البيان الشيوعي وثيقة سياسية مهمة كتبها كارل ماركس وفريدريك انجلس بتكليف من عصبة الشيوعيين الاممية، وتم نشرها بعدة لغات في عام 1848. وعلى الرغم من مرور 177 عاما على صدور البيان الشيوعي الا انه ما يزال من الوثائق المهمة في تاريخ العالم.
والبيان الشيوعي عبارة عن كُتيب سياسي ثوري يتضمن مقدمة، وأربعة محاور رئيسية: البورجوازيون والبروليتاريون، والبروليتاريون والشيوعيون، ونقد الأدب الاشتراكي وموقف الشيوعيين من مختلف أحزاب المعارضة. وقد سميت مسودة البيان بتعاليم الماركسية.
يحلل البيان الشيوعي صراع الطبقات ومشاكل الرأسمالية، ويدعو إلى تغيير الرأسمالية وإبدالها بالاشتراكية. وقد تنبأ البيان بثورة وشيكة في أوروبا الغربية تؤدي إلى ظهور الشيوعية، وبناء مجتمع لا طبقي يكون فيه " التطور الحر لكل فرد هو شرط التطور الحر للجميع". ودعا البيان الطبقة العاملة للقيام بالثورة والسيطرة على وسائل الانتاج وإقامة حكم الطبقة العاملة. وأكد البيان ان الرأسمالية من الممكن أن تتدمر وتندثر في حال توحدت البروليتاريا.
إن البيان الشيوعي يعبر عن محتوى الفلسفة الاقتصادية لكارل ماركس باعتبارها فلسفة جديدة تدعو إلى تحرير البروليتاريا من الاستغلال الرأسمالي. ومنذ أواخر القرن التاسع عشر، ولا يزال البيان الشيوعي يشكل أساسًا لانتقادات الرأسمالية، ويدعو لإقامة أنظمة اجتماعية واقتصادية تقوم على العدالة والديمقراطية والمساواة.
وقد علق لينين على البيان الشيوعي بقوله" ان هذا الكتيب يستحق مجلدات بأكملها فحتى يومنا هذا لا تزال روحه تلهم وتوجه البروليتاريا المنظمة والمناضلة ضد الاستغلال". فالرسالة التي قدمها البيان الشيوعي إلى العالم أن الرأسمالية تحمل بذور فنائها وسوف تحل محلها الشيوعية، لأن الرأسمالية تخلق الظروف الموضوعية للشيوعية. ويوضح ماركس وانجلس في مقدمة البيان، أن القوى الأوروبية الحاكمة تعتبر الشيوعية تهديداً لها. ويشير هناك شبح يجول في أوربا هو شبح الشيوعية، وقد اتحدت كل قوى أوربا العجوز في حلف مقدس لملاحقته والتضييق عليه، بحيث أصبحت أي معارضة يتهمها خصومها القابضون على زمام الحكم بالشيوعية. ومن ذلك استنتج ماركس وانجلس كما يشير البيان شيئين مهمين:
الأول: أن الشيوعية اصبحت قوة معترفا بها من جميع الدول الاوربية. والثاني: قد آن الأوان للشيوعيين أن يعرضوا أمام العالم بأسره أهدافهم وتطلعاتهم إلى المستقبل.
ويشير البيان أن الرأسمالية نظام اقتصادي قائم على تركيز الملكية والثروة بيد النخبة المالية، ويؤدي ذلك إلى تفاقم استغلال العاملين، وزرع بذور الثورة. فالرأسمالية تنتج، قبل كل شيء، حفاري قبرها، وأن سقوطها وانتصار البروليتاريا أمر لا مفر منه.
وفي المحور الأول ركز البيان على الصراع بين البرجوازية والبروليتاريا. واكد ان الرأسمالية ادت إلى نشوء طبقتين هما، البرجوازية والبروليتاريا. وأدى هذا الانقسام المتزايد إلى استغلال البروليتاريا، وتجريد العمل من إنسانيته وتحويله إلى سلعة، وتركيز رأس المال والسلطة في أيدي اقلية ضئيلة.
وأشار البيان ان التاريخ البشري منذ زوال المشاعة البدائية وظهور الطبقات هو تاريخ صراع بين الطبقات. فالمجتمع البرجوازي العصري، الذي قام على أنقاض المجتمع الإقطاعي، لم يلغ التناحر بين الطبقات، وانما أحل محلها طبقات جديدة وحالات استغلال جديدة وأشكالا جديدة لصراع الطبقة البروليتاريا والبرجوازية. وحسب البيان فان الصراع الطبقي ينشأ في المجتمعات الرأسمالية بسبب التناقضات بين المصالح المادية للبروليتاريا المضطهدة والمستغلة، والبرجوازية الحاكمة التي تمتلك وسائل الإنتاج. ويشير البيان، مع تقدم الثورة الصناعية ونمو السوق العالمية وتوسع الصناعة والتجارة زادت البرجوازية من تراكم رأس المال وتعزيزه، وتدهور ت ظروف وطبيعة عمل البروليتاريا.
ويصف البيان البروليتاريا (العمال الأجراء) بأنهم الطبقة التي تنتج الثروة، والبرجوازية التي تمتلك وسائل الانتاج تستحوذ على هذه الثروة. ويوضح أن التشكيلية الرأسمالية القائمة على استغلال العاملين ونهب الشعوب مرحلة عابرة في التاريخ، وسوف يخرج من أحشائها المجتمع الاشتراكي الذي يزيل استغلال الإنسان للإنسان، وتحرر الطبقة العاملة نفسها والمجتمع بأسره من كل شكال الاضطهاد والاستغلال.
وفي المحور الثاني تناول البيان العلاقة بين البروليتاريين والشيوعيين. وبين أن هدف الشيوعيين تنظيم البروليتاريا في طبقة منظمة، والاستيلاء على السلطة السياسية والغاء الملكية البورجوازية التي تقوم على استغلال وافقار العاملين. واكد أن الشيوعيين لا يخفون آراءهم وأهدافهم، ويُنادون علانية بأن لا سبيل لبلوغ أهدافهم إلاّ بإسقاط النظام القائم، فلترتعد الطبقات السائدة خوفا من ثورة شيوعية. فليس للبروليتاريين ما يفقدونه سوى أغلالهم. وقد أشار البيان، في فترات الازمات العميقة يمكن لمقاومة المضطهدين ان تبلغ ذروتها بثورة بروليتارية تؤدي في حال انتصارها إلى انشاء نمط الانتاج الاشتراكي القائم على الملكية الاجتماعية لوسائل الانتاج. وأوضح البيان الدور التاريخي للحزب الشيوعي باعتباره حزب الطبقة العاملة وطليعتها.
وفي المحور الثالث يتناول البيان الأدب الاشتراكي ويوجه النقد اللاذع إلى الفكر الادبي البرجوازي في المرحلتين الاقطاعية والرأسمالية، ويشير إلى الافكار الاشتراكية الطوباوية التي ظهرت في فرنسا وانكلترا التي تقدم نقدا محافظاَ هدفه الابقاء على الطبيعة الاستغلالية للنظم القائمة بدلاَ من تغييرها. ويوضح البيان أنّ الكتابات الاشتراكية والشيوعية تتضمن عناصر نقدية، فهي تهاجم المجتمع القائم بكل أسسه. ومن ثم فإنّها تُـقدِّم مادة قيّمة جدا لتنوير العمال. فموضوعاتها التي تتحدث عن مجتمع المستقبل، مثل إزالة التناقض بين المدينة والريف، والربح الخاص، والعمل المأجور، وزوال الطبقات، والعدالة الاجتماعية والمساواة، فان هذه الموضوعات تعبّر عن إلغاء التناحر الطبقي واشاعة الانسجام المجتمعي.
وفي المحور الرابع وضح البيان موقف الشيوعيين من أحزاب المعارضة. وأكد أن الشيوعيين لا يؤلفون حزبا خاصا معارضا لأحزاب العمال، وليست لديهم مصالح تفصلهم عن مجموع الطبقة العاملة، وإن الشيوعيين يدعمون كل حركة ثورية ضد النظام الاجتماعي والسياسي القائم. ومن الوجهة النظرية فإن الشيوعيين يمتازون عن بقية الأحزاب العمالية بإدراك واضح لظروف حركة العاملين وسيرها وأهدافها العامة. وما يميز الشيوعيين عن بقية الاحزاب العمالية هو ان الشيوعيين في مختلف النضالات الوطنية التي تقوم بها الطبقة العالمة يضعون في المقدمة المصالح المستقلة عن الجنسية لجميع العاملين. ويمثلون المصالح العامة لعموم الحركة العمالية في كافة مراحل الصراع بين البروليتاريا والرأسماليين.
ويشير البيان أن الشيوعية تسعي لإلغاء الملكية البرجوازية الخاصة المستغلة وليست الملكية المكتسبة بجهد فردي (الملكية الشخصية) وتحويلها إلى ملكية عامة مشتركة لجميع أعضاء المجتمع، وهو التحول الذي يؤدي إلى فقدان الملكية لطابعها الطبقي الاستغلالي. ويعتبر البيان الشيوعي عمل البروليتاريا الموحد في البلدان المتحضرة أحد الشروط الأولية لتحررها من الاستغلال.
ويدعو البيان الشيوعي إلى ثورة شيوعية لتحقيق مجتمع شيوعي لا طبقي تضع وسائل الإنتاج تحت إدارة الدولة وتقسم الثروة بشكل عادل ومتساوي بين افراد المجتمع. ويؤكد البيان عندما تطيح البروليتاريا بالبرجوازية، فإنها ستخلق مجتمعًا شيوعيًا، وهو مجتمع لا يوجد فيه أي تمييز طبقي. ويصف البيان المجتمع الشيوعي الذي يطمح إلى تحقيقه بانه مجتمع خال من الطبقات الاستغلالية، والجميع فيه متساوون ويعملون من أجل المصلحة العامة.
ويختتم البيان رسالته التاريخية بدعوة البروليتاريا إلى التوحد والتماسك من اجل الثورة وتغيير العالم بالهتاف الشهير، (يا عمال العالم، اتحدوا).