اخر الاخبار

لم تكن الأحزاب الحاكمة في غفلة من أمرها وهي تصنع من نفسها فئة غنية بفعل سرقة المال العام متنصلة بالتدريج عن أصولها ومتنكرة لبيئاتها الشعبية بعد أن اتخذت لنفسها قصور النظام السابق أو الاستيلاء على العقار العام ، عاملة بفعل هاجس الخوف مما ارتكبت على مر عقدين من أخطاء مميتة على عزل نفسها وأحاطت مكامنها بالمليشيات القادرة على حمايتها من الشعب وقوى الدولة الأمنية ، وقد تصرفوا وكأن العراق خال من شعب عريق له تقاليد ثورية كانت دوما تقلب حسابات الحكام على مر تاريخه القديم والحديث، وقد تمادت في غييها وربطت مصيرها بطرف اجنبي محاصر وجد في العراق منفذا لتجاوز آثار هذا الحصار، وكانت المحصلة أن أنتجت محاصصتهم المقيتة وفسادهم الظالم شبابا يئن من وطأة الفقر والعوز، وقد تغافلت هذه القيادات عن تظاهرات الشباب المتعاقبة منذ العام ٢٠١١ غير مدركة أن التفاوت الطبقي وما يتركه من آثار اجتماعية واقتصادية يخلق صراعا يبدأ باحتجاج وينتهي بثورة عارمة، وهكذا بدأت ثورة تشرين عام ٢٠١٩ باحتجاجات سلمية في العديد من المحافظات تطالب بفرصة عمل بعد أن شحت هذه الفرصة في القطاع العام أو القطاع الخاص بفعل الاستيراد المفتوح والمبوب  لصالح هذه الأحزاب وتلك الكتل، غير أن حكومة عبد المهدي ومن شكلها آنذاك لم تكن هي الأخرى تستوعب أن هذه الشبيبة الثائرة لا تملك ما هو أهل للتضحية غير الجود بالنفس، وتعاملت هي بشدة تارة،  وتارة المليشيات التابعة لكل الاحزاب مع المتظاهرين ،  الأمر الذي أدى إلى استشهاد أكثر من ٩٠٠ متظاهر وجرح عشرات الآلاف منهم ، وقد تحول المتظاهرون وبفعل عوامل موضوعية أخرى بشعاراتهم من توفير فرصة عمل إلى شعار نريد العراق، وهنا مكمن السر، إلا وهو أن المتظاهرين كانوا مدركين أن أوضاع البلد ناتجة عن التبعية وان العراق تتقاسمه الدول الأجنبية الغربية وبعض الدول المجاورة، وهكذا صار شعار اعادة الوطن اكبر من شعار فرصة عمل، وقد تخلل كل ذلك رفع شعار الدولة المدنية، تلك الدولة القائمة على حكم القانون،  بعد أن أعلن المتظاهرون دون خوف ان الدين للآخرة والدولة للحياة الدنيا، وهكذا كانت ثورة تشرين ولا زالت مستمرة ، صراع مستمر يتأجج كل يوم في هذه المحافظة أو تلك ليقول إن العراق لا تحكمه المحاصصة، وان لا بد للفساد من نهاية، وما المقاطعة العارمة لانتخابات عام ٢٠٢١ إلا ثمرة دماء شهداء تشرين ، وحقا للدماء من حقوق إضافية.