اخر الاخبار

يحق للدنيا جمعاء أن تحتفل باليوم العالمي لحقوق البشر في هذه الحياة، تلك الحقوق التي أقرها القانون الطبيعي وتنكرت لها القوى المالكة للمال ووسائل الإنتاج، من أفراد ودول، وهكذا ارتكبت الجرائم بحق الإنسانية على مسار التاريخ، بدءا من نظام العبودية مرورا بمرحلة النظم الاقطاعية وصولا لنظم الرأسمالية وتحولها نحو العولمة الإمبريالية.

الأساس التاريخي لمسلمة حقوق الإنسان

إن تاريخ البشرية كان ولا زال هو تاريخ صراع ولأسباب عديدة يسجل بمسيرته الجدلية انتهاكات بليغة لحقوق البشر من خلال الاستغلال المباشر للإنسان بأبشع الصور لإنتاج الخيرات لصاحب العمل سواء أكان في الحقول تحت وطأة وقساوة الطبيعة، أو في المصانع تحت ظروف الإنتاج السيئة، وبحكم قانون تركز الثروات بيد الأقلية الرأسمالية، الذي حدده ماركس، وعدم اتساع الأسواق الداخلية للإنتاج الواسع يخرج ذاك الرأسمال نحو العالم على أشكال متعددة تحميه الأساطيل والجيوش التي تزحف نحو الأسواق ومصادر المواد الخام مشكلة الحروب التي تطحن البشر وحقوقه الأساسية تلك التي أشار إليها ماركس أيضا في بيانه الشيوعي عام ١٨٤٨ على إثر نمو الحركات الجارتية المناهضة للرأسمالية في أوربا الصناعية في ذات العام. وكانت نبوءة ماركس لتتحقق عام ١٩٤٨ بعد موت الملايين من البشر في الحربين العالميتين الاولى والثانية، أي بعد مئة عام من البيان الشيوعي الذي ركز على حقوق العمال والفلاحين وهما المشكلان للأغلبية الساحقة من البشر، وأتى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ليتوج أمنيات هذا العالم المضطرب بحقوق واضحة ومعان مجزية تكريما لهذا الكائن البشري الذي سحقه المال والظلم منذ بداية الخليقة.

الإعلان العالمي لحقوق الإنسان

نشر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في العاشر من ديسمبر عام ١٩٤٨ في العاصمة الفرنسية باريس، بناء على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المرقم ٢١٧/ألف لعام ١٩٤٨ ليكون بمثابة المعيار الدولي المشترك لكافة حقوق الإنسان، وقد صوت لصالح القرار ٤٨ دولة من أصل ٥٨ دولة كانت عضوا في الأمم المتحدة آنذاك، امتنعت عن التصويت عليه فقط ثماني دول. ولم تصوت عليه كل من دولة هندوراس والمملكة اليمنية.

ويلزم الإعلان في ديباجته جميع الدول، بالاعتراف بأن جميع البشر ولدوا أحرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق بغض النظر عن الجنس ومكان الإقامة والجنسية، والأصل القومي أو العرقي، أو اللون أو الدين أو اللغة أو أي وضع آخر. وقد جاء في المادة السابعة منه، على أن الناس جميعا سواء أمام القانون وهم يتساوون في حق التمتع بحماية القانون دونما تمييز كما يتساوون بحق التمتع بالحماية من أي تمييز ينتهك هذا الإعلان ومن اي تحريض على مثل هذا التمييز. هذا وقد كان العراق من أوائل الدول التي صادقت على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وقد تمسكت أغلب الحكومات المتعاقبة منذ التوقيع على الأخذ بمبادئه ولكن الكثير منها قد تجاوز تلك المبادئ وخرقت حقوق العراقيين بدءا من نقرة السلمان وصولا إلى انقلاب شباط عام ١٩٦٣ الذي كان وراء أعظم خرق لحقوق الإنسان العراقي.

حقوق الانسان في العراق

لو استعرض أي منا تاريخ العراق السياسي الحديث منذ قيام دولته عام ١٩٢١ حتى يومنا هذا ، لوجد أن الفقر والجوع الذي تكلم عنه ماركس في بيانه الشيوعي حين قال، إن تاريخ البشرية هو تاريخ البحث عن الطعام وما الفقر إلا الافتقار إليه، بالتالي فان الانتهاك الحقيقي لأبسط حقوق الإنسان العراقي هو إفقار المواطن في بلد يعد من أغنى دول العالم، ولم يكابد العراقيون الفقر لوحده بل وسائل قمع أخرى جراء شكواه من الحرمان لأبسط مستلزمات العيش ولأبسط سبل التعبير، فقد ظل بلدنا لقرن بأكمله منقوصا (إلا في القليل من المراحل) في حقوقه الأساسية منها حق العيش بكرامة وحق التعبير عن الآراء، وحق الصحة، وحق التعليم، واليوم يتصاعد منسوب إغفال هذه الحقوق وفي المقدمة حرمان العراقيين من السفر إلى بلدان العالم إلا ما ندر منها.

إن العراقيين اليوم بغض النظر عن الفسحة القليلة المتاحة للتعبير عن الرأي إلا أنهم لا زالوا يعانون من فرض قوانين تلحق بحقوقهم الضرر  منها مقترح قانون الأحوال الشخصية وقانون تقييد الحصول على المعلومة ، أو كثرة التعديلات على قانون الانتخابات بما يؤمن الأغلبية للمخضرمين من السياسيين، أو حرمان المواطن من التمتع بأموال بلده وذلك لعدم وجود الجدية في تعديل المادة ٣٤٠  ، ٣٤١ ، من قانون العقوبات رقم ١١١ لعام ١٩٦٩ المعدل وذلك لتشديد العقوبات على سارقي المال العام ، وإلزام السارق بإعادته كاملا ، لأن كل تلك الأموال المسروقة كفيلة بسد ابسط حقوق الإنسان العراقي في بلده الأغنى في هذا العالم . ولنأخذ من هذا اليوم حافزا لأن نعيد النظر بمجمل العملية السياسية بما يجعل من العراق نموذجا في احترام حقوق الإنسان.