من يتصفح تاريخ الحزب الشيوعي العراقي لابد أن يقف بكل احترام وإجلال أمام تلك المحطات النضالية المشرفة والتضحيات الجسام من تلك المسيرة الظافرة وهو يقود بكل فخر تلك الجماهير المنضوية تحت لوائه على امتداد سفره ودوره الريادي في تنظيم صفوف الجماهير في دعم التحولات الثورية قبل وبعد نجاح ثورة تموز ثورة الجيش والشعب، ومن عاصر أيام (عاهرة الثورات) التي لاتزال آثارها ندية لا تغيب عن ذاكرة العراقيين الشرفاء، وليطلع العالم والشعب العراقي خاصة والأجيال التي لم تر ما فعله البعثيون الظلاميون في رمضان الدامي (1963) وليقارنوا بين ما فعلوه آنذاك وما فعلوه في فترة حكم القائد الضرورة (هدام العراق) وما يفعلونه الآن بعد التحرير، فسيكتشفون أن هناك بعثا واحدا لا فرق بين يساري او يميني كما ان ليس هناك نازيون شرفاء ونازيون مجرمون. فالبعث هو البعث بخبثه وغدره ولن يخرج العراق من محنته حتى تستأصل درائنه الخبيثة من جسده واقتلاع جذوره المسرطنة من أرض الرافدين كما فعلت المانيا مع النازية وايطاليا مع الفاشية. ولو تابعنا تاريخ الأحزاب الوطنية الماركسية والشيوعية خاصة للاحظنا أن هذه الاحزاب ومنذ تأسيسها قد تعرضت إلى أسوأ العداء القاسي الشرس بشتى صنوفه، من أساليب القتل والتعذيب والاغتصاب. وقوافل الشهداء. ولم يتعرض حزب شيوعي في أنحاء العالم إلى أساليب دموية جنونية حاقدة مثلما تعرض لها رفاقنا الشيوعيون العراقيون بكوادرهم ومنظماتهم إلى أبشع حملات الإبادة الجماعية والتصفيات الجسدية.
وفترة البعث التي استمرت (9) أشهر والتي لاقى فيها الشعب العراقي بكافة انتماءاته الوطنية والمذهبية مرارة الحقد الدفين وما تقشعر له الأبدان وهول المعاناة والقساوة والليالي السود وما ألحقوه بفئات الشعب من تدمير وخراب ودمار، وما قام به الفاشيون نموذجا جديدا لم ير الشعب العراقي ولا شعوب العالم مثيلا لها. بعد انبثاق ثورة الرابع من تموز (الثورة التي أحدثت تحولا جذريا في ماهية الوجود العراقي وأولوية أنماطه الاقتصادية وما ترتب عليها من تجدد للوعي الاجتماعي في تجلياته الجمالية، الفلسفية، الحقوقية، السياسية والدينية) وتحقيق الاستقلال الناجز، شعر العراقيون ولأول مرة في تأريخهم المعاصر أن العراق للعراقيين جميعا بعد ما كان نهبا وتسلطا من قبل الاحتلال والإقطاع العنصري وأن السلطة منهم وإليهم في بلد موفور الخيرات، وتحقيق الإنجازات الكبيرة التي لا حصر لها، التي لا تزال شاخصة إلى يومنا هذا. كل ذلك لم يرق لأولئك العملاء والاحتلال وبعض دول الجوار فباتوا يحيكون المؤامرات والاصطفاف المشبوه لاغتصاب ثورة الشعب، وكان لهم، وتحققت مآربهم الدنيئة في جمعة رمضان الدامي التي عاشها شعبنا بمرارة وألم ومعاناة. وقد عانى الحزب مع القوى الوطنية الكثير من الاضطهاد والملاحقات المريرة وتصفية رموزه والآلاف من كوادره واعضائه سواء كان ذلك في عهد الاحتلال والحكم الملكي أو في ظل الدكتاتوريات المتسلطة على رقاب الشعب وأفلح المرتزقة بفعل ما استخدموه من أساليب خسيسة وأساليب دعاية مضللة وتضحيات رفاقنا الجسام في تلك المحنة. (وقد اعترف القيادي البعثي السابق (صلاح عمر العلي) أن أخطاء وقعت لدى وصول البعث إلى السلطة في (8) شباط، وأن نوايا الحرس القومي ذهبت بعيدا إلى ممارسة العنف ضد الشيوعيين (وكانت مطاردتهم تحولت إلى هدف بحد ذاته، ويشير إلى لجنتين تسببت بإعدام الكثيرين التي كانت تضم المجرمين (هاني الفكيكي ومحسن الشيخ راضي ) وأسماء الجلاوزة الذين ساهموا بتعذيب المعتقلين بلا رأفة ، هذا ما ذكرته (ابتسام الراوي في طوارق الظلام)، ولكن بفضل وحدة الشيوعيين التنظيمية وتماسكهم وصلابتهم وتصديهم للهجمة الشرسة مع التضامن الاممي للحزب، استطاع الشيوعيون أن يجتازوا هذه المحنة بكل جدارة وشجاعة، مقدما أغلى التضحيات والتفاني والصمود والإصرار على صوَن المبادئ والدفاع عنها بضراوة، جعلت من جلاديهم أن يجن جنونهم، عبر تقديم رتل كبير وعظيم من الشهداء البواسل الذين مجدوا شعبهم وحزبهم وأثبتوا للعالم ولجلاديهم بأن (الشيوعية اقوى من الموت ..وأعلى من أعواد المشانق) وبإصرارهم على التمسك بمبادئهم التي صاغها المعلم الأول (فهد) لن تنال قوى الظلام والارهاب منهم لأن تضحياتهم تفوق كل التوقعات.
في مثل هذه الأيام قام نفر ضال من الظلاميين وبمساعدة الاجنبي ومجيئهم بالقطار الامريكي حسب اعتراف عميلهم (علي صالح السعدي) ومباركة ودعم حكام العرب الأقزام استطاعوا ان يجهضوا الثورة وانجازاتها العظيمة. وأحالوا البلاد إلى ركام وخراب حيث كان شعارهم الهمجي إبادة الشيوعيين والوطنيين، وأنصارهم، فامتلأت السجون والمعتقلات بالمناضلين من الرجال والنساء والأطفال وأعدم الكثير من مناضلي الحزب الشيوعي العراقي.
وانقلاب شباط الأسود لا يعدو كونه انقلابا تقليديا أمريكيا بالتعاون مع دول الجوار والجهات البريطانية ذات العلاقة وخاصة مصر، قد استقبلت الانقلاب بعين الرضا والارتياح للإجراءات القمعية والتصفيات الجسدية التي كان يمارسها الجلادون وتحويلهم في مراكز السجون والمعتقلات إلى حيوانات طيعة في أقبية الحرس القومي ومنفى نقرة السلمان ليمروا بتجارب رهيبة ومعاناة قاسية ربما هي الأصعب والأقسى ما يمكن أن يواجهه الإنسان العراقي، في أبشع صوره، ولم يستطع الخروج من تلك الزنازين المظلمة إلّا من ينال الشهادة أو دفنهم في مقابر جماعية في أماكن مجهولة في الصحاري والوديان، وكان منهم من يتمنى الموت تحت سياط التعذيب حتى لا يقع في بئر الخيانة أمام تلك الأساليب الجهنمية، بعد أن صار الموت هو المرتجى الوحيد للخلاص من هذه المواقف المشينة للتعذيب، وكأن المتنبي كان حاضرا (كفى بك أن ترى الموت شافيا...وحسب المنايا أن تكون أمانيا)، وما قام به فاشيو العصر نموذجا جديدا لوجه الفاشية الطغاة وتحولوا إلى ذئاب كاسرة مفترسة تحركهم شهوة القتل والدم والانتقام وتسيطر عليهم الرغبة الشيطانية في التلذذ بالتعذيب والتنكيل والاغتصاب واراقة الدماء. (عمل حزب البعث العفلقي ومشيل عفلق بالذات الذي قدم إلى بغداد في الأيام الأولى للثورة على تحطيم جبهة الاتحاد الوطني وإثارة الصراعات بين القوى السياسية باسم العمل مع الوحدة الفورية مع مصر، وشرع في العمل لتدبير المؤامرات ضد الثورة وحكومتها بتأييد من حكام القاهرة بالمال والسلاح. ووجدت الدوائر الاستعمارية ضالتها للتحرك ولدس عملائها في صفوف الحزب العفلقي وبعض القوى القومية الأخرى ودفعهم إلى تكثيف الهجوم على الشيوعيين والثورة).
وفي الهجمة الشرسة وقف الشيوعيون (ضد عاهرة الثورات هذه العاهرة التي عرفها الجميع عدم عذريتها بعد أن هتك عرضها الحبيب الامريكي) وخاض مع الجماهير معارك مسلحة في بغداد والمحافظات وسيطر الفاشيون على الوضع من خلال إجراءاتهم القمعية وشعاراتهم الزائفة من خلال صوت العرب والقاهرة والإعلام المضلل. وأصدر البعث العفلقي بيانهم البربري رقم (13) الذي يخول الحرس القومي والبعثيين ومناصريهم، حرية إبادة كل مناضل وأي من خصومهم بعد أن يتهمونهم بالشيوعية حيث ما كانوا، وجراء هذا البيان راح ضحيته أكثر من (10000) شهيد، وانطلق الحزب العفلقي في حملة اعتقالات هائلة، وأخذت سكاكين الأوباش تحز رقاب الأبرياء في مقرات عديدة، وسالت أنهار من دماء الرفاق تحت سياط الجلادين خلال تلك الايام من استيلاء عصابات القتل والإرهاب.
واتخذ من أماكن عديدة من العاصمة أماكن لتعذيب وقتل أعداد كبيرة من كوادر وأعضاء الحزب وفي مقدمتهم سكرتير الحزب الشهيد (سلام عادل) ورفاقه وقادة رموز الثورة. ومع تلك الأجواء القاسية صمد الشيوعيون ببطولة نادرة وخاضوا مع الجماهير المنتفضة معارك مسلحة ضد الانقلابيين، والدعوة إلى مقاومتهم وتنبأ الحزب بأن عمر الانقلاب لن يطول كثيرا. وهذا ما حدث فعلا ورغم الظروف القاسية في تلك الفترة المظلمة مارس الشيوعيون نشاطهم التنظيمي والجماهيري واحتفل الحزب بذكرى تأسيسه (29) في الناصرية مما أثار فضول العفالقة وجن جنونهم وثارت ثائرتهم وكيف وهم أعدموا الآلاف من الشيوعيين على أيديهم.
وفي الثامن من شباط بدأت المرحلة السوداء من تاريخ العراق السياسي الحديث وفترة حكمهم، وفترة حكمهم الثانية في (17/ تموز عام 1968) وجاؤوا بهدام العراق الذي أحال العراق إلى دمار وحروب استنزاف أكلت الأخضر واليابس حتى يوم سقوطهم باحتلال العراق في التاسع من نيسان عام (2003).. حيث تعتبر هاتان المرحلتان من حكم البعثيين المراحل السوداء في العراق الحديث، لأنهم كانوا يثأرون لأنفسهم المريضة المنحطة ولا ينتمون إلى صنف البشر تراهم شاحبي الوجوه إرهابيين يغلف قلوبهم الكره والحقد والانتقام، ومن لا يهلك بسياط حقدهم الأعمى يهلك جوعا ويأسا، ويقول المقدم السوري (محمد عمران) في حادثة ذات مره إنه كلف ضابطا بعثيا بإعدام (12) شيوعيا فرفض ذلك قائلا أنا لا أذهب لإعدام (12) إلّا لإعدام (500) شيوعي، إنه (المجرم السفاح عبد الغني الراوي)، وكان هؤلاء الأوباش في الهيئات التحقيقية ومقرات الحرس اللاقومي يعتقلون كل من يقف ضد أفكارهم وتوجهاتهم القومية يشرفون على عمليات التعذيب وتصفية الرفاق الشيوعيين وقتلهم بأساليب وحشية دموية قذرة منحطة يندى لها جبين الانسانية وأكثرها قساوة وبشاعة مثل (سلخ الجلد والتعليق بالمراوح السقفية ومن الأرجل وقلع العيون والأسنان والأظافر وكسر الأضلع) وغيرها من الأساليب البربرية. هؤلاء الأوباش لا يتورعون عن القيام بأي فعل دنيء يتلذذون به تجاه رفاقنا المعتقلين، لكن تراهم مفعمين بالحيوية ويتمتعون بالصلابة والشجاعة والصمود والكبرياء المنقطع النضير وهم ينشدون بملء أفواههم وبحماس وصوت عالي (تحيا الشيوعية الموت للطغاة) مما أرهب الجلادين وأربكهم ...وبهذا الهتاف الصارخ المدوي يعلنون مرة تلو الاخرى (ان الانسان لا يمكن قهره او كسر إرادته في أقسى الظروف ضراوة، وان إخلاصه لأفكاره ومبادئه التي ضحى من أجلها هو جزء أساس من نضاله المستميت) نحو الحرية والسلام، وكان يأتي العديد من كبار الضباط والعفالقة من المجرمين الذين كانوا يتلذذون بتعذيب الشيوعيين للإشراف والتحقيق معهم ودفعهم إلى الايغال في أساليبهم الوحشية لانتزاع الاعترافات من المعتقلين، (وما نريد التذكير به بهذه المناسبة بأن على كل عراقي غيور عدم نسيان جرائم البعث وتلك الجمعة السوداء من رمضان والتذكير به وبجرائمه لأبنائنا وأحفادهم في المستقبل لكي لا تتكر تلك الأيام الدامية والتذكير( بهذه المآسي والجرائم يرفع هما ثقيلا عن قلوب وأرواح شعبنا العراقي التي تورمت وكادت تنفجر بما حملته من قهر وهَم ومعاناة)، و يتذكر العراقيون ببطولة وبسالة أولئك العظام ووسام شرف للذين تجرعوا مرارة التعذيب والبطش الشنيع وهم يقدمون أروع صور الشهادة والتضحية تحت سياط جلاديهم من أجل العزة والكرامة و عدم الخنوع للقتلة المارقين أو مساومتهم وستبقى اسمائهم اللامعة مصابيح تنير دروب السائرين نحو تحقيق العدالة الانسانية في (وطن حر وشعب سعيد) ينعم بالسلام والأمان في دولة مدنية ديمقراطية تسع الجميع وفي نضالهم المستمر والتضحيات الغالية قدمها ويقدمها أعضاؤه في شتى المعارك الطبقية والوطنية ضد الظلم والفساد والطائفية على مر السنين، وستظل سلوكيات أولئك القتلة المارقين وصمة عار تعلوا جبين الجلادين عملاء الإمبريالية والصهيونية، أولئك الذين ساهموا في تلك الجرائم النكراء مثلما يستحيل على نخيل العراق التنازل عن خضرته الدائمة.