اخر الاخبار

تحت شعار بناء جبهة أممية من اجل السلام، نظم حزب التقدم والاشتراكية المغربي والمبادرة الدولية من أجل السلام ندوة دولية في مدينة طنجة بمشاركة ممثلين عن أكثر من 27 دولة، في خطوة نوعية لترسيخ الدبلوماسية الحزبية في الدفاع عن القضايا العادلة.

أيتها السيدات أيها السادة

باعتزار كبير تلقيت دعوة المشاركة في هذا المؤتمر الهام الذي يجري انعقاده عشية اقتراب الذكرى الثمانين للانتصار على النازية والفاشية، وفي ظل تحديات كبيرة تمس الأمن العالمي المشترك وقضية السلام العالمي، وفي وقت تتزايد وتيرة الحروب وبؤر التوتر في أجزاء عديدة من المعمورة، حيث تستمر الحرب الروسية الأوكرانية، والحرب في غزة، إضافة إلى حروب الميلشيات ذات الطابع الطائفي في الشرق الأوسط، والحروب الأهلية، كما هو الحال في اليمن والسودان، والوضع المتأزم في كل من سوريا وليبيا.

وبسبب الانشغال لم أحظ بشرف المشاركة وجاهياً في هذا المؤتمر، لذا ارسلت مساهمتي في هذه الندوة.

الحضور الكريم!

يتطلب الحديث عن السلام في الوقت الحاضر، الإشارة إلى الواقع الحالي لطبيعة التناقضات والصراعات الجارية في العالم، وأود أن أشير بهذا الصدد إلى النقاط التالية:

أولاً/ انتهى القرن العشرون وانتقلت النزاعات والصراعات وبؤر التوتر وأخطرها بقايا الحروب الدائرة فيه والحروب الجديدة إلى القرن الواحد والعشرين. وترتبط هذه الحروب بأزمة الرأسمالية المعاصرة وبالأخص سُبل النيوليبرالية والاوليكارشيات الحاكمة في المراكز الرأسمالية، والنخب الحاكمة المرتبطة بها أو المناوئة لها في الرأسماليات التابعة لمعالجة أزماتها وإدارة صراعاتها من خلال الحروب.

شهد العالم منذ الحرب العالمية الثانية إلى عام 2020 أكثر من 285 نزاعاً عسكرياً، منها 122 حربا أهلية، تحولت 83 منها إلى حروب بين دول، إضافة إلى 35 حربا بين دول، و45 حربا ضد منظمات أجنبية، وضمن هذا السياق تم ادخال الكفاح المسلح للشعوب ضمن الحروب الأهلية.

ثانياً/ تتسم الحروب الحالية بمتغيرات سياسية وتكنولوجية حيث تستخدم القنابل الذكية وتزداد المخاطر على حياة المدنيين، وتدمير البنية التحتية لتصل إلى مديات تدمير مدن بكاملها. فعلى سبيل المثال لنرى ما حصل في الحرب الروسية الأوكرانية، من تدمير للمدن ونزوح للمدنيين، وما جرى في غزة من قتل وأسر للمدنيين من قبل حماس، وما يجري الآن من قبل إسرائيل من قصف المدنيين ومقتل آلاف الشيوخ والأطفال والنساء وتهجيرهم ضمن سياق لا يمكن وصفه الاّ بحرب الإبادة. ولابد لي أن أذكر ما جرى للإزيديين والإزيديات في كوردستان العراق بأيدي دولة الخلافة الإسلامية (داعش) حيث جرى إعدام الآلاف من الرجال ودفنهم في مقابر جماعية، وبيع النساء الكورد الإيزيديات في أسواق النخاسة. واتخاذ البعض منهن جواري لمقاتلي دولة الخلافة الاسلامية.

ثالثاً/ لا تستخدم في هذه الحروب القوى التقليدية للدولة، حيث يقوم أمراء الحروب والمليشيات الحزبية المتنوعة والعاملة باسم شرعيات أيديولوجية او عقائدية والشركات الأمنية بمهام الجيوش النظامية، ومن أمثلة ذلك "فاغنر" في الحرب الروسية الأوكرانية، والميلشيات الفاشية في أوكرانيا والحشد الشعبي، والمقاومة الإسلامية في المنطقة، وحروب الميلشيات في سوريا، داعش.

رابعاً/ في خضم الحروب الحالية توجد الإمكانية العسكرية لمجموعة مسلحة أو لميليشيا قليلة العدد خارج سيطرة الدولة، أن تلعب دور الدولة العميقة، وأن تقوم باحتلال منطقة جغرافية واسعة، (نموذج داعش وتأسيس دولة الخلافة الإسلامية على سبيل المثال).

خامساً/ إن التطور الكبير والخطير في مجال تكنولوجيا السلاح وتجارته جعل بإمكان الحصول على أسلحة متطورة ومدمرة من قبل مجاميع ميلشياوية إرهابية ومتطرفة وإمكانية استخدامها في النزاعات القائمة.

وعلى العموم يمكن القول بأن العالم يعيش منذ القرن العشرين ولحد الآن في ظل الحرب الباردة والحروب "الحارة"، إضافة إلى الحروب التجارية خاصة تلك الأخيرة التي أعلنها ترامب عبر زيادة الرسوم الكمركية.

إن جملة النقاط الواردة أعلاه أوجدت حالة إرهاب الدولة المنظم وإرهاب المنظمة السياسية والميلشيات المسلحة، ووفق هذين المفهومين والنقاط المشارة لها، لا بد من إجراء تصنيف لتلك العمليات العسكرية التي لا يمكن وصفها الاّ بالإرهاب.

أيتها السيدات أيها السادة

ان الأسباب الحقيقية التي تديم بؤر التوتر والحروب تكمن قيما يلي:

1ـ فشل المجتمع الدولي والمنظمات الدولية الأساسية ومنها الأمم المتحدة في حل النزاعات بشكل سلمي في ظل فقدان آلية فرض الحلول، أو تطبيق المشاريع الدولية التي تدعو إلى السلم. فعلى سبيل المثال لم يجر تطبيق قرار الأمم المتحدة منذ عام 1948 حول حل الدولتين، إضافة إلى القرارات الدولية الأخرى واتفاقية أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل.

2ـ تراجع التيارات الفكرية الداعية إلى التنوير في ظل إشكاليات الحداثة وتزايد تأثير ونفوذ التيارات الدينية.

3ـ ضعف قوى اليسار في العالم، وفقدان الرؤية المشتركة في النظر إلى المتغيرات واتخاذ الموقف من الأحداث، مما أثر على عدم بلورة حركة سلام عالمية مؤثرة على الرأي العام العالمي والدول والمنظمات الدولية. فرغم الظروف الموضوعية التي تشجع على قيام حركة سلام في أوروبا ضد الحرب في أوكرانيا على سبيل المثال في ظل الأزمة الاقتصادية الناجمة عن الحرب وتأثير ذلك على بلدان الجنوب والدول الأوروبية، فإن مواقف الأحزاب الشيوعية والعمالية العالمية والأحزاب اليسارية حول الحرب متباينة. كما تنقسم مواقف الأحزاب الشيوعية في البلدان العربية إلى موقف مؤيد لحل الدولتين، وموقف مناوئ لهذا الحل.

4ـ دور الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي في تداول خطاب شعبوي مبني على رفض وإلغاء الآخر، وخاصة إذا كان موضوع البحث في إطار التعبير عن الرأي والموقف السياسي.

5ـ زيادة نفوذ القوى اليمينية في أوروبا، فعلى سبيل المثال استطاعت القوى اليمينية الفوز في الانتخابات في كل من السويد وهولندا والدنمارك وهنغاريا وإيطاليا، بالتزامن مع ظاهرة كره الأجانب والتشدد في قوانين الهجرة.

إن قراءة متأنية للوضع القائم في المراكز الرأسمالية والرأسماليات التابعة في ظل المؤشرات أعلاه، وبسبب غياب السياسات البديلة، خلقت الأجواء المناسبة للقوى اليمينية والفاشية القديمة والقوى التي توظف الدين في العمل السياسي والمنظمات المتطرفة والإرهابية، أن تتصدر المشهد السياسي في وقت أصبح القانون الدولي والنظام الدولي الحالي عاجزين عن إيقاف الإرهاب بكل تجلياته وإطفاء بؤر التوتر وإنهاء النزاعات وإيقاف الحروب.

الحضور الكريم!

 يبدو القرن الواحد والعشرين بشكل عام متواجدا في ظل فوضى عالمية عارمة وشاملة، مفتقراً إلى آليات واضحة وناجحة لضبط الأزمات وادارتها ومعالجتها.

وبهذا الصدد لا يمكن إغفال العوامل الاقتصادية المسببة لذلك الفوضى، ومنها: تزايد الفجوة بين الشمال الغني والجنوب الفقير، والآثار السلبية لأزمة الرأسمالية العالمية على الطبقة الوسطى عالميا التي تدهور وضعها بسبب التخلي عن مفهوم "دولة الرفاه" في أوروبا، وتبعية اقتصاديات دول الشرق الأوسط الريعية للمراكز الرأسمالية.

من جهة أخرى تنبثق حركات اعتراضية واحتجاجات ضد الوضع القائم في ظل غياب برنامج واقعي بديل لمعالجة الأزمات، قائم على تشخيص ماهية الأزمة وسبل معالجتها، مما وفر الأرضية المناسبة لإنتاج نازيين جدد وقوى دينية متطرفة وارهابية.

السيدات والسادة!

إن الاشارة إلى هذه اللوحة المعقدة والمركبة الشائكة لا تعني نهاية التاريخ، ففي عمق هذه الأزمات والفرز المتوقع للقوى الاجتماعية على صعيد المجتمعات القائمة والمتغيرات في الوضع الدولي، تتواجد وتنخلق فرص جديدة للمواجهة وطرح البديل ومستجدات موضوعية تفتح آفاقاً للتغير.

تستند إمكانيات التغيير على قدرة مجتمعاتنا من جهة وإمكانية المجتمع الدولي بشكل عام على تصحيح مساراتها متجاوزاً السكون والثبات، للبحث عن بدائل واقعية تستجيب لما حدث من تغييرات موضوعية على الصعيد العالمي ككل.

ان قراءة واقعية للمستجدات تفتح أمام القوى التواقة إلى تحقيق تغيير نوعي يتجاوز التبعية ويحقق التنمية والأمن المشترك، آفاقاً نضالية واسعة مبنية على عوامل موضوعية تغتني بتفعيل العوامل الذاتية الكامنة وراء التغيير، لذا لا بد من العمل المشترك لكافة القوى الديمقراطية والتقدمية واليسارية في العالم لتفعيل حركة سلام عالمية ذات أجندات واضحة، تعمل من خلال التعاون مع كافة الحركات الاجتماعية الفاعلة في مجالات البيئة والحركات النسوية وحركات الدفاع عن حقوق النساء والنقابات العالمية لخلق جبهة عالمية ضد الحرب ومن أجل السلام.

إنني أدعو رفاقنا في حزب التقدم والاشتراكية إلى بلورة لجنة تحضيرية بمساهمة المشاركين في المؤتمر لوضع اللبنات الأساسية لتأسيس هذه الحركة.

الحضور الكريم!

اننا في الحزب الشيوعي الكوردستاني إذ ندعو إلى إنهاء الحروب والتوجه إلى مجتمع المصير المشترك للبشرية، نجدد تضامننا مع نضال الشعب الفلسطيني، وندعو إلى تفعيل مبادرة دولية لإيقاف القتال الدائر الآن في غزة وإنهاء تبادل الأسرى والمدنيين والتركيز على تطبيق القرارات الدولية وبناء سلام دائم على أساس حل الدولتين، وإيقاف زعيق خطابات الكراهية الذي يخلق وعياً مشوهاً، يساهم في إذكاء نار الحرب، وهي ليست السبيل المناسب لدعم الشعب الفلسطيني والتضامن معه لإقامة دولته الوطنية الخاصة والتضامن والدعم لقضية السلام وتعايش الشعوب في منطقة الشرق الاوسط.

ان عالم اليوم بحاجة إلى بدائل واقعية مبنية على تصورات جديدة تحقق التوجهات لضمان الأمن العالمي والتنمية العالمية عبر تفاعل الحضارات العالمية في مواجهة التخلف والفجوة الحاصلة في التنمية وخطابات التفوق الحضاري وصدام الحضارات.

كاوه محمود

سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الكوردستاني

الأول من آيار 2025

عرض مقالات: