لم نتفاءل ابدا بفوز الديمقراطيين، ولكن كنا نعول ولو على سبيل استقراء المقدمات، أن للديمقراطيين إنصاف ملحوظ لقضية الشعب الفلسطيني، سيما وان للولايات المتحدة مؤسسات، وفي مقدمتها وزارة الخارجية، تعمل كل منها على تقديم القضية الفلسطينية على أنها لا نهاية لها إلا بقيام الدولة الفلسطينية، ولو دون تحديد معالم الدولة أو مدياتها الإقليمية. وبرغم كون الحزب الجمهوري لا يعارض ما تقرره المؤسسات ، إلا أن الانتخابات الاخيرة جاءت بتحول هائل أساسه أن ترامب اختصر الحزب الجمهوري بشخصه ، وقدم للأمريكيين نفسه على أنه وراء فوز الحزب الجمهوري ، بالرئاسة وتشكيل الأغلبية في مجلس الشيوخ ومنه إلى مجلس النواب ، ومن هذه الحقيقة ، فإن الرئيس ترامب سيضيف جراء هذه النتيجة الانتخابية أخطاء سياسية محتملة ، وربما هفوات استراتيجية تكون نتائجها وخيمة على العلاقات الدولية ، ومنها قضيتان دوليتان مهمتان هما القضية الفلسطينية ، وقضية العلاقة الخطيرة مع الصين بخصوص تايوان ومشاكل بحر الصين الجنوبي او مشاكل الخلافات التكنولوجية ، أو الحماية التجارية التي تكلم عنها كثيرا في حملته الانتخابية مع الصين بالدرجة الأولى والاتحاد الأوربي بدرجة ثانية ، أو محاولة الاحتكاك مع الصين في أمريكا اللاتينية .
موقف ترامب إزاء الدولة الفلسطينية
لم يكن موقف الرئيس ترامب غامضا طيلة فترة رئاسته تجاه القضية الفلسطينية، فقد توطدت علاقته إلى حد كبير مع نتنياهو، وانعكست تلك العلاقة على تحريف الموقف التقليدي للولايات المتحدة عن اتجاهه المعروف والقائم على ضرورة قيام الدولة الفلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 لسنة 1949، وقد ذهب بعيدا بالاعتراف بالقدس جزء لا يتجزأ من إسرائيل، واعترف بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل، وان ينقل السفارة الأمريكية من تل ابيب اليها متحديا كل القرارات الدولية. وأمر ببناء قنصلية أمريكية فيها، وقام بإنهاء وجود ممثل السلطة الفلسطينية في الولايات المتحدة، وقطع المعونة عن الأونروا ليحرم الشعب الفلسطيني من المساعدة الأمريكية، وهو الوحيد الذي اعترف بسلطة إسرائيل على هضبة الجولان المحتلة. وفي حملته الانتخابية الأخيرة كان يدعو إلى القضاء قضاء مبرما على حماس، وأنه سيكون إلى جانب إسرائيل في صراعها مع إيران، عليه فإن انتصاره كان مدعوما بشدة من قبل اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة. وان وجوده على رأس الولايات المتحدة كان وسيكون عاملا في غياب القضية الفلسطينية عن أجندات دول العالم والمنظمات الدولية. والمطلوب بالمقابل من الدبلوماسية العربية التوجه نحو الصين وروسيا واستغلال خلافاتهم مع الولايات المتحدة لغرض ديمومة الحياة للقضية المركزية العربية، حتى ولو على سبيل الإعلان بالوقوف إلى جانب الصين في قضية تايوان، وتأييد روسيا بشأن عدم صحة توسع الحلف الاطلسي نحو الشرق أو أي بقعة من بقاع العالم المعاصر.
القضية اللبنانية
الشائع وفقا للواقع اللبناني أن لفرنسا مكانة متميزة في لبنان، ولكن الولايات المتحدة تعتبر لبنان من الدول ذات الأهمية العالية جدا في السياسة الخارجية، وان وجود أيران في لبنان كان واحدا من أهم أسباب الموقف العدائي الأمريكي للسياسة الإيرانية في الشرق العربي، وان ما سيقوم به ترامب هو مد يد سخية لإسرائيل ومساعدتها للقضاء على حزب الله. وكما أوضح ترامب فإنه سيقوم بجدية أكثر من غيره بإعادة هيبة الدولة في لبنان، وسيمد الجيش اللبناني بالأسلحة الكفيلة بفرض السيطرة على الجنوب اللبناني، والعمل على إعادة انتشار اليونيفيل بما يضمن سلامة إسرائيل وأبعاد حزب الله عن مناطق جنوب الليطاني.
موقف ترامب المتوقع من العراق
برغم إذاعاته، فإن ترامب سيعد الساحة العراقية لأن تكون ساحة منازلة مع إيران، أي أن العراق برغم كونه راغبا في سلوك مواقف التهدئة، فإن حكوماته كانت ولا زالت عاجزة إلى حد ما عن إبعاد العراق عن النزاع الإيراني الإسرائيلي، أو ما هو متوقع من الخلاف الإيراني الأمريكي.
أن ترامب وفقا لمقدماته ومن خلال انحيازه غير المحدود لإسرائيل، ربما سيعمل على ترك إسرائيل تعمل على فتح أبواب الصراع الواسع مع فصائل المقاومة الإسلامية في العراق واليمن وربما تحريك القوة الأمريكية لتحجيم الوجود الإيراني في سوريا دعما منه لإسرائيل، أما غزة فإنه سيترك لنتنياهو إنهاء العملية العسكرية سريعا والطلب من إسرائيل تمكين السلطة الفلسطينية للعودة إلى غزة وإدارة شؤونها. كما وأنه قد يحاول التوسط لحل النزاع الروسي الأوكراني، ربما من خلال قدرته على فتح الاتصال المباشر مع الرئيس بوتين. لكنه لا يستطيع حجب السلاح عن حكومة اوكرانيا.
أن العالم بعد ثلاثة أشهر سيشهد تغيرا ملحوظا باتجاه حل بعض مشاكل العالم ولكن وفقا للمصالح الأمريكية، ووفقا لمصالح حليفتها إسرائيل.