلك، فإن التحولات التدريجية من خلال مبادرات مثل طريق التنمية يمكنها تعزيز سلام دائم في الشرق الأوسط، فالاستقرار الناتج عن ذلك سيعود بالنفع على شعوب المنطقة وعلى الدول الاوربية التي تعاني من تحديات اقتصادية وسياسية.