اخر الاخبار

ولد كارل ماركس يوم 5 مايو/أيار 1818، في مدينة ترير التابعة يومئذ لمملكة بروسيا، الواقعة شرق المانيا حاليا، وهو الابن الثاني في أسرة ميسورة الحال تنتمي إلى الطبقة الوسطى، وتتكون من تسعة أبناء.

بعد تخرجه من المدرسة، ذهب ماركس إلى الجامعة، حيث درس القانون، ثم التاريخ والفلسفة فيما بعد. وأثناء دراسته في برلين وقع تحت تأثير الفيلسوف العظيم هيغل. لقد رأى أن لديالكتيك هيغل، تحت قشرته المثالية السطحية، مضامين ثورية عميقة جدا. وقد شكلت هذه الفلسفة الديالكتيكية الأساس لكل تطوره الأيديولوجي اللاحق.

كانت عائلة ماركس مكونة من سبعة أطفال، توفي أربعة منهم في سن الرضاعة أو أثناء الولادة. لكنهم وعلى الرغم من كل المصاعب كانوا عائلة سعيدة. أحب ماركس بناته بشدة وكن يعشقنه بدورهن. كان يخصص لحظات فراغه في المساء للعب معهن وكان يقرأ لهن من الكلاسيكيات. كانت رواية دون كيشوت هي المفضلة بشكل خاص، لكنهم قرأوا أيضا مسرحيات شكسبير، حيث كان ماركس وأطفاله يتناوبون على قراءة أجزاء مختلفة. قالت عنه ابنته إليانور: “لقد كان حكواتيا فريدا من نوعه”.

بعد نيله درجة الدكتوراه في الفلسفة بدأ اهتمام ماركس بدراسة الاقتصاد السياسي أثناء إقامته في باريس، أنتج ماركس عدة أدوات نظرية وتحليلية، وصاغ جملة من المفاهيم في إطار نقده للمجتمع الرأسمالي ودعوته إلى ضرورة الثورة البروليتارية بُغية التحول إلى الاشتراكية، وسعيه في التأكيد على أن هذا التحول حتمية تاريخية بالإضافة إلى كونه ضرورة.

ماركس يرفض أن الإنسان له طبيعة ثابتة لا تتغير ولا تتبدل بمرور الأزمان والتواريخ، فالإنسان يتغير عبر التاريخ وهذه طبيعته وهو في ذات الوقت يقوم بتغيير التاريخ.. وهنا يميز ماركس بين نوعين من الدوافع والميول الإنسانية..

الميول الثابتة: كالجوع والجنس، والعطش وهي لا تتغير إلا في أشكالها وبحسب الثقافات المختلفة..

الميول النسبية: والتي تعود إلى البنى الاجتماعية والإنتاج وشروطه كجمع النقود، أو السلطة، أو المجد الفردي، أو الأنانية الخ..

إن مفهوم الإنسان لدي ماركس هو الإنسان الفعال – المنتج لا المتلقي – الذي يدرك ويعانق العالم الموضوعي بواسطة قواه الذاتية الفاعلة – ليس الفرد المنتمي لجماعة تتحرك بـ “روح القطيع”.

لقد انطلق ماركس في دراسة الإنسان من الإنسان الواقعي والشروط الاجتماعية والاقتصادية التي يعيش في ظلها، وتوصل إلى استنتاجات متعلقة بالدوافع البشرية، مُعتبرًا أن بعضها كالجوع والجنس ثابتة بالطبع، بينما تنشأ بعض الدوافع الأخرى أو تزداد أهميتها فوق العادة في ظل شروط اجتماعية مُعينة بنى اجتماعية مُحددة، وأوضاع إنتاج مُعينة، وشروط للإنتاج والتواصل الاجتماعي.

يعني أن ماركس يهتم بدراسة الكائن الواقعي، فقد حرص ماركس على تحليل الظروف المادية المشكلة للدولة، وإعادة بناء رؤية جديدة حول إنسان طبيعي عاش في حالة أصلية اصطلح عليها بالحالة الطبيعية مع فلاسفة الأنوار، وإنما هو حديث سياسي واقعي ومادي عن إنسان تجريبي متفاعل مع حركية الواقع.

إن التطور الصناعي في حلته الرأسمالية، أفضى إلى بروز نظام رأسمالي مميز للدولة الرأسمالية المطبوعة بالقهر والاستغلال والاستعباد واغتراب العامل عن عمله؛ لأن النظام الرأسمالي أفرز نوعا معينا من العمال وحدد وظيفتهم، التي تتجلى في كونهم مجرد آلات وقوة للإنتاج الرأسمالي لصالح طبقة مهيمنة ومحتكرة، إلى درجة أن العمال صاروا عبارة عن قوى وأدوات وآلات للإنتاج الرأسمالي، ومن ثمة عدم إحساس الناس بحياة إنسانية كريمة وكاملة؛ لأن تحقق ذلك يتطلب التحرر التام من جميع القيود وأشكال القهر والاستلاب والاغتراب.

يعني البديل للرأسمالية إنهاء الإنتاج مقابل القيمة، وخلق نمط إنتاج إنساني، وإنشاء شكل حكم جديد غير قائم على أساس حكومي، وبناء علاقات إنسانية حرة. إن الخروج عن قانون القيمة هو الأساس الجوهري لإمكانية تكوين مجتمع جديد حقًا، حيث أن إنتاج القيمة يجعل الانسان خاضعاً للأشياء ويشوه العلاقات الإنسانية. يستوجب علينا الآن وضع هذا البديل حيز التنفيذ.

وجهة نظر ماركس كانت أن النشاط الإنتاجي هو نشاط بشري أساسي، ويمكن أن يكون مجزيًا عند ممارسته بحرية. قد يكون استخدام ماركس لكلمة “عمل” سلبيًا بشكل لا لبس فيه؛ لكن لم يكن هذا هو الحال دائمًا، ومع ذلك، كان ماركس واضحًا دائمًا أنه في ظل الرأسمالية، كان العمل شيئًا غير إنساني أي أنه لا ينتمي إلى كيانه الأساسي؛ أنه، بالتالي، لا يثبت نفسه في عمله، بل ينكر نفسه، ويشعر بالتعاسة وعدم السعادة، ولا يطور طاقة عقلية وجسدية حرة، بل يميت جسده ويدمر عقله.

ليست الأولوية لدى ماركس هي توزيع ثمار الإنتاج، بقدر ما هي تغيير أسلوب الإنتاج جذريًا بشكل يتيح للإنسان الحرية في توظيف طاقاته الإنتاجية وإبداعه كما يُريد دون تقيّد بالشروط الربحية للرأسمالية، وبطريقة تُوجّه الثروة المادية «لتلبية حاجات التطور لدى العامل» بصفته إنسانًا يُمارس فعاليته الذاتية الممثلة في العمل على أكمل وجه وفق إرادته. فإنسانية الإنسان ممثلة في فعالية عمله.

إن نقد ماركس للرأسمالية ليس فقط لانعدام العدالة في توزيع الدخل، ولكنها جعلت عمل الإنسان مغرباً مستقلاً عنه، وحولته إلى شيء شاذ مشلول وملحق بالآلة. ولذلك فالهدف الرئيسي لماركس هو انعتاق الإنسان من كل قيوده الحتمية والاقتصادية، واغترابه عن ذاته وعن حياته الإنسانية.

وبحسب كتاب “رأس المال” الذي أصدره ماركس عام 1867، فإن المعاناة، لا تنجم فقط عن الطبيعة الفانية أو المؤقتة للواقع، فهناك نظام اجتماعي اقتصادي ما، يعزز آلية التنافس بين الأفراد في مهمة البحث عن تكديس (مراكمة) الثروة التي لا يحظى الأشخاص الذين ينتجونها إلّا بقدر محدود من إمكانية الحصول على أجزاء منها، أو يُحرمون من ذلك. وعبر هذه العملية، تُنتهك حقوق معظم الناس، وتتم السيطرة عليهم ومعاملتهم بطريقة سيئة، وتغريبهم عن جوهرهم الإنساني، وبالتالي، فإن انعدام المساواة الاجتماعية ومأساوية الظروف المعيشية، تؤديان إلى انتشار الجريمة والعنف والكراهية، وهذا ليس أمرا مفاجئا، وتسبب الفقر والاغتراب والاستغلال، والمعاناة.

وترتكز جدوى المشروع الماركسي على الطبيعة المجتمعية الخيّرة للإنسان. قد يجادل البعض بأن الفكرة القائلة إنه بمجرد إدراك الإنسانية لترابطها، فسوف تحيد عن القسوة متجهة إلى التعاطف، هي طوباوية متمناة. لقد أدرك الفيلسوف الألماني، إمانويل كانت، في القرن الثامن عشر، أن القسوة والكراهية هما الخطأ الذي يرتكبه كل فرد، إذ تترسخان بعمق في طبيعة الوجود الإنساني.

ومن الملحوظ أن المادية الماركسية ختمت رسالتها في القرن التاسع عشر، دون أن تتعرض بالمساس للحرية الفردية أو تمس مطالب الفرد ـ إلاَّ حيث تستطيع أن تمشي في جدار فكرة من أفكار العصر المقبولة أو مبدأ من مبادئه المحدودة، كالحملة على احتكار الثروة، أو الرجوع إلى حقوق الأمة في المسائل الاقتصادية، أو الحتمية التاريخية التي لم تكن غريبة عن الأحاديث الشائعة حول نواميس الكون وقوانين الطبيعة.

 يفصل “ماركس” بين العلوم الطبيعية من جانب والعلوم الإنسـانية، وبـاقي أشـكال المعرفة من جانب آخر. ويرى أن العلوم الطبيعية تتميز بدقتها وموضوعيتها وقدرتها على كشف حقيقة العالم الخارجي، ويعتبر أن الأيديولوجيا أو التشويه الإيديولوجي للحقيقة لا يمتـد إلى العلوم الطبيعية. أما العلوم الإنسانية فتخضع في فكر” ماركس” للتشويه الإيـديولوجي بـل هي الشكل المعرفي الذي تتخفى فيه الإيديولوجيا في النظام الرأسمالي علـى وجـه التحديـد. ويرى “ماركس” أن دور العلم ولا شك أنه يعني العلوم الإنسـانية هـو كشـف التناقضـات وبالتالي كشف الإيديولوجيا بمعنى كشف التشويه الحادث في الواقع والمنعكس في الفكر، أمـا القضاء على الإيديولوجيا فلا يتم إلا بالقضاء على أسبابها، أي القضاء على المجتمع الطبقـي إذن في فكر “ماركس”، الإيديولوجيا هي نقيض العلم. ويعتقد “مـاركس أنه باكتشـافه الماديـة التاريخية ونظريتي القيمة وفائض القيمة فقد قدم العلم الذي كشف الإيديولوجيا من حيـث أن نظريته في القيمة كشفت حقيقة الاستغلال في المجتمع الرأسمالي، ونظريته في التاريخ كشفت أن المجتمع الرأسمالي ليس أبديا وسيتم تجاوزه.

مفهوم ماركس للعلاقة بين الرجل والمرأة، يرى انها علاقة احتياج إنساني، ذو طابع إنساني، وبالتالي، الحد الذي أصبح فيه الشخص الآخر، كشخص واحد من حاجاته، فالإنسان في وجوده الفردي كائن اجتماعي. وينتقد ماركس الشيوعية الفظة التي تدعو إلى مشاعية العلاقات “الجنسية “ في العلاقة مع المرأة كفريسة وخادمة للشهوة المشاعية، يتم التعبير عن الانحطاط اللامتناهي الذي يوجد فيه الرجل من أجل ذاته.

يرفض ماركس الأخلاق الزائفة لأنها تُستخدم لصالح المصالح القذرة للطبقة الحاكمة وكذلك الدولة لأنها تقمع المجتمع من خلال مكوناته، وخاصة القوى القضائية. كما يدين الدين لأنه يهدئ ويخدع الناس بكونه شريكًا للدولة في اتباع مصالحهم الخاصة في الوقت الحاضر يمكننا أن نرى أن بعض هذه المبادئ لا تزال سارية: هناك أخلاق خاطئة تتكون من “معايير وقيم” تطيع مصالح من هم في السلطة ورجال الأعمال النيوليبراليين الكبار، وتقمع الدولة للمجتمع مع ضباط الشرطة عندما يتجلى ذلك من خلال المسيرات والإضرابات بسبب بعض الخلاف.

إنّ جوهر الإنسان يكمن في مشاعره (Feelings)، كالحب مثلاً، لكنّ استخراج هذا الجوهر ليس ضروريًا لمعرفة العالم الخارجيّ الحِسّيّ كما بالنسبة لهيغل. إنّ التأمل بالأشياء الحِسّيّة لا يستدعي استخراج جوهر الإنسان، لهذا السبب يستخرج الإنسان جوهره ويُشَيِّؤهُ، أي يجعله شيئًا موضوعيًا، في الفلسفة والدين، وليس في الطبيعة.

وفي هذا الإطار تعد علاقة ماركس الإنسان مع زوجته جيني من الزيجات القليلة التي حافظت على اتقادها واشتعالها وشغفها ولم تكن علاقته بأولاده أقل شغفاً وتميزاً فهي بعيدة عن الهيمنة ومليئة بالحب المنتج ولا سيما طريقه سرده الممتعة للحكايات عن دون كيشوت وألف ليلة وليلة وهوميروس وشكسبير.