اخر الاخبار

بلغت الحرب في السودان طورا جديدا من التعقيد أفضى إلى تقسيم البلاد بالفعل إثر الإعلان مؤخرا عن قيام حكومة موازية لحكومة الأمر الواقع في بورتسودان، وذلك في المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع. وهي خطوة لم تجد الاعتراف من أي دولة او تجمع إقليمي ودولي. بل أن الإدانات طالت دولة كينيا التي استضافت الفعالية، على الأقل من قبل المعارضة في تلك الدولة.

ولكن المهم في هذه المرحلة التي وصلت إليها الحرب هو أنها عززت دور المكون العسكري في الطرفين ودفعت المكون المدني السياسي إلى مجرد معلق على الأحداث في القنوات الفضائية وإصدار البيانات التي تجد التعاطف من الفاعلين الدوليين والاقليميين، مثل البيان الذي اصدره د. عبد الله حمدوك قبل أيام وساندته ١٨ منظمة حقوقية إقليمية. لكن وصول صوت القوى المدنية إلى المنابر الدولية التي تستطيع اتخاذ قرارات من شأنها إيقاف الحرب مثل مجلس الأمن تقف دونه عقبات أقلها الفيتو الروسي وعدم حماس الإدارة الأمريكية الجديدة للقضية، والتي تشغلها قضايا أكثر أهمية مثل الملف النووي الإيراني والتهجير القسري في قطاع غزة. ذلك رغم قرار الكونغرس الأمريكي المرتقب والذي تشير التسريبات إلى انه يتركز حول وقف إطلاق النار في السودان.   مع ان كل المعلقين على الأحداث يصفون ترامب بأنه رجل صفقات، كما يظهر ذلك جليا في الملف الأوكراني.

فحتى إذا توفر الحماس الدولي لحل النزاع السوداني فإنه سيكون وفق أجندة الجهات الدولية التي تستطيع ممارسة الضغوط على الطرفين. وهذا هو الخطأ الذي وقعت فيه القوى السياسية المدنية بمراهنتها على المجتمع الدولي وتركيز جهدها في النشاط الدبلوماسي وحده، لأنها وقعت تحت تأثير الخبراء الدوليين وغاب عن مساعيها التفكير السياسي. وظهرت أمام الشعب كممثل للأجندة الدولية، مما فتح الباب أمام القوى الانقلابية، خاصة فلول النظام السابق، لتخوينها ووضعها في خانة المدافع عن وطنيتها التي أصبحت في موضع الشك.

على الجانب الآخر، حاول الجيش السوداني استغلال مشروعيته العسكرية لتأسيس مشروعية سياسية غير مستحقة. وهذا جعله في وضع يمكن المزايدة عليه، خاصة بعد مشاركة الفصائل العسكرية للإسلاميين في الحرب، ومن داخل معسكرات الجيش مثل كتيبة البراء بن مالك.

كما أن قيادة الجيش تبنت الخط السياسي للإسلاميين دون مراعاة أن الشعب قد أطاح بهم في ثورة شعبية. أصبح الجيش لا يستطيع ان يقنع أحد بأنه لا يمثل الفصيل المسلح للإسلاميين، مما يعطي الآخرين الحق في تكوين فصائل مسلحة.

هذه الأخطاء المتبادلة جاءت خصما على الموقف الوطني السليم والمسنود بالشرعية الشعبية.

أخطأت القوى المدنية السياسية حينما ساوت بين طرفي الحرب من حيث المشروعية. فالجيش السوداني ومهما تكن الملاحظات عليه فإنه قوى مسلحة شرعية باعتراف أول جمعية تأسيسية قامت عام ١٩٥٤ بسودنة الخدمة العسكرية والمدنية. في حين أن الدعم السريع مليشيا أسسها النظام السابق وكان يجب أن تذهب معه، كما يعكس ذلك أحد شعارات الثورة (العسكر للثكنات والجنجويد ينحل).

والحل اما أن يكون عبر التفاوض او بإجباره باستخدام القوة.

لكن مشروعية الجيش العسكرية لا تمنحه مشروعية سياسية. فليس من حقه ان يحكم البلاد أو أن يرسم مستقبلها السياسي.

من هنا فإن الجيش مطالب بأن يقتصر دوره على الناحية العسكرية المتمثلة في إجبار الدعم السريع على الاستسلام. ومن حقه في هذه الحالة ان يتوقع اصطفاف كل القوى السياسية والمدنية من خلفه لاستعادة شرعية الدولة وليس شرعية حكم الجيش.

على القوى السياسية المدنية ان تخطو خطوات محسوبة في هذا الاتجاه بعد رفضها تكوين حكومة موازية في مناطق سيطرة الدعم السريع ودفعت انقسامها كثمن لهذا الموقف. كما أن الجيش مطالب بأن يسترد قوميته السليبة وان يعلن عن نفسه كجيش للوطن ينحصر دوره في إنهاء الحرب بالتفاوض او القتال.

في هذه الحالة نستطيع تأسيس موقف وطني نقدمه للشعب ليلتف حوله. ثم نطرحه على القوى الدولية والإقليمية وندير معها الحوار على أساسه.

عرض مقالات: