تطور الوضع في السودان بوتائر متسارعة أعادت البلاد وفي زمن قياسي إلى خانة تجديد العقوبات الدولية التي لم تغادرها منذ العام 2005. إلى جانب حظر تدفق السلاح إلى اقليم دارفور. ذلك برغم ان حكومة الامر الواقع في بورتسودان كانت تأمل بل سعت إلى ان يحول الفيتو الروسي او الصيني دون تعرضها لعقوبات.
وبعكس تلك التوقعات تماما أعلن مجلس الأمن بإجماع 15 دولة يوم 11 سبتمبر قرارا بتجديد العقوبات على السودان وحظر تدفق السلاح إلى اقليم دارفور.
ويأتي القرار لمواجهة الوضع الانساني الذي وصفه المبعوث بأنه مريع خاصة في الفاشر. واستجابة لمقررات مجلس حقوق الانسان ومنظمات دولية عديدة وصفت الاوضاع بأنها تنذر بالخطر. وقد اشارت تلك التقارير إلى أن أكثر من ثلاثة ملايين من البشر سيموتون بنهاية هذا العام بسبب المجاعة التي تهدد نصف عدد السكان المشردين بالملايين داخل البلاد وخارجها. بينما تمنع عنهم أطراف الصراع وصول المساعدات الانسانية. ويتعرضون للإبادة وترتكب في حقهم جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية.
وقد يثور خلاف مشروع حول علاقة بعض الدول بالحرب في السودان. ولكن لا يمكن ان يكون هناك اي خلاف مقبول حول أن تدخل المؤسسات التي تمثل الشرعية الدولية مثل الامم المتحدة ومجلس الأمن ومجلس حقوق الانسان يتم بدواع انسانية ويجيء في إطار الشرعية الدولية وليس فيه اي مساس بالسيادة الوطنية. كما أنه يحدث استجابة لتوصيات لجنة تقصي الحقائق الدولية التي كونتها الامم المتحدة بعد ان طالب بها قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان في مخاطبته لإحدى جلسات الجمعية العامة.
من يتحدثون عن تعرض السودان إلى هجمة دولية تقودها دول الاستكبار يتناسون هذه البديهيات. مع أنهم يعلمون جيدا أن السودان عضو في الأسرة الدولية وفي كل المنظومات العالمية وموقع ومصادق على كل الاتفاقيات الدولية التي ترتبت عليه التزامات منصوص عليها في تلك المواثيق ولا يجوز التنصل عنها. كما يستنكرون مساواة المجتمع الدولي بين الجيش النظامي للدولة والمليشيا التي اعلنت التمرد عليه. مع أن هذه الوضعية القانونية المعقدة قد صنعتها قيادة الجيش بنفسها حين ابقت على القانون الذي أقره برلمان البشير المشكوك في شرعيته ولم تعامله مثله مثل القوانين والآثار التي خلفها النظام المباد بتجميدها. واعتبرت قوات الدعم السريع وبدلا من ان تكون تابعة للجيش قوات قائمة بذاتها وموازية له. ففي الوقت الذي كان فيه الشعب كله يعتبرها مليشيا منفلتة من اي عقال قانوني او اخلاقي ويطالب بحلها في التظاهرات التي عمت الخرطوم ومدن اخرى وراح ضحيتها مئات الشهداء قبيل الحرب كان الجيش ينظر إليها كقوات نظامية ويجرم بالقانون المساس بها.
ومع ذلك أدانت القرارات الدولية الانتهاكات التي ارتكبها الطرفان ضد المدنيين وتوصلت إلى ضرورة إجبارهم على الكف عن تلك الممارسات.
وذلك بعد محاولات عديدة لدفعهم لاتخاذ قرار بوقف إطلاق النار ونقل السلطة للمدنيين آخرها ملتقى جنيف الذي فشل بسبب موقف الجيش السوداني السلبي منه. وفي وقت اتجه فيه الطرفان للحصول على اسلحة نوعية، مما يؤكد رغبتهما المشتركة في حسم الصراع عسكريا مهما تكن آثاره على المدنيين.
ولم تهدأ حدة المواجهات حتى لحظة كتابة هذه السطور. فسلاح الطيران التابع للجيش يوالي قصف مراكز الدعم السريع داخل المدن والقرى التي تسيطر عليها المليشيا. والتي تقوم هي الأخرى بتدمير التجمعات السكنية والأعيان المدنية بالمدفعية المتوسطة والمحمولة على العربات القتالية.
لكن ومع كل الملاحظات أعلاها والتي توفر غطاء قانونيا وأخلاقيا للتدخل الدولي عبر المؤسسات الشرعية وتبين في الوقت نفسه تهافت دعاوي الذين يتباكون على السيادة الوطنية وهم جلهم من المساندين للجيش الذي سعى لتدويل الحرب السودانية بمحاولة إقامة تحالفات معلنة مع روسيا والصين وايران في الوقت الذي يرفض فيه قرارات مجلس الأمن مع انها مسنودة بالشرعية الدولية والقانون الدولي الإنساني، رغم كل ذلك إلا أن قرار حظر السلاح في إقليم دارفور وحده يطرح من الاسئلة المشروعة اكثر مما يقدم اجابات عليها ان لم يكن يثير الريبة والشك حول مرامي واهداف بعض الدول. فالمدنيون في معظم انحاء البلاد يتعرضون إلى ما يتعرض له أهل دارفور. كما حدث ويحدث يوميا من مجازر في مدني وسنار وسنجة وكردفان. كلهم يواجهون نيران المدفعية وقصف الطيران وترتكب في حقهم المجازر الجماعية. فهل يكون الهدف من مثل هذا القرار التمهيد لفصل إقليم دارفور او على أقل تقدير وضعه تحت الحماية الدولية؟
اسئلة كلها مشروعة ولكنها لا تعطي اي مبررات مقبولة انسانيا للوقوف ضد حماية المدنيين برفض التدخل الدولي، والذي لا توجد اي وسيلة اخرى غيره لإنقاذ ملايين الأرواح، بقدر ما توجب التفاف أكبر قوى مدنية وسياسية حول هذا القرار وجعله يصب في خانة تحقيق الأمن والسلام وتوصيل المساعدات الانسانية للمحتاجين دون المساس بوحدة السودان.