اخر الاخبار

لطالما كانت دول العالم النامية تؤكد عبارة مفادها (نحن أمام واقع جديد قد فُرض علينا ويجب علينا مواجهته)، وهذا من أهم المحاور التي قامت عليها اتفاقيات المناخ التي جعلت من الدول الغنية، والرأسمالية تحديداً تتحمل مسؤوليتها أمام هذا التحدي الأكبر في عصرنا، باعتبارهما هما السبب الرئيس في انبعاثات الكاربون ووصوله إلى مديات كبيرة نتيجة للاقتصاد الصناعي الذي تتبناه الرؤية الرأسمالية اليوم.

 لكن هل هذا الكلام ينطبق على العراق بأن يكون هو ضحية لهذه التغيرات ولواقع قد فُرض عليه؟ أم أن هناك إهمالاً واضحاً قد أطاح بكل شيئ بدءًا من ثمانينيات القرن الماضي بسياسات مائية قادها النظام البعثي، وصولاً إلى الفوضى والتخبط اللذين كانا السمة البارزة للنظام الجديد بعد عام2003؟ يبدو للوهلة الأولى أن العراق قد اختار طريقاً خاصاً به عند الخوض بهذه الجدلية ما أن تتأمل الموضوع.

فالعراق اليوم تحت طائلة ما يسمى الاقتصاد الأحفوري لاعتماده بشكل رئيس على النفط وكميات الغاز المحترق، والانبعاثات وصلت لمدى لا يمكن تصوره، ونحن نلاحظ بشكل جليّ كيف تجتاح سحب الكبريت بغداد كل فترة وأخرى، ولا نعرف مصدرها الحقيقي، فكل التصريحات التي خرجت من المسؤولين والمختصّين كانت تتكلم عن معامل غير مرخصة تحيط بالمدينة (وقد قادت حملة لغلقها) لكن لا يوجد تحسن ملحوظ، يبدو أن الموضوع أكبر من هذا السبب، وهذه المعالجات التي تصرّ الحكومة على تسييرها اتجاه الإعلام كونها مسؤولة وقادرة على حماية البيئة.

هل العراق مؤمن أن عمليات تغير المناخ سببها الانبعاثات الصادرة عن الوقود الأحفوري فقط؟ أم أن هناك عوامل أخرى رافقت هذا التغير الإقليمي على مستوى المناخ؟؟ إذا كان يعتقد أن الوقود الاحفوري هو السبب الرئيس فكيف له أن يستمر باعتماده الريع الوحيد والعصب الرئيس للاقتصاد في هذا البلد؟! وإذا كانت لديه قناعة أن هناك عوامل أخرى قد تسببت بهذا التلوث عليه أن يوضح لنا ما هي وكيف سيعالجها.

بالحقيقة نحن أمام تخبط غير مفهوم، فلاحظ يا صديقي القارئ أنه قد أعلن عن انطلاق قمة المناخ cop29 في باكو بتاريخ 12/11/2024 وقد ذهب وفد العراق بقيادة رئيس الجمهورية مع وزير الخارجية والصحة، ورئيس لجنة الزراعة في البرلمان، مع لفيف من المستشارين. الغريب بالموضوع أن العراق يُعدّ من أكثر بلدان العالم تأثراً بعمليات تغير المناخ، والمفروض أن يأخذ دوراً هاماً ورئيسياً في عملية المفاوضات التي تجريها الدول "الغنية" مع البلدان المتأثرة بالمناخ ذات الاقتصاد الضعيف، تفاجأنا بعودة الوفد بعد ثلاثة أيام فقط 15/11 بينما القمة مستمرة لغاية 22/11، وصرّح وقتها رئيس الجمهورية (قضايا المناخ والبيئة يجب أن تكون درساً إلزامياً في مراحل التعليم كافة) هل هذا ما توصل اليه وفدنا في أكبر مؤتمر للمناخ في العالم؟ ولم العودة المبكرة؟ بصراحة لا يُفهم هذا التصرف الا بطريقة واحدة وهي أن العراق لا يعير أهمية حقيقية لتغيرات المناخ التي تعصف بالبلد وأن مشاركاته لا تتعدى مجاملات ودور دبلوماسي لتلميع صورة النظام السياسي أمام المجتمع العالمي.

وأخيراً جاءت الأخبار من هور "الحويزة" في ميسان عن تراخيص جديدة لتنقيبات فيما يسمى (حقل الحويزة النفطي) بطريقة لا تعير أي أهمية لما يحصل هناك من عمليات الجفاف والتصحّر وهجرة الناس بحثاً عن المياه، إضافة لكارثة انعدام التنوع الاحيائي الهائل الذي أصبح فجأة عبارة عن صحراء مترامية الأطراف. وقد لوحظ وجود تعتيم إعلامي هائل من سنة تقريباً عن الموضوع حتى لا يتضارب مع الوعود التي تطلقها الحكومة في مؤتمرات المناخ، هل هذا هو تخطيط لبلد يريد فعلاً أن يعالج مشاكل تغير المناخ؟

يبدو أن العراق قد اتخذ طريقه الخاص لا بطريقة مفروضة عليه، هو من يتحرك من أجل توفير دعم اقتصادي جديد عن طريق توسيع حقول النفط، غير آبه للنتائج المترتبة عليه في المستقبل، وليس هناك رؤية للتنمية قادرة على التفكير في الأجيال القادمة. فبعد عقدين أو أكثر لا نستبعد أن يجد الجيل الجديد نفسه أمام كارثة بيئية لا ذنب له بها غير أنه يوماً ما قد حكمه الاشخاص الذين فضلوا حاضرهم على مستقبلهم وجعلوا الجميع ضحية.

عرض مقالات: