اخر الاخبار

بعد الحروب التي خاضتها الدول أثناء الحرب العالمية الثانية والمجازر والجرائم التي ارتكبتها الجيوش المتحاربة خلالها استدعت الجمعية العامة للأمم المتحدة مسارعة إلى إصدار وثيقة حقوق دولية عامة تعد أول وثيقة تحدد حقوق الإنسان الأساسية الواجب حمايتها عالميا.

وتعتبر هذه الوثيقة من الحقوق الأصيلة والطبيعية لأنها جوهر الإنسان وكرامته وهي حقه في الحياة الحرة الكريمة والأمان والحق في التعليم والعمل والمحاكمة العادلة.. على أن يولد جميع الناس أحرارا متساوون في الكرامة والحقوق، وقد وهبوا عقلا وضميرا وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضا بروح الإخاء على أن لكل إنسان حق في التمتع بكافة هذه الحقوق الواردة في الإعلان دون أي تمييز.

وبعد جهود مضنية للتوفيق بين الآراء المختلفة في صياغة الإعلان، وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة وعند منتصف ليلة العاشر من شهر كانون الأول عام (1948) التي كانت مجتمعة في باريس على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وقد وافق عليه بأكثرية (48) صوتا في مقابل لاشيء.. وامتناع (8) مندوبين عن التصويت.

وترجمة هذه الوثيقة إلى (500) لغة حول العالم، وتضمنت اللائحة ديباجة مع ثلاثين مادة شكلت العمود الفقري لهذا الإعلان الذي تحول إلى وثيقة عظمى للبشرية جمعاء ..وعُدَ الإعلان  واحدا من أهم التطورات في قانون الشعوب، وقد كان له تأثيره الواضح في مسيرة الأمم المتحدة عندما تمكنت من  إصدار إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة الذي تمت الموافقة عليه بالأغلبية عام (1960) وبموجبه تمت إزالة الاستعمار واستقلال العديد من  الدول الافريقية والآسيوية، لاسيما وأن الإعلان الثاني استند إلى مبدأ  حق تقرير المصير الذي يعتبر واحدا من مباديء الإعلان العالمي والذي مازالت إسرائيل تعارضه  بكل قوة وقساوة ضاربة بعرض الحائط كل القرارات الصادرة من الجمعية العامة الدولية التي تعترف  بحق  الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره على أرضه بما فيه إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، ولا يزال يتجلى موقفها المتعنت في التنكر للحقوق العربية المشروعة المعترف بها دوليا ولازالت ليومنا هذا مستمرة في اغتصاب  وانتهاك حرمة الشعب الفلسطيني الذي شرد من وطنه والغارات اليومية السافرة على المنازل الآمنة على الشعبين اللبناني والسوري  

يتكون الإعلان من (30) مادة تنص على المساواة وعدم التمييز بين جميع البشر وتتمثل أهم بنوده في إقرار الحق في الحياة وحرية التعبير والمعتقد والتفكير والحق في أجر عادل والعيش الكريم والحق في التعليم ...وعدم جواز القبض على أي انسان تعسفيا وتعريضه للتعذيب، كما أن مواد اللائحة كلها تؤكد على الاعتراف والالتزام القانوني بالحقوق التي نصت عليها اللائحة ولا يسمح لأية دولة مهما كانت أن تعمل بما يخالف ذلك او أي عمل يهدف إلى هدم الحقوق والحريات الواردة فيها  كما نص الإعلان على حرية التنقل داخل البلاد ومغادرتها وضَمن حق اللجوء في حالة الاضطهاد والتعسف.

وحقوق الإنسان هي حقوق متأصلة في جميع البشر مهما كانت جنسيتهم او مكان إقامتهم او نوع جنسهم او لونهم او أصلهم الوطني والعرقي او دينهم او لغتهم او أي وضع آخر.  ومن أهم الحقوق الغذاء والدواء والأمن والسلام والمأوى والسكن والحماية الاجتماعية وحق التنمية والتعليم والتمتع بالحرية الثقافية والتقدم العلمي وحق العمل في ظروف عادلة ومرضية وآمنه، وحرية التنقل والسفر والعدل والمساواة أمام القانون والحق في محاكمة عادلة وافتراض البراءة، وحرية الفكر والوجدان والدين وحرية الرأي والتعبير والتجمع السلمي وحرية المشاركة في الشؤون العامة وحق الترشيح والانتخاب وحماية حقوق الاقليات الدينية والعرقية، ويحظر الحرمان التعسفي من الحياة والتعذيب او المعاملة القاسية واللاإنسانية او المهينة والعبودية والسخرية  والاعتقال التعسفي او الاحتجاز والدعوة إلى الكراهية،  وعلى الدول الالتزام باتفاقيات ومعاهدات حقوق الإنسان المتفق عليها لضمان حقوق شعوبهم.

وتشهد بلادنا سعيا حثيثا إلى التضييق على  الحرية والديمقراطية  وأوضاع حقوق الإنسان واعطائها مفهوما يناسب مقاسات السلطة المتنفذة  قبل وبعد الاحتلال وانتهاكات متواصلة لأسباب عدة منها الصراعات السياسية والتأجيج الطائفي والأعمال الإرهابية والمليشيات المسلحة المنفلتة التي طالت جميع المدن العراقية بلا استثناء وبرزت في الفترة الاخيرة محاولات عدة لفرض تصورات معينة حول مفهوم الحرية والحقوق واستحقاقاتها وحدود ممارساتها في ظل نقص في التشريعات التي تؤَمن الحريات والحقوق للمواطنين، بل أن هناك قوانين موروثة من النظام البائد مازالت سارية المفعول تقف بالضد من الدستور ومبادئ الديمقراطية وحرية التعبير. ويتضح جليا يوم بعد يوم ان هناك ميلا لدى القوى المتنفذة في الدولة إلى تشريع قوانين تضيَق على الحريات وتصادرها، كمشروع قانون جرائم المعلوماتية، ومشروع قانون حرية التعبير والتظاهر السلمي الذي يعطل حق التظاهر والاعتصام.  

وفي هذا الشأن أكد حزبنا الشيوعي العراقي ويناضل  منذ تأسيسه ولايزال ومن خلال مؤتمراته وإعلامه على ضمان حرية التعبير والنشر عبر وسائله الإعلامية  المقروءة والمسموعة والمرئية وضمان حرية الحصول على المعلومات وتداولها بما ينسجم مع نصوص الدستور ومواثيق حقوق الإنسان، وتحريم ما يحرض على التعصب والتطرف عرقيا او دينيا او طائفيا او على العنف، كما يشدد الحزب من خلال نشراته واجتماعاته الدورية على احترام استقلالية الإعلام وبضمنها منابر النشر والبث  الممولة من ميزانية الدولة وحثها على مواجهة موجة العنف والإرهاب ضد الإعلاميين  ووسائل الإعلام بحزم لقطع دابرها ومعاقبة المتورطين فيها بقتلهم او تغييبهم وتوفير الحماية اللازمة للعاملين في الإعلام والمتظاهرين سلميا الذين يطالبون بحقوقهم المشروعة والضمان الاجتماعي لعوائل الضحايا، بالإضافة إلى الأزمة العامة الخانقة التي تتجلى بأوضح أشكالها وأشدها خطورة في التدهور المتواصل لأحوال الشعب المعيشية والصحية والخدمية.

ونصت المادة (19) (لكل فرد الحق في الحياة وحرية الرأي والتعبير وسلامة شخصه دون تدخل من الغير وحرية استقصاء المعلومات والأفكار والحصول عليها ونقلها بأية طريقة من طرق النقل او ما يقوم مقامها وبدون تقيد بالحدود).    

في عام (1963) تظاهر (200000) ألف شخص من كافة أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية معظمهم او الأغلبية منهم من الزنوج وساروا هؤلاء في شوارع واشنطن مطالبين بالعمل والحرية، ولحصولهم على حقوقهم المدنية. فالحرية إذن في اللائحة هي الوجود الإنساني والفعل الإنساني.

وفي الوقت الذي ألقى فيه الرئيس الأمريكي (روزفلت) خطابه الشهير حول الحريات الأربع كان هناك آلاف من الأشخاص بين جدران السجون ومعسكرات الاعتقال في البلاد التي كان يسيطر عليها الحكم الفاشي. وكانت التهمة الأساسية لهؤلاء المعتقلين هي انهم تجرؤا وعبروا عن رأيهم بما اعتقدوا بالتكلم بوحي من ضمائرهم عن العدالة والظلم، وكان من بينهم رجال دين من كافة الطوائف وقادة فكر، الذين يحضون بالاحترام والتقدير في كثير من البلاد.

وفي بلدان أخرى الخاضعة للحكم الفاشي استنكرت شعوبهم اعتقال مثل هذا العدد الكبير من البشر، وناضل رجالها من أجل مثل هذه الحقوق، وقد لاقى رجال عظماء حتفهم او عذبوا في السجون، وان المعركة في سبيل الحرية يجب ان تستأنف، وأنها في هذه المرة يجب ان تدار على نطاق دولي، فقد تم الاتفاق مثلا على أن حرية الكلمة لا يجب ان تعني الحق في التدخل في حقوق الاخرين وحرياتهم، وأنه يجب على الحكومات ان تراعي المتطلبات العادلة للأخلاق والنظام العام والصالح العام في الدول الديمقراطية (المادة 29).

(غير ان بعض الحكومات لم تتفق كلها على المدى الذي يجب أن تمتد اليه هذه القيود ، وقد أشار بعضهم إلى أنه مما ساعد النازية على الوصول إلى السلطة وهو أن مؤيديها كانت لهم حرية فرض الإجراءات التعسفية المقيدة ضد بعض طبقات الشعب )، ولذك فقد أضيفت مادة أخيرة تنص على أن  الإعلان يجب ان لا يفسر بأن (أية حكومة او جماعة او فرد لها الحق في مزاولة أي نشاط يهدف إلى القضاء على أي حق في الحريات المنصوص عليها في الإعلان )، والحرية إذن هي الحق في القيام بكل مالا يضر الآخرين ومحددة بالقانون،  وقد أبدت بعض دول الأعضاء رغم موافقتها على أن الإنسان يجب أن يحصل على مختلف الحقوق المنصوص عنها في الإعلان، إلا أنها ابدت عدم استعدادها للتوقيع على معاهدة تلزمها بفرض كافة الحقوق المذكورة. وقد أعلنت الأمم المتحدة أن الإعلان يضع أساسا لمستوى عام عن العمل بالنسبة لكافة الشعوب والأمم، يهدف إلى أن يضع كل فرد وكل مجتمع هذا الإعلان نصب أعينهم على الدوام وأن يبذلوا جهودهم عن طريق التعليم والتربية في سبيل الحصول على الاعتراف المؤثر والاحترام المشترك بين شعوب الأمم الأعضاء وبين شعوب البلاد الخاضعة لحكمها. 

وقد نص الإعلان على كثير من الحقوق التي يجب ان تراعي الأمم ضرورة حصول مواطنيها عليها بصفة خاصة على حرية الكلمة وتتصل بها اتصالا وثيقا، واما المادة (26) تنص على حق التعليم، ذلك لأن الشعوب إذا لم تتعلم وتحصل على المعلومات فأنها لن تتمكن من التعبير عن نفسها.

وفي عام (1950) قررت (15) دولة، مجتمعة في روما وقعت اتفاقا ينص على حماية حقوق الإنسان والحريات الاساسية. وقد وضع هذا الاتفاق موضع التنفيذ عام (1953) وأدى إلى إنشاء مجلس أوربي لحقوق الإنسان وباستطاعة أي بلد ان يتقدم إلى هذا المجلس بشكوى، في حالة ما إذا رأى أن بلدا آخر من البلدان التي وقعت على الاتفاق قد أخل بأي من الحقوق التي نص عليها الإعلان.

 وفي عام (1960) وبعد سنوات عديدة من الجد والمثابرة وضعت الأمم المتحدة اتفاق الهدف الأساسي منه هو ضمان حصول الأطفال على نفس الحقوق في التعليم مهما كانت جنسيتهم او ديانتهم او الآراء السياسية لآبائهم، ولما كانت بعض الدول تهيئ فرص التعليم لبعض الاطفال، في حين يحرم آخرون بسبب جنسهم، فان مثل هذه الدول لا يمكن ان توقع على الاتفاق المذكور الا بعد ان تقوم بتعديل قوانينها التعليمية، والهدف من هذه الاتفاقية هو تشجيع حرية انتشار الأفكار بالكلمة والصورة.       

والحرية في المفهوم الاشتراكي هي الوعي والذي من خلاله يمكن السيطرة على الطبيعة كلها والمجتمع نفسه. وسيطرة الإنسان على الطبيعة لا تكون الا بالعلم. والترجمة السياسية لمشكلة الحرية في الاشتراكية هي الديمقراطية الواعية ولا تتم إلا من خلال إلغاء استغلال الإنسان للإنسان وتحريره من القهر الاجتماعي والاستغلال.  

ويناضل حزبنا على اعتماد الوسائل السلمية والدستورية في التصدي لمحاولات التضييق على الممارسات الديمقراطية وتقزيمها ولمصادرة وانتهاك لحقوق الإنسان والحريات العامة والخاصة وحرية التعبير عن الرأي ولمنع الناس من التمتع بحقوقهم المكفولة دستوريا وممارسة الإرهاب الفكري تحت حجج وذرائع مختلفة.

إن حزبنا ليعبر عن ثقته العالية غير المحدودة بشعبنا العراقي وقواه التقدمية وقوى التغيير الديمقراطية لهي قادرة على مواصلة مسيرته رغم كل ما يواجهه من صعوبات وعراقيل نحو إقامة دولة المؤسسات والعدل والقانون وبناء العراق الديمقراطي المدني الموحد. وفي هذا الصدد يكتسب الدفاع عن حقوق الإنسان وعن الحريات الديمقراطية أهمية بالغة بالنسبة إلى حزبنا باعتبارها جزءا لا يتجزأ من القضايا الوطنية الكبرى الذي يناضل بلا هوادة من أجل تحقيقها للشعب العراقي بكافة انتماءاته العرقية والقومية والدينية.     

عرض مقالات: