يُعد انقلاب 8 شباط 1963 واحدًا من أبرز الأحداث التي شكلت نقطة تحول في تاريخ العراق الحديث. كان هذا الانقلاب محطة فاصلة في مسيرة البلاد السياسية، حيث أطاح بحكومة عبد الكريم قاسم وجلب البعثيين إلى السلطة، وقد جرى التخطيط للانقلاب وتنفيذه بدعم من قوى خارجية وعربية وإقليمية كانت تضمر العداء للعراق وجمهورية تموز.
شهد العراق في حقبة ما بعد ثورة 14 تموز 1958 تحولات كبيرة في السياسة والمجتمع، وتمكن عبد الكريم قاسم من الإطاحة بالنظام الملكي وتأسيس الجمهورية، إلا أن سياساته أثارت جدلاً واسعًا وأدت إلى انقسامات داخلية عميقة، ما أدى إلى توتر العلاقة بين قاسم والقوى السياسية المختلفة، بسبب التوجهات الاقتصادية والاجتماعية وسياسات الإصلاح الزراعي، ولقد أدى النهج الفردي في الحكم إلى تزايد السخط داخل المؤسسة العسكرية.
في هذا السياق، قرر حزب البعث الإطاحة بعبد الكريم قاسم والسيطرة على السلطة. في الساعات الأولى من يوم 8 شباط 1963، بدأ الانقلاب بتنسيق بين القيادات البعثية وعدد من العسكريين، نُفذ الهجوم على مقر قاسم في وزارة الدفاع، حيث استمرت المعارك لساعات طويلة انتهت بإعدامه.
بعد نجاح الانقلاب، تولى حزب البعث مقاليد الحكم وتولى عبد السلام عارف رئاسة الدولة، وتولى أحمد حسن البكر رئاسة الوزراء، وتكليف قيادات بعثية وقومية أخرى بأهم المناصب الوزارية، وكجزء من استراتيجيتهم للسيطرة على البلاد وترسيخ نفوذهم، أنشأ البعثيون ميليشيا تُعرف بالحرس القومي، والتي كانت تُعد الذراع المسلحة للحزب.
ولقد لعب الحرس القومي دورًا محوريًا في فرض سيطرة البعث على البلاد، لكنه سرعان ما أصبح أداة للقمع والانتهاكات، بما منح من سلطات واسعة النطاق، ما أدى إلى تجاوزات خطيرة ضد الشعب العراقي. وانتشرت الاعتقالات العشوائية، وجرى استهداف المعارضين السياسيين، وخاصة الشيوعيين وأنصار عبد الكريم قاسم.
كانت ممارسات الحرس القومي واحدة من أكثر الفصول دموية في تاريخ العراق الحديث. تضمنت هذه الممارسات:
الإبادة والاعتقالات الجماعية: قام الحرس القومي بشن حملات واسعة ضد المعارضين، حيث تم اعتقال آلاف الأشخاص دون محاكمة، وتعرض العديد من هؤلاء المعتقلين للتعذيب الوحشي داخل السجون، بينما قُتل البعض الآخر بدم بارد.
الانتهاكات بحق النساء: كانت الانتهاكات بحق النساء واحدة من أبشع الجرائم التي ارتكبها الحرس القومي. تعرض العديد من النساء للاغتصاب والتحرش الجنسي في إطار حملات القمع التي استهدفت عائلات المعارضين أو من يُشتبه بتعاطفهم مع الأحزاب المعارضة.
التصفية الجسدية: جرت عمليات تصفية جسدية لمئات من النشطاء السياسيين والمثقفين. أُعدم العديد منهم بشكل علني، وأُلقيت جثثهم في الشوارع لإرهاب السكان.
الإرهاب العام: اعتمد الحرس القومي على نشر الخوف والرعب بين المواطنين، فقد كان أفراد الحرس يداهمون المنازل بلا إنذار، ويعتقلون أو يقتلون أي شخص يُشتبه بمعارضته للحكومة.
ولم تقتصر تداعيات انقلاب 8 شباط 1963 وممارسات الحرس القومي على الفترة القصيرة التي تلت الانقلاب، بل امتدت آثارها إلى السنوات اللاحقة، وقد أُضعفت المؤسسات العراقية بشكل كبير، وتعمقت الانقسامات الطائفية والسياسية، وفي تشرين الثاني 1963، حدثت انقسامات داخلية في صفوف البعثيين، ما أدى إلى الإطاحة بحكومة البعث الأولى من قبل عبد السلام عارف.
لقد تركت ممارسات الحرس القومي خلال هذه الفترة جرحًا عميقًا في الذاكرة العراقية، وأصبحت رمزًا للقمع والوحشية. ورغم مرور عقود على هذه الأحداث، لا يزال إرث تلك المرحلة يلقي بظلاله على السياسة والمجتمع العراقي.
لقد كان انقلاب 8 شباط 1963 نقطة تحول كارثية في تاريخ العراق الحديث، فقد جلب الانقلاب معه فترة من العنف والانتهاكات التي تركت أثرًا لا يُمحى في ذاكرة العراقيين، وسيظل هذا الحدث درسًا تاريخيًا مهمًا حول مخاطر الاستبداد والانقسامات السياسية، وأهمية بناء نظام سياسي قائم على العدل واحترام حقوق الإنسان.