اخر الاخبار

لم يكن الفقر الذي لحق تاريخيا بالشعوب، إلا نتيجة لتظافر عاملين أساسيين هما.

 الأول.. الاستعمار القديم وما كان يصاحبه من سرقة لثروات الشعوب، وتحويل تلك الشعوب إلى توابع لعمليات استخراج الخامات وتسويقها إلى مصانع الرأسماليين.

الثاني.. هو في العموم، قيام الحكومات التي تلت مرحلة تصفية الاستعمار. (الحكم الوطني) بأدوار سرقت من خلالها الثروات الوطنية دون الاهتمام بالتنمية والرفاه الاقتصادي وتشغيل الأيدي العاملة.

الأساس التاريخي لليوم الدولي للقضاء على الفقر

لقد تضمن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بنودا ومواد تتعلق بحق الإنسان في الحياة والعيش الكريم ، وفي بداية الستينيات من القرن العشرين ، وبسبب نمو الوعي السياسي لدى الشعوب سيما شعوب أسيا وأفريقيا وامريكا اللاتينية ، فقد طفت على السطح مسألة الفقر ومدى ارتباطها باستغلال دول الاستعمار القديم لثروات الشعوب وتسببها في انتشار هذه الظاهرة ، وقد كان للاتحاد السوفيتي السابق ومنظومة الدول الاشتراكية الدور الأهم في عرض موضوعة الفقر على الأمم المتحدة، وقد تم آنذاك تحديد خط الفقر عن طريق احتساب تكلفة السلة الغذائية وفقا لمعايير ثلاثة، الغذاء، السكن،  والنقل، وان الفقر وفقا للأمم المتحدة أكثر من مجرد الاقتصار على الغذاء، إنما هو يتعلق بكرامة الإنسان واحترام مشاعره .

إن موضوع مكافحة الفقر أخذ مساره العملي، في السابع عشر من أكتوبر عام 1987 حيت تم تنظيم اجتماع حضره اكثر من 100 ألف شخص في ساحة تروكاديرو في العاصمة الفرنسية باريس التي نشر منها لأول مرة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948،  وقد أعلن المجتمعون تكريما لضحايا الفقر المدقع والعنف والجوع ، أن الفقر يشكل انتهاكا لحقوق الإنسان ، وأكدوا على الحاجة لتظافر الجهود من أجل احترام تلك الحقوق، وقد تم نقش تلك الآراء وذاك التوجه على النصب التذكاري الذي رفع عنه الستار في ذلك اليوم، وظل في هذا اليوم، السابع عشر من أكتوبر يجتمع الكثير من الأفراد ومن شتى أنحاء العالم للاحتفال في تلك الساحة باليوم العالمي للقضاء على الفقر، وقد تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم السابع عشر من أكتوبر من كل عام يوما دوليا للقضاء على الفقر بموجب قرارها المرقم 47/196 في 22 كانون الثاني عام 1992، ودعت للاحتفال به واستحضار مأسي الفقر أمام المجتمع الدولي، وتحت إشراف الأمم المتحدة تم عقد مؤتمر قمة كوبنهاكن في الدنمارك عام 1993، تبنى المؤتمر المقررات التالية.

أولا: القضاء على الفقر.

ثانيا: ايجاد فرص عمل.

ثالثا: إنشاء مجتمعات آمنة.

إن عقد مؤتمر قمة روما للغذاء عام 1996، ناتج عن الفقر المدقع الذي بات يضرب العالم في الصميم.  والذي دفع بالقادة للإعلان عن ضرورة توفير الغذاء الصحي لسكان الكرة الأرضية حفاظا على الصحة والنشاط البشري، ولا زالت محاولات العالم قائمة للقضاء على الفقر، وقد أعلنت الأمم المتحدة مؤخرا أن أكثر من 195مليون شخص يعيشون تحت خط الفقر، أي أن ما يحصل عليه الفرد يوميا يساوي 3،68 دولارا، وهو لا يفي بحاجات الإنسان للغذاء، فكيف بما يضمن الحفاظ على حياته وكرامته.

الفقر في العراق

بالرغم من امتلاك العراق لثروات طبيعية هائلة وأرض زراعية غير قاحلة، وثروة بشرية شابة عاملة، إلا أنه يعاني من الفقر منذ تأسيس دولته عام 1921، يقول حنا بطاطو في كتابه (الطبقات الاجتماعية والحركات الثورية من العهد العثماني حتى قيام الجمهورية. ص 50) إن الملكية بتحالفها مع المشايخ، توقفت في الواقع عن لعب الدور الساعي إلى التوحيد الاجتماعي، وأكثر من ذلك، فإنها بالتزامها بيئة اجتماعية ريفية حكمت على أغلبية سكان البلاد بالعيش في أوضاع هابطة، وشكلت بذلك مانعا لتقدم الاقتصاد العراقي. وفي السنوات التي سبقت ثورة 14 تموز كانت الثروة متمركزة بيد ما لا يزيد على مئتي عائلة ، وكانت الأكثرية تعاني الفقر المدقع، وبعد الثورة تحسنت الأوضاع الاقتصادية وأخذت بالنمو التدريجي حتى انقلاب أمريكا على صدام عام 2003 ، وتركز الثروة بيد الأقلية، فكان نصيب العراقيين ازدياد نسبة الفقر حتى بلغت، حسب وزارة التخطيط لعام 2022 في عموم العراق 25 بالمائة ولكنها ترتفع في بعض المحافظات وعلى سبيل المثال فهي 52 بالمائة في المثنى، 45 بالمائة في ميسان، 48 بالمائة في الديوانية، أما في ذي قار فقد بلغت 44 بالمائة، ولكنها مقبولة في بقية المحافظات، وتحاول الحكومة تدارك هذه الظاهرة، ولكن بأساليب تشجع على التراخي الإنتاجي، وكان الأجدر بالحكومات المتعاقبة العمل على إعادة تشغيل معامل القطاع العام، والعمل بجدية على تشجيع القطاع الخاص على فتح المصانع لا المولات .

إن الفقر آفة تولد آفات اجتماعية كثيرة، وأنه يقف وراء المرض والجهل والأمية، وان الاحتفال باليوم الدولي للقضاء على الفقر يدعو الحكومة لمحاربة من كان وراء ازدياد نسبة الفقر، ولها أن تبدأ بتحجيم الاستيراد وفتح أبواب الإنتاج، وان ترفع شعار بالعلم والعمل نبنيك يا عراق.