على الرغم من اليأس والإحباط الذي بات واضحا في ذهنية الناس، بأن البرلمان لم يعد لسان حالهم وأنه غير قادر على إصدار القوانين التي هم بأمس الحاجة اليها وذلك بسبب هذا الجمود في ممارسة دوره الفاعل، وغياب قدرة البرلمانيين على اختيار رئيس لهم، وكأن امتيازات الرئاسة هذه تحتاج إلى كل هذا الوقت الذي طال أمده للوصول إلى اختيار الرئيس، حتى أصبحت العقدة الأساسية التي لا أمل يلوح في الاقتراب منها.. وباتت الجمرة العصية على اللمس!
فهل يصح تجميد القوانين بما فيها قوانين تهم حياة الناس لا لسبب إلا لأن مقعد الرئيس شاغر، ولا يوجد من هو أهل لهذا المقعد سوى أسماء محدودة بعينها!
إن هذا يعني؛ بأن البرلمان يهتم باختيار رئيس له، أكثر من اهتمامه بشؤون الناس الذين انتخبوا أعضاءه.
كما يعني أن التفريط بالواجبات الملقاة على عاتق البرلمانيين، يعد تفريطا فادحا بأهم مهماته، ومن ثم تعطيل الحياة برمتها!
وكان من الأهم في مسيرته هو التوجه إلى اصدار قانون (من أين لك هذا؟) والذي طرح مرارا في جلسات البرلمان السابقة ، ولم يجد هذا القانون المهم آذانا صاغية لإقراره واستبدل بطلب تقديم المسؤولين ما بذمة كل واحد منهم من أموال شخصية ، وهو إجراء زائف ومثير للاستياء والسخرية ، ذلك أنه لا يمكن لمسؤول الاجهار بحقيقة ما يملكه ، مثلما نجد ان الفساد المالي لم يعد في مفصل الدولة وجميع مؤسساتها حسب وانما بات يصل إلى التعامل اليومي بين الأفراد انفسهم ، حتى أصبحت ظاهرة الرشا (طبعا) في حياة العراقيين ، ولم تعد هناك معاملة قابلة للإنجاز من دون أداء هذه (الرشا) بشكل طبيعي وتقليدي .
ولا يخفى على كل مواطن عراقي ، أن كثرة من فاحشي الثراء لم يكونوا يملكون إلا النزر البسيط من حياتهم ، واذا بهم قد أصبحوا أصحاب عقارات ومولات وأسواق ومصارف وسيارات فارهة .. ولم يكن كل هذا الثراء طبيعيا أبدا، فلا صاحبه قد اعتمد على إرث، ولا هو حظ في اليانصيب ولا هو صفقة تاجر ماهر.. ذلك أن الأموال الطائلة التي يتداولها هؤلاء، تفوق كل تصور وكل ما هو منطقي ومقبول ومعقول.
لذلك بتنا نجد الغنى المفرط، إلى جانب الفقر المدقع، ولا وجود لمظهر وسط إلا في حالات استثنائية نادرة.
ومع وجود أجهزة مالية رقابية، ومؤسسة للنزاهة، ومتابعة ورصد دقيق بالكاميرات.. إلا أنها جميعا لم تفلح في الوصول إلى حلول لآفة الفساد التي باتت عصية عن الحل، مثلما أصبحت تأكل في حياة العراق والعراقيين، وتهدد كيان الدولة برمته.
وبتنا نجد أن سرقة المال العام؛ باتت (شطارة) يتباهى بها البعض، مثلما أصبحت الرواتب الطائلة التي يتقاضاها كثرة من المسؤولين مدعومة بقوانين يتم إصدارها على حسب الحاجة وعلى حسب المطلوب.
ومع أن كل الحكومات المتعاقبة منذ 2003 حتى الآن تعد الشعب بالقضاء على هذا الفساد، إلا أن أيا منها لم يفلح حتى بالتخفيف من وطأة هذا الحال.
ما العمل اذن، ونحن نعيش ثقل هذا الفساد علينا؟
إن تفعيل قانون (من أين لك هذا؟) من شأنه ان يحقق الحل السليم إذا ما تم انجاز هذا القانون بشكل فاعل ودقيق وعادل وحازم كذلك ويسري على الجميع.
ولكن ماذا نفعل والبرلمان يعجز عن اختيار رئيس له، فكيف لهذا البرلمان ان يقر مثل هذا القانون الذي ينتظره كل عراقي؟
إن الأمور لا تستوي على هذا الشكل من الإهمال والتغاضي عن أموال طائلة تنهب ويتم غسيل قسم منها من دون حسيب او رقيب..
فالخراب أصبح ينتشر وتتفشى عدواه إلى كل مكان وفي كل زمان يتوالى على عراق جريح يعاني من ضيق الحال، فيما الأحوال تتردى يوما بعد اخر، حتى وجد المرء نفسه عاجزا عن الاستمرار في تدبير عيشه اليومي، وذلك بسبب استئثار ذوي الأموال الطائلة على مقدرات كل شيء في البلاد والعباد، من دون رادع ومن دون حساب، وفي أحسن أحوال هذا (الحساب) القبول باستعادة جزء من الأموال المسروقة، وهو إجراء غريب وغير منصف مثلما هو سهل التنفيذ على اللصوص مادام الامر يتعلق باسترداد جزء من السرقات الذي تم إقرارها والاعتراف بها.
من هنا نرى أن تفعيل قانون (من أين لك هذا؟) هو الحل الأمثل لنشر العدالة بين الناس واسترداد أموال الشعب التي هي حق من حقوق كل عراقي.