اخر الاخبار

يعود تاريخ جفاف الأهوار شمال البصرة وغرب محافظة ميسان وجنوب محافظة ذي قار إلى أعوام الحرب العراقية الإيرانية. كانت فكره التجفيف تدور في قيادة البعث المجرم العسكرية وإتلاف بيئة عمرها آلاف السنين، وفي أعوام السبعينات بدأ التنفيذ الفعلي حيث تم القضاء على مساحات واسعة جدآ منها، وبذلك بدأت المحنة الحقيقية للسكان حيث أصابتهم بمقتل في أرزاقهم وحياتهم الطبيعية القائمة منذ آماد بعيدة، فهلكت مئات الألوف من “ الجاموس و الأبقار” وتم القضاء على كل الثروات من القصب والبردي و أسماك متنوعة وطيور قيمة ووافدة، وهجر المئات بالجملة صوب محافظات بعيده بحثا عن حياة أخرى، فكان القصد من ذلك هو أن المنطقة كانت ملاذا لمقاومة شعبية وهروبا من التجنيد القسري ، ملاذا آمنا يوفر لهم بعض متطلبات الحياة، ورأى النظام أن وجود الأهوار يهدد أمنه الداخلي، فأقدم على تدمير البيئة وإزالة مقومات الحياة فيها نهائيا. وبعد سقوط النظام البعثي الصدامي المجرم في عام 2003، واستبشر المئات من سكان الأهوار خيرا بذلك، فعاد قسم كبير منهم إلى مناطق سكناهم من الذين عانوا ما عانوا من دول الجوار والمحافظات العراقية الأخرى، لكن معاناتهم بدأت من جديد، فلا سكن متوفر وإن توفر فبلا أدنى خدمات، فأعادوا بناء بيوتهم من بقايا القصب والبردي المتهالك بعد عودة المياه إلى معدلات مقبولة. اما عودة ماضي الأهوار إلى سابق عهدها فيبدو اشبه بالمستحيل. وبقيت الحالة بين مد وجزر، فتارة تتوفر المياه بشكل مقبول وتارة تجف بحيث يضطر السكان إلى المغادرة من جديد، ويعودون بين فترة وأخرى. ولكن في العامين الأخيرين 2021 / 2022 بدأ انحسار المياه ياخذ منهجا مخيفا وبقيت مجار صغيرة لا تفي بمتطلبات الحياة بحدها الأدنى، وأصاب الجفاف حتى تلك المجاري الصغيرة. فاضطر الناس إلى النزوح بموجات سكانية جماعية ولكن وسط نفوق الآلاف من حيواناتهم، وانعدمت مصادر رزقهم في صيد السمك والطيور، وبات البردي والقصب الذي هو مادة بنائهم للصرائف في خبر كان، وهامت بعض الجواميس طلبا للحصول على المياه، وتم احراق المئات النافقة منها، وأصيب الاطفال بأمراض جلدية عديدة. وصارت المعاناة فوق تصور الانسان، فلا الحكومة مدت لهم يد العون ولا المنظمات الانسانية الأخرى سلطت الضوء على معاناتهم المريرة، وجراء هذا الواقع البائس ارتفع سعر الجاموس الواحد إلى ما يقارب (خمسة ملايين دينار)، وفي بعض الاحيان اصبحت تباع بابخس الاثمان على يد المضاربين الذين يساومون الأهالي الذين ليس لهم باليد حيلة لإنقاذ ما تبقى من مجهودهم، كما انتشر في الآونة الاخيرة قطاع طرق (سلابة) ينهبون الحيوانات الهائمة، وفقد السكان آخر أمل رغم جهود الجهات المحلية لضخ كميات من المياه غير المضمونة. وفقدت الحياة المائية هناك أفقها وسط فراديس مياه كانت تتراقص على مدى الدهور، وانتشرت البطالة وفقد مورد كان يوفر آلاف فرص العمل.

 لذلك يتوجب على منظمات المجتمع المدني أن تطالب الحكومة بالتدخل الفوري لانقاذ السكان من محنتهم التي بدأت في زمن نظام البعث المقبور وازدادت في حاضرنا الهزيل الذي لا يبالي بمعاناتهم.

عرض مقالات: