اخر الاخبار

في ظل الأجواء الدولية المشحونة بشهوة السيطرة والنهب وعربدة ما يسمى بالقطب الأحادي الدولي للسيطرة على العالم ونهب ثرواته من خلال أذرع الرأسمالية صندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية والعولمة. أعلنت بلدان بريكس التي تضم كلا من روسيا والهند والصين وجنوب افريقيا والبرازيل في عام 2011 عن انشاء تكتل اقتصادي دولي لتحقيق مصالحها المشتركة والعمل على إقامة نظام اقتصادي عالمي متعدد الأقطاب وانشاء ما يعرف (ببنك بريكس) كبديل عن صندوق النقد الدولي لاستعادة التوازن الدولي وتحقيق العدالة والمساواة في العلاقات الدولية.

ومصطلح بريكس (BRICS) هو التسمية التي تطلق على الاقتصادات الوطنية الناشئة التي تمثل القوة الاقتصادية الصاعدة في العلاقات الدولية. وقد برزت بلدان بريكس في الساحة الدولية كتجمع اقتصادي دولي يضم مجموعة أضخم الاقتصادات الناشئة والصاعدة في التطور والنمو الاقتصادي في وقت تعاني فيه المنظومة الرأسمالية بأكملها من أزمة اقتصادية ومالية واخلاقية حادة. وهي أزمة دورية قاهرة تذكرنا بأزمة الكساد التضخمي في الفترة 1929 – 1933 وازمة الرهن العقاري في عام 2008.

وقد قدم عدد من البلدان طلباَ رسمياَ للانضمام إلى بريكس هي الإمارات ومصر والجزائر والأرجنتين والبحرين وبنغلاديش وبيلاروسيا وبوليفيا وكوبا وإثيوبيا وهندوراس وإندونيسيا وإيران وكازاخستان والكويت والمغرب ونيجيريا وفلسطين والسعودية والسنغال وتايلاند وفنزويلا وفيتنام. ومنذ الأول من كانون الثاني عام 2024 أصبحت مصرو إثيوبيا وإيران والارجنتين والسعودية والإمارات العربية اعضاءَ في مجموعة البريكس الدولية. وحسب ما أدلى به السيد سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي إلى وكالة تاس للأنباء هناك 30 دولة أبدت رغبتها في إقامة علاقات مع المجموعة الدولية لبريكس. ووفقاَ لوكالة سكاي نيوز العربية أن الكثير من البلدان تسعى للانضمام إلى مجموعة بريكس للاستفادة من المزايا الاقتصادية والسياسية التي تمنحها بلدان بريكس والعمل على خلق التوازن في الاقتصاد العالمي.

  ووفقاَ لما أقره قادة بلدان بريكس في القمة التي جمعتهم في روسيا الاتحادية عام 2009 فإن بلدان بريكس تعمل كمنظمة دولية تشجع التعاون التجاري والثقافي والسياسي فيما بينها وبين البلدان التي تنضم اليها مستقبلاَ. وبحسب التقرير الذي أعده Wall street في 24\7\2016 فان روسيا تحتل المرتبة الأولى في العالم في الموارد الطبيعية وخصوصا النفط والغاز والغابات وثاني دولة في العالم في احتياطات الفحم والثالثة في العالم في احتياطات الذهب ومن الدول الخمس الكبار في العالم في النحاس والذهب والغاز الطبيعي، وتصدر في اليوم الواحد بين 10 إلى 12 مليون برميل من النفط الخام. وتقدر قيمة مواردها بنحو 75,7 ترليون دولار. 

وتعد جمهورية الهند من البلدان الغنية بمعدن الفحم والحديد الخام والبوكسيت والنحاس والبترول والغاز الطبيعي والرصاص والذهب والفضة والزنك. وحسب يودلهي/لندن (CNN) بلغت قيمة اقتصاد الهند 3.7 تريليون دولار في عام 2023، مما يجعلها خامس أكبر اقتصاد سوقي في العالم، أما الصين الشعبية فتمثل الاقتصاد الثاني في العالم بعد الولايات المتحدة الامريكية وهي دولة غنية بالموارد الطبيعية كالنفط والغاز الطبيعي والفحم واليورانيوم، بالإضافة إلى معادن متنوعة أبرزها الحديد والمنغنيز والنحاس والرصاص والزنك، كما تتوفر في الصين أعلى طاقة مائية هي الأكبر في العالم. وتتمتع باحتياطات ضخمة من العملات الصعبة والذهب والموارد الطبيعية، وتصدر منتجاتها الصناعية والزراعية والتكنولوجية إلى كافة بلدان العالم بما فيها البلدان الأوربية المتقدمة.

واما البرازيل فتمتلك أضخم احتياطي من الحديد والمنغنيز واليورانيوم والماس الصناعي والأحجار الكريمة وفيها أكثر من 6 ملايين مؤسسة زراعية. وتتمتع جنوب أفريقيا بأكثر من 95 بالمئة من الاحتياطي العالمي من البلاتين ونحو 12 بالمئة من الكروميت و10 بالمئة من الألمنيوم.

 ومن حيث السكان فان بلدان بريكس تمثل أكثر من42,1 بالمئة من سكان العالم بما يعادل أكثر من 3 مليار نسمة. ووفقا لإحصاء   عام 2015 فان سكان الصين أكثر من 1,730 مليار نسمة تمثل 19,9         بالمئة من نفوس العالم، وعدد نفوس الهند 1,212 مليار نسمة بما يعادل 17 بالمئة من سكان العالم. وحسب احصائيات عام 2014 فان سكان روسيا تجاوز 143 مليون نسمة وبلغ عدد سكان البرازيل 190 مليون نسمة ونفوس جنوب أفريقيا 52 مليون نسمة. ونستنتج من هذه الاحصاءات أن حجم القوى البشرية في بلدان بريكس تغطي متطلبات اسواق العمل في هذه البلدان وتفيض عن حاجتها وتتميز برخص تكلفة أجور القوى العاملة.

ومن حيث المساحة فتبلغ مساحة بلدان بريكس 39,7 مليون كيلو متر مربع بما يعادل 30 بالمئة من مساحة الكرة الارضية. وتحتل روسيا الاتحادية المساحة الاكبر في العالم 17,1 مليون كيلو متر مربع وجمهورية الصين رابع مساحة في العالم 9,595 مليون كيلو متر مربع والهند سابع دولة في العالم بمساحة 3,287.263 مليون كيلو متر مربع وتحتل البرازيل مساحة 8,5 مليون كيلو متر مربع، وجنوب افريقيا 1,2 مليون كيلو متر مربع.

 ان اقتصادات بريكس تنمو وتتطور بسرعة ومن المتوقع ان تنافس اقتصاد أغنى الدول في العالم في عام 2050. فعلى المستوى الدولي تحتل الصين المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة الامريكية وتحتل الهند المرتبة الرابعة وروسيا المرتبة السادسة والبرازيل المرتبة التاسعة، وجنوب إفريقيا المرتبة الخامسة والعشرين. ويبلغ الناتج الاجمالي لبلدان بريكس 22 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي وهو ما يعادل 37 تريليون دولار في عام 2008. ويتوقع الخبراء أن بلدان بريكس سوف تساهم بحوالي 50 بالمئة من أسواق الأسهم العالمية بحلول 2050.

وبالإضافة إلى قدرات بلدان بريكس الاقتصادية والبشرية والعلمية فإن ثلاثة بلدان منها هي روسيا والصين والهند دول نووية ودولتان من بين دول بريكس الخمس هما روسيا والصين من البلدان الدائمة العضوية في مجلس الامن الدولي وتمتلك روسيا لوحدها ما يقارب 52 بالمئة من حجم الرؤوس النووية العالمية. ونستنتج من ذلك أن بلدان بريكس ستكون القطب الدولي المؤهل لإحداث التغيير الجذري في موازين القوى الدولية وإقامة عالم جديد متعدد الاقطاب وتحرير البشرية من سيطرة ما يسمى بالدولة الامريكية العظمى وعبودية صندوق النقد الدولي.

انشاء بنك التنمية الجديد (بنك بريكس) كبديل لصندوق النقد الدولي

تم انشاء بنك بريكس او ما يعرف ببنك التنمية الجديد في عام 2012 برأسمال قدره 150 مليار دولار وصندوق للاحتياطات النقدية برأسمال 100 مليار دولار ليكون مؤسسة مالية دولية موازية لصندوق النقد الدولي وبديلاَ مستقبليا له. وبحسب لوائح بنك بريكس فان القروض التي يقدمها للبلدان النامية الفقيرة هي قروض مساعدة وبفوائد رمزية او شكلية وربما بفوائد صفر ولا تتضمن اية شروط للتدخل في شؤون البلدان المقترضة. ويشكل هذا التوجه سياسة جديدة في الإقراض الخارجي وفي العلاقات الاقتصادية الدولية التي تقوم على التعاون والمنافع المتبادلة ومساعدة البلدان الفقيرة على تجاوز أزماتها المالية والنهوض باقتصادها الوطني. وهذا التوجه يختلف عن سياسة الاقراض الخارجي التي ينتهجها صندوق النقد الدولي والتي بموجبها يقدم القروض إلى البلدان النامية الفقيرة بفوائد مرتفعة ومركبة ومتحركة. ويفرض عليها تعويم العملة والخصخصة واقتصاد السوق والتكيف الهيكلي المدمر للاقتصادات النامية ويتوخى الصندوق من فرض هذه الإجراءات القاسية خلق الظروف الموضوعية لوضع مسارات الاقتصادات النامية على طريق التوجه الرأسمالي وتعميق تبعيتها الاقتصادية والمالية والتكنولوجية للبلدان الرأسمالية الدائنة.

فقد استغل صندوق النقد حاجة البلدان الفقيرة الماسة إلى التمويل المالي لجني الأرباح والفوائد الخيالية وإغراق البلدان المقترضة بديون ضخمة لا تستطيع الوفاء بها وجعلها تدور في حلقة مفرغة. فعند عجز البلدان عن الوفاء بخدمات الدين تضطر إلى استدانة قروض جديدة لسداد خدمات القروض القديمة وهكذا تبقى في دوامة الديون. وتتحول القروض من وسيلة لتمويل خطط التنمية المعول عليها في انقاذ الاقتصاد وانتشاله من ازماته المالية إلى أداة لتسديد الديون وتحمل أعبائها الكارثية. 

وبالنسبة إلى طريقة اتخاذ القرارات في صندوق النقد الدولي فإن القرارات الاستراتيجية تتخذ بطريقة التصويت المرجح المنافية لكل أشكال الديمقراطية. والتصويت المرجح يعني أن الدول التي تمتلك حصصا أكثر في رأسمال الصندوق هي التي تقرر. وبذلك تصبح الدول الاحتكارية الخمسة الدائمة العضوية في الصندوق وهي الولايات المتحدة الامريكية واليابان والمانيا والمملكة المتحدة وإيطاليا التي تمتلك أكثرية الحصص في رأسمال الصندوق هي التي تحدد سياسات صندوق النقد وتوجهاته. وبما أن الولايات المتحدة الأمريكية تمتلك النسبة الاكبر 22,6 بالمائة من حق التصويت و17 بالمائة من الأسهم في رأسمال الصندوق فأنها الدولة التي تتحكم في صندوق النقد الدولي. ولهذا فان صندوق النقد الدولي منذ نشأته في عام 1945 وحتى الوقت الحاضر لم يتخذ قرارا واحدا مخالفا لتوجهات الولايات المتحدة الامريكية وانما تحول إلى مروج للسياسات الرأسمالية.

وبخلاف طريقة اتخاذ القرارات في صندوق النقد الدولي فان القرارات والسياسيات التمويلية في بنك التنمية الجديد (بنك بريكس) تتخذ بأريحية ديمقراطية تقوم على التفاهم وضمان مصالح جميع الاعضاء. وفي هذا الإطار تم الاتفاق على تحديد نسبة معينة لكل دولة من الدول المؤسسة للبنك للمساهمة برأسمال البنك. فبلغت مساهمة الصين 41 مليار دولار ومساهمة روسيا 18 مليار دولار وبمثل حجم هذا المبلغ تساهم كل من الهند والبرازيل وتساهم جنوب أفريقيا بمبلغ 5 مليار دولار.

إن قروض صندوق النقد الدولي غالبا ما تذهب إلى البلدان الموالية للبلدان الرأسمالية ولدعم الانظمة الدموية والفاشية في افريقيا وامريكا اللاتينية.  فعلى سبيل المثال رفض صندوق النقد الدولي تحت الضغوط الأمريكية تقديم القروض إلى جمهورية مصر العربية إبان حكم الرئيس جمال عبد الناصر وعلل هذا الرفض بسبب علاقة مصر مع الاتحاد السوفيتي السابق وتوجهها الاشتراكي. وبين عامي 2011 و2012.  قدم الصندوق قروضَا بقيمة 23,5 مليار دولار إلى اليونان و22,9 مليار دولار للبرتغال و19,4 مليار دولار لأيرلندا. وفي الوقت نفسه رفض تقديم أية قروض لتمويل بعض المشروعات المهمة في بلدان آسيا وامريكا اللاتينية.

ونستنتج من ذلك أن دور صندوق النقد الدولي يتلخص في أنه أحد أذرع الدول الاحتكارية في إدارة الإقراض الخارجي التي ضمنت للدول الاحتكارية تشغيل بلايين الدولارات المتراكمة في خزائنها في البلدان النامية وتحقيق الفوائد والارباح الفلكية. وهو الوجه الآخر للرأسمالية الطفيلية وغطاءَ لتنفيذ برامجها الرامية إلى امتصاص خيرات البلدان النامية.

إن بلدان بريكس بأرصدتها المالية الضخمة من الأصول والعملات الصعبة أصبحت قوة اقتصادية ومالية دولية في الوقت الذي تغرق فيه البلدان الرأسمالية الاحتكارية بأزمة مالية واقتصادية عميقة وتعاني من مديونية خارجية ضخمة تلقي بتبعاتها المدمرة على أوضاعها الاقتصادية. فقد بلغت المديونية الخارجية للولايات المتحدة الامريكية نحو 30 ترليون دولار في عام 2023 وديون الاتحاد الاوربي المكون من 17 دولة 9،15 تريليون دولار في عام 2020 وديون ايطاليا 5,6 ترليون دولار في عام 2014.  واليابان 12,03 ترليون دولار وارتفعت خلال عام 2020 ديون المملكة المتحدة إلى 3,56 تريليون دولار، وفرنسا 3 تريليون دولار. وإيطاليا 2,92 تريليون دولار وألمانيا 2,27 تريليون دولار.

إن انشاء بنك التنمية الجديد (بنك بريكس) سيساهم بشكل فعال في كسر هيمنة القطب الدولي الأحادي المهيمن على الاقتصاد العالمي والانتقال إلى عالم اقتصاد جديد، عالم ديمقراطي متعدد الأقطاب يحترم سيادة البلدان واستقلالها ويحرم التدخل في شؤونها. وبكون بلدان بريكس الدولية تمثل أضخم الاقتصادات الصاعدة في العالم فان مصالحها وأهدافها تلتقي مع مصالح وأهداف الأغلبية المطلقة لبلدان العالم في إقامة نظام دولي جديد بديلاَ عن النظام الدولي الحالي القائم على القطبية الاحادية.

وقد اثبتت الحياة بما لا يقبل الشك خطل وزيف المساعدات الغربية التي لا تقدم لأي بلد الا لاعتبارات سياسية واقتصادية تعزز من نفوذ ومصالح الدول الرأسمالية الدائنة وسيطرتها.