اخر الاخبار

تفتخر الشعوب بعواصم بلدانها لما تتمتع به مراكز الدول من أهمية سياسية واقتصادية واجتماعية.

وكانت بغداد تعد واحدة من أهم عواصم الشرق لما تتمتع به من موقع جيوسياسي وكذلك من الناحية العلمية والثقافية والاقتصادية.

لقد تعاقب على حكم البلاد عديد  من الحكومات التي في غالبيتها لم تعط لبغداد قيمتها التاريخية أذا ما استثنينا حكومة ( ١٤ ) تموز الوطنية التي أهتمت بالتخطيط الاستراتيجي في بناء المدن الحديثة والعصرية رغم وضع البلاد الاقتصادي ومشاكل صراع الإرادات على شكل النظام السياسي وتحولاته وإرساء قواعد التنمية في  الصناعة والزراعة وتنشيط كل هياكل الاقتصاد وتسخيره من أجل بناء الإنسان العراقي الجديد ( أي إعطاء الأهمية للارتقاء وتجاوز خط الفقر لكثير من العوائل الكادحة ) فاستنهضت وزارات الدولة  وببرامج علمية مدروسة وشرعت اول ما شرعت في بناء مرتكزات النهوض في بناء المدارس والمدن الحديثة والمصانع والمستشفيات والمستوصفات في القرى والأرياف واستصلاح الأراضي وتشريع القوانين التي من شأنها تسهيل عملية النهوض بالواقع المزري الذي يعيشه المواطن العراقي  .

وقد ورثت الحكومات الرجعية بعد انقلاب شباط الأسود عاصمة حضارية وفق تخطيط عمراني مدني يواكب روح العصر وعملت على إيقاف عجلة البناء وتطور المدن وإنهاء ركائز الاقتصاد المبني على الخطط التنموية والبرامج العلمية واستخدمت هذه الحكومات العميلة برامج اجتهادية غير مدروسة لا تمت للتطور الحضاري بأي صلة وغلبت روح الانتقام من برامج الحكومة السابقة فعملوا على إنهاء كل ما يشير إلى روحية ثورة (١٤) تموز الوطنية التقدمية.

لقد عانت بغداد من سوء الخدمات منذ زمن الدكتاتورية السابقة (١٩٦٨ -٢٠٠٣) حين أقحم (القائد الضرورة) البلاد والشعب بحروب عدوانية دفع ثمنها الشعب وطبقاته الفقيرة والكادحة، فبدلا من أن تستمر عملية التنمية الاقتصادية وتثمر بثمارها لصالح الشعب ويتنعم بالتعليم المجاني والخدمات الصحية الجيدة والدخل الجيد للمواطن، فقد رجع البلد إلى الوراء بفعل الانفراد بالقرار السياسي وبالقوة لدكتاتور متسلط ومن أجل أن يتربع على (كرسي السلطة) الى مدى الحياة.

لقد تجاهلت الحكومات التخطيط العمراني لبناء المدن الحديثة واندثر كثير من المعالم الحضارية لمدينة بغداد وتغير جزء من شكلها إلى الأسوأ.

وبعد حرب الكويت الكارثية التي أشرت وبوضوح على همجية (القيادة السياسية) آنذاك في كيفية إدارة الصراع مع دول الجوار ومصالها الاستراتيجية وبقرارات رعناء جرى اقحام البلاد بحرب خاسرة في كل المقاسات، دمرت فيها كل البنى التحتية للبلاد من كهرباء ومحطات ماء وصرف صحي وتدهور اقتصادي وحصار على الشعب وإيقاف عجلة البناء للبنى التحتية بعد أن خرج من الحرب خاسرا أمام الجميع وبمديونية مرعبة تقدر ب (٣٠٠) مليار دولار.

لقد تشوه وجه بغداد الحضاري بالقصف الهمجي لقوات التحالف العدوانية وكان بإمكان هذه القوى المتحالفة أن تنقض على رأس النظام وتغير نهج الحكم فيه وبطريق أسهل لكنهم أرادوا للبلاد أن تتهاوى في كل مفاصلها وتضعف في المنطقة فكان الخراب الذي حظيت بغداد بالقسم الأكبر منه.

ثم جاء التغيير المنشود عام (٢٠٠٣) واستقبل الشعب بحرارة هذا التغيير متأملاً أنه سينعكس على اوضاع الناس ايجابياً وينعم به المواطن بحياة حرة كريمة.

وتسير عجلة الأمل نحو الخلف جراء نظام المحاصصة المقيتة التي أحبطت روح الأمل داخل نفوس المواطنين فكانت الحرب الطائفية اللعينة وتربع المتحاصصون على قمة القرار ودفع الشعب الثمن غاليا بسقوط أبنائه ثمناً قتال مصالح) دار في البلاد فانعدمت الحياة وهاجر العباد وتهدمت بغداد ولازالت لأبشع (نتيجة هذا الصراع البغيض.

بغداد تعاني وستبقى تعاني أن لم يكن فيها من يتولى قيادة إعمارها من أبنائها البررة ذوي الخبرة والكفاءة والنزاهة، فمنظر بغداد اليوم  لا يليق بتاريخها المشرف على مر العصور فهي مركز عالمي في الفكر والثقافة والعلم  والاقتصاد، لذا ومن أجل استنهاض واقعها المزري ضرورة أن يتشكل فريق من الخبراء والمهندسين والمعمارين الأكفاء والوطنين ذوي  النزاهة والوطنية الحقة وكل أصحاب الشأن وأن تدعم من قبل الوزارات ذات الاختصاص  وتهيئ الأموال اللازمة لها  ، ليس مركزها فقط بل والأطراف وما حولها، والشروع بحملة كبرى من أجل إعادة اعمارها ببرامج حضارية وخطط حداثوية آخذين بعين الاعتبار احترام طابعها التاريخي الأثري وشكلها البهي الذي تحتفظ به الذاكرة الجمعية لأهالي بغداد برمزيتها المعروفة وحفظ  شوارعها وأسواقها ومعالمها الأثرية بجمالية كبيرة ومن خلال أدخال الخبرات الأجنبية في الأعمار والتعاقد مع شركات رصينة تحافظ على عوالم المدينة وأثرها التاريخي وتوفير مستلزمات العيش فيها من مدارس ومستشفيات وحدائق ومنتزهات ومجمعات سكنية ، وان يكون لكل مواطن ( بيت ) بأسعار تشجيعية ومجهز بخدمات عصرية ، وجامعات ذات سمعة علمية مرموقة وانشاء مدن صناعية كبرى وأحاطتها بغابات من الأشجار والاهتمام بنهر بدجلة والكري المستمر له واستخدامه في النقل النهري ، مما سيدر من أرباح مادية لميزانية الدولة وانشاء مترو بغداد وجسورها الدوارة المعلقة كل ذلك ليس بالمستحيل أن توفرت الإرادة والعزيمة والحرص على بناء اجمل مراكز الدنيا بغداد.  فالعراق غني بثرواته لكنها لم تستثمر بالشكل المراد لها من خلال هيمنة حيتان الفساد على خزائن البلاد ليس للحفاظ عليها، بل لنهبها وتحويلها كغسيل أموال خارج البلاد لمصالحهم الدنيئة والخبيثة.

عرض مقالات: