اخر الاخبار

“اللصوص قادمون! إنهم يغزون بلادنا بقوة عسكرية هائلة.. إنهم يبقوننا على قيد الحياة إذا أعطيناهم ما نحتاجه للبقاء على قيد الحياة لماذا يخافون الموت ولا يخافون الجوع؟ سوف لن نرضخ”.

بأبيات بريشت هذه، والتي كتبها في المهجر عام 1934، يفتتح جان زيجلر، عالم الإجتماع السويسري ومستشار المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، كتابه الصغير والغني (ماهو السيء في الرأسمالية) والذي صدر عن دار المفكر للكتب، بترجمة الدكتور سعد ناجي طه، وجاء على شكل محادثة في تسعة فصول، بين زيجلر وحفيدته.

«نعمة الرأسمالية»

في الفصل الأول من الكتاب، تتساءل الحفيدة عن السبب الذي دفع جدها للهجوم على “بيتر برابك” رئيس شركة نسلة السويسرية التي تنتج ألذ أنواع الشوكولاته، وذلك في حوار تلفزيوني بينهما، بدا فيه الرجل لطيفاً وودوداً. فيجيب الجد بهدوء، بأنه يرفض إطروحات “بربك” وأستاذه عالم الاقتصاد الهولندي “روتغر برغمان” وغيرهم، لإنهم ببساطة مراغون وكذابون، يسعون لإيهام الناس بأن النظام الرأسمالي، بما حققه من تقدم تقني وعلمي، هو من أنعم على البشرية بالحرية والرفاهية، وأخرجها من ظلمة قرون طويلة من الجوع والخوف والمرض، في وقت تزكم فيه جرائم هذا النظام أنوف الناس، سواء في ارتكاب مذابح لا حصر لها، راح ضحيتها عشرات الآلاف من الأطفال، أو في تلّويث البيئة وتسميّم التربة والمياه وتدمّير الغابات، أو في تعرّيض ثلثي البشر للمرض والمذلة والبؤس والبطالة، أو في إبقاء ملياري إنسان تحت مستوى الفقر، حتى بات عدد ضحايا إستغلاله البشع، أكبر بكثير من عدد ضحايا الحرب العالمية الثانية.

ويوضح زيجلر لحفيدته بأن الحضارة البشرية، كثمرة لكل العقول والمواهب الإنسانية التي طورت الإنتاج، حتى بات يتضاعف مرة كل عشرة أعوام، وفي مختلف الميادين كالطاقة والطب و النقل وعلوم الفضاء و الزراعة وغيرها، قد فقدت شيئاً من جوهرها الإنساني بسبب هيمنة الرأسمالية على العالم، وما خلقته من تفاوت عميق في مستوى المعيشة وفي الحصول على الخدمات ومستلزمات الرفاهية، بين الأقلية في الدول الرأسمالية وبين أكثرية سكانها، وكذلك بينها وبين الأغلبية الساحقة من سكان الدول النامية. 

ما هي الرأسمالية

ورداً على سؤال الحفيدة، عن تعريف الرأسمالية، يجيب زيجلر في الفصل الثاني، من أنها نظام اقتصادي اجتماعي لا يعود فيه الرأسمال، الذي هو كمية من المال، إلى من ينتجوه بقوة العمل، بل يستحوذ عليه الرأسمالي، الذي هو مفاعل اجتماعي يغتني على حساب العمال، مما يخلق صراعاً بين الطبقات الاجتماعية. ويذكر الجد بأن أبرز من كشف حقيقة هذا النظام، بعد عشرين سنة من دراسته والبحث في تفاصيله، كان الفيلسوف والاقتصادي والمنظر الثوري والمناضل كارل ماركس، الذي سجّل استنتاجه العلمي في كتابه الشهير (رأس المال).

وحين يلتبس مفهوم الصراع الطبقي على الحفيدة، يشرح لها الجد ببساطة وحنو بأن الأغنياء كانوا يملكون منذ الآف السنين فائضاً من البضائع كالأراضي والأدوات ومصادر المياه ووسائل النقل والطعام والذهب والملابس وغيرها. كما كانوا ـ فيما سمّي بعصر العبودية ـ يمتلكون حتى البشر، فيبيعونهم ويشترونهم كالبضائع. وفي نهاية الإمبراطورية الرومانية، بدأ نظام جديد بالتبلور تدريجياً، فانقسم المجتمع إلى طبقة مسيطرة مؤلفة من الملوك والأمراء والنبلاء ومالكي الارض، وطبقة مسيطر عليها من الفلاحين، المرتبطين بالأرض دون أن يملكوا شيئاَ منها. وسمّي هذا النظام بالنظام الإقطاعي، الذي كان نظاماً سياسياً هرمياً، يقدم فيه الإقطاعي الحماية والمعيشة للقن، الذي عليه أن يكون مخلصاً في خدمة سيده، مهما كانت الظروف أو متطلبات ذلك السيد.

وفي سياق التطور، عجز الإقطاعيون عن شراء أقنان أكثر لزيادة المحصول، فعمدوا إلى تحسين أدوات العمل ومصادر الطاقة (كطواحين الهواء والفحم) وطرق التعامل مع المواد الأولية، كما ساهموا في تطوير الأعمال اليدوية كالنسيج والصناعات الجلدية وإستخراج المعادن. وفي القرن السادس عشر، راحت تنشأ في المدن، طرق جديدة للإنتاج، سرعان ما تطورت بشكل هائل في القرن الثامن عشر جراء سلسلة من الثورات التكنولوجية، التي مكننت العمل، وخلقت ثروات كبيرة لصالح طبقة جديدة، سميت بالبرجوازية، التي دخلت في صراع مع الإقطاع، أثمر عن تفسخ النظام الإقطاعي، لاسيما حين صار امتلاك الألة أهم بكثير من إمتلاك الأرض. وعمدت الطبقة الناشئة إلى النضال لتحقيق مصالحها وادارة الأعمال والإسواق والهيمنة على السلطة لضمان حماية تلك المصالح، فدخلت في صراعات مع قمة الهرم في النظام الإقطاعي، فأسقطت الملكيات وقامت جمهوريات، تقودها البرجوازية، كالثورة الفرنسية مثلاً، وافتتح عصر الرأسمالية، الذي يقوم فيه مالك وسيلة الإنتاج (رأس المال، المكائن، الورش، المواد الأولية…الخ)، بتوفير ما يحتاجه الشغيل كي يستمر حياً وقادراً على العمل، عبر شراء قوة عمله، التي تمنح المنتوج قيمته التسويقية. ثم يبيع الرأسمالي البضاعة ويستحوذ على قيمتها كاملة، اي يستعيد المصاريف التي دفعها (اجور العمال وقيمة المواد الأولية والإدارة وغيرها) ويستولي على القيمة التي خلقها عمل العامل، هذه التي تسمى فائض القيمة (1)، وتعادل الفرق بين مجموع التكاليف وبين سعر بيع البضاعة. وجراء إستيلائه على فائض القيمة وحرمان العامل (منتجها الحقيقي) منها، يستمر تراكم رؤوس الأموال لدى الرأسمالي ويتواصل استغلال العمال وسرقة قوة عملهم، ويبقي الصراع الطبقي الذي سببته الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، متواصلاً.

العبودية المعاصرة

وينبه الجد حفيدته إلى ان الأقلية المستبدة بالسلطة والمال في الرأسمالية (الأوليغارشية)، قد تمكنت من أن تمد سلطتها على كافة انحاء العالم، وأن تُراكم الأموال بلا حدود مقابل بؤس المليارات من بني البشر، مستشهداً بماركس الذي وصف هذا التراكم بعبودية معاصرة حين كتب يقول (ولد الرأسمال وهو ينضح دماً وقذارة، وما ينقصنا اليوم يافطة تحمل جملة واحدة، العبودية في العالم الجديد)، لأن تاريخ العصر الحديث للرأسمال، هو تاريخ تحويل ما نُهب من الشعوب غير الأوربية وما وفرته تجارة العبيد وغنائم السطو المسلح والقتل، إلى رأس مال.

وكمثال على ذلك، يرينا تاريخ جمايكا، كيف حصلت بريطانيا على 1.5 مليون باوند ذهبي من عمل 200 الف عبد في 775 حقل لزراعة السكر، خلال عامي 1773 و 1774 وكيف إستُخدمت هذه الأموال في بناء مصانع ضخمة للنسيج والحديد والصلب، وأستُقطب فيها ملايين الفلاحين من الريف منهيةً عهد الإقطاع. ولم يك هذا التراكم، الذي ولدت منه الرأسمالية مقتصراً على سرقة وإستعباد الأفارقة، بل وايضاً ابناء آسيا وأمريكا اللاتينية والهنود الحمر، الذين مات منهم 4 ملايين فرد، وهم يستخرجون 4000 طن من الفضة من جبل الكيرو ريكو في بوليفيا لصالح الإسبان.

سقوط الباستيل، عهد جديد

في الفصل الثالث يسرد زيجلر لحفيدته تاريخ الثورة الفرنسية التي اندلعت في 14 تموز عام 1789 واسقطت السلطة المطلقة للملكية وحطمت الإقطاع نهائياً وحررت الاقنان ومنحت البشرية أملاً في حياة حرة كريمة، لاسيما في إعلانها الشهير عن حقوق الإنسان وحق المواطنة، مبيناً كيف ولج الثوار مساراً خاطئاً حين قدّسوا الملكية الخاصة وفسحوا في المجال لنمو وتغول الإستغلال الرأسمالي، وهو ما سبب كل هذه المعاناة للبشرية، وكيف تمت تصفية من عارض ذلك من الثوار وأدرك خطر الملكية الخاصة على الرفاهية العامة، ومنهم بابيوف، صاحب الخطاب الشهير الذي دعا فيه إلى الملكية الجماعية قائلاً (لتبدأ حرب المساواة في الملكية، ليسقط الشعب البربرية القديمة، لتنتهي حرب الاغنياء ضد الفقراء)، قبل أن يعذبه الرأسماليون ويقطعوا رأسه في 27 ايار 1797.

الأوليغارشية

وحول مصادر القوة التي تتمتع بها الأوليغارشية الرأسمالية، يخصص زيجلر الفصل الرابع للحديث عن الإحتكار، باعتباره الحصول على رأس المال المتاح في الاقتصاد بازاحة المنافسة، اي بمعنى الاستحواذ على الكفاءة في انتاج سلعة ما وتحديد اسعارها، مبيناً كيف تم تدويل ذلك ليشمل العالم بأسره وليس فقط الاقتصاد الوطني لوحده، لاسيما بعد إنهيار الإتحاد السوفيتي وانتهاء القطبية الثنائية من جهة وسلسلة الثورات التكنولوجية في مجالات الفضاء والاتصالات والطاقة من جهة مكملة. واشار إلى أن تدويل الاحتكار المهيمن، أو ما يصطلح عليه اليوم بالعولمة الرأسمالية، صار يسيراً جداً مع تطور وسائل الإتصال، حيث يُوحّد العالم بالفضاء السبراني وتدار شركات ضخمة (2) منتشرة في أصقاع الأرض، بسرعة الضوء.

وهنا كان لا بد لزيجلر ان يشرح لحفيدته اشكال الرأسمال الصناعي والتجاري والعقاري وغيره، وان يفصّل في شرح رأس المال المالي، الذي يمثل الاحتياطات السائلة للشركات العابرة للقارات، والتي تحصل عليها من البورصة، تلك المؤسسة الإقتصادية الرأسمالية، التي تُعرض فيها للتبادل البضائع والعملات الصعبة والأوراق المالية، وتجري فيها حرب تجارية تثبت بها أسعار أسهم هذه الشركات بأعلى مستوى ممكن.

وصار هذا الرأسمال مستقلاً ودكتاتوراً على الاقتصاد العالمي، لانه بات يهيمن، كمصدر لتمويل كل المشاريع، على جزء مهم من اسهمها، مما أفقد حتى إدارات الدول الرأسمالية لإستقلاليتها، وجعلها خاضعة لتحكم قلة من البشر، أصحاب رأس المال المالي، المختلفين في قومياتهم وثقافاتهم وأديانهم، والمتشابهين في جشعهم وفي احتقارهم للضعفاء وتمجيدهم للبطش ولا أباليتهم تجاه مصائر البشر والبيئة (3).

العولمة

ويعرب زيجلر عن إعتقاده بأن العولمة خلقت مصاعب كبيرة أمام نضال نقابات العمال والاحزاب اليسارية ضد الأوليغارشية، حيث لم يعد سهلاً على المستغَلين التعرف مباشرة، على مستغليهم، لأن هؤلاء يعملون في الخفاء بعيداً عن شركاتهم ومصارفهم ومعاملهم التي يديرها موظفوهم، فيما تتولى الحكومات وبعض المنظمات الدولية مهمة الدفاع عنهم وإعاقة أي محاسبة لهم على جرائمهم. لقد حاولت بعثة الامم المتحدة التي قادها زيجلر بنفسه، حل مشكلة المجاعة والمرض في غواتيمالا، والتي تسببت في موت 112 الف طفل في عام 2015، عبر تنفيذ برامج اصلاح راعي ورعاية اجتماعية، لكن سفير الولايات المتحدة لدى المنظمة الدولية، وهو ملياردير صناعة ادوية، أحبط تلك المحاولات، متهماً أصحابها بالشيوعية.

وفي الفصل الخامس يوضح زيجلر لحفيدته علاقة العولمة الرأسمالية بالمجتمع الإستهلاكي. فبسبب تفوق كمية المنتجات على ما يتم إستهلاكه منها، وربط المدن الكبيرة والمراكز الصناعية والدول الوطنية ببعضها عبر شبكات اقتصادية ومالية، كان لا بد من تحويل البشر إلى زبائن يشترون البضائع، ثم يرمونها ويستبدلونها بأخرى جديدة، حتى وان لم يكونوا بحاجة لها وحتى لو كانت البضائع التي لديهم كافية لتلبية متطلباتهم. وجعلت الأوليغارشية، عبر سيطرتها على الإعلام وشركات الدعاية ووسائل التواصل الاجتماعي والإنترنيت، عمر البضائع قصيراً من خلال تجديد مستمر لرغبات الناس ببضائع جديدة، بحيث أصبح عيباً مثلاً، أن يستخدم الشاب ملابس من موضة العام الماضي او تلفوناً نقالاً مرت أكثر من سنة على انتاجه. وأدى ذلك إلى تعاظم استهلاك المواد الأولية والطاقة وإنتشار النفايات بسرعة فائقة، كما أدى إلى اشتداد التفاوت في الحصول على فائض الإنتاج، ففي الوقت الذي ينتج فيه عامل ملابس بنغلاديشي مثلاً، 54 يورو في ساعة عمل واحدة، يحصل على 0.5 يورو فقط منها فيما تستولي الشركات متعددة الجنسية على الباقي.

عطف اللصوص

ولكن، الا تساعد الدول الغنية عادة الدول الفقيرة، تتساءل الحفيدة. يجيب زيجلر ساخراً، بل العكس فالدول الفقيرة هي التي تمّول الدول الغنية، لأن جريان الرأسمال من الجنوب إلى الشمال أكثر من جريانه من الشمال إلى الجنوب. لقد بلغت ديون الدول الفقيرة في عام 2016 مبلغاً فلكياً تجاوز 1500 مليار دولار، مما أجبر هذه الدول على دفع كل منتوجها الزراعي إلى البنوك الأوربية والأمريكية لسداد ديونها تاركةً شعوبها في مجاعة ومزارعها في تخلف دائم.

إن هذه الديون الخارجية هي ضمان لبقاء السلطة المطلقة لأوليغارشية رأس المال العالمي. فبعد إنتهاء المرحلة الإستعمارية، قام البنك الدولي والمنظمات المالية المشابهة له بتقديم قروض سخية للدول المستقلة حديثاً من أجل تطوير الصناعة والبنى التحتية فيها. وقد سيطرت الطغم الدكتاتورية الحاكمة في هذه الدول على هذه القروض، فسرقت جزءاً منها (4)، وانفقت الجزء الآخر في شراء الاسلحة من مجمعات الصناعات العسكرية الغربية، وذلك لقمع شعوبها او المشاركة في الحروب، التي رتبت اندلاعها القوى العالمية. ومع مرور الوقت تراكمت الديون وتضخمت بسبب الفوائد الكبيرة عليها، مما سمح للدائنين بوضع أيديهم على موارد هذه الدول ومصانعها ومناجمها، والتدخل في شؤونها وإدارة سياساتها وبرامجها الاقتصادية، إلى الحد الذي لم يبق معه اي معنى حقيقي للإستقلال.

صناديق النسور

ويشرح زيلجر لحفيدته كيف تُجبر الدول الفقيرة على دفع فوائد ضخمة على ديونها، فحين تفشل في تسديد هذه القروض، يبيعها الدائنون إلى بنوك كبيرة لاستحصالها، مع هامش ربح كبير لهذه البنوك. وبهذا يحقق رأس المال المالي الربح مرتين، بشكل مباشر لحكومات الدول الرأسمالية وبشكل غير مباشر للبنوك الكبيرة. ويضرب عالم الاجتماع زيجلر مثالاً على ذلك حين باعت رومانيا قرضاً لها على زامبيا، بمبلغ 30 مليون دولار، إلى شركة الدونيجال (وهي من صناديق النسور)، فقامت الأخيرة بمطاردة صادرات زامبيا وأجبرتها على دفع 45.5 مليون دولار للخلاص من القرض الروماني. ومن اجل تسديد قرض لاحد صناديق النسور، صادرت محكمة انكليزية 4000 طن من الذرة في ملاوي، كانت مخصصة لتغذية الفقراء، مما اوقع 4 ملايين مواطن في مجاعة بشعة. لقد بلغت ارباح صناديق النسور هذه 1600 في المائة.

ما العمل؟

ولكن، لماذا لا يعترض احد على جرائم الرأسماليين؟ تستفسر الحفيدة الحزينة من جدها، الذي يجيب، بأن هناك قطاعات واسعة من الناس لايعرفون بدقة حجم ما يٌرتكب من جرائم، وحتى لو عرفوا بعضها فإن اغلبهم لا يعّون حقيقة الامر ومن هو المسؤول عن تلك المآسي. ويعود السبب في ذلك إلى ان هناك حفنة من المليارديرات تسيطر على الاعلام (5)، وإلى الديماغوجية والكذب واستغلال المقدسات والغرائز ونشر الوهم لتغييب وعي الناس، اضافة إلى التعتيم الشديد على الحقائق (6).

إن الليبرالية الجديدة، التي تدعي بان المجتمعات تخضع لقوانين طبيعية وتتحكم فيها “اليد الخفية للسوق” وان حرية التجارة وعمل رأس المال اساس تطور الإنتاج، تمارس كذبا بشعاً، فمباراة ملاكمة بين بطل العالم للوزن الثقيل وعامل مريض وعاطل، لن تكون عادلة مهما كانت شروطها دقيقة وتحكيمها نزيهاً، كما لا يعقل ان يستطيع معمل محلي لصناعة الشوكولاته في دولة ساحل العاج مثلاً، ان ينافس شركة نسلة السويسرية، إذا ما اقامت لها معملاً إلى جانبه على ارض وطنه، وان لا يضطر لبيع معمله لها تجنباً لخراب صناعته؟! إن حديث الليبراليين الجدد عن المساواة بين المستثمرين وادعائهم بان مواجهة قوانين السوق امر مستحيل، يشبه الايدز، الذي يفقد ضحاياه مناعتهم.

ويؤكد زيجلر على ان فشل محاولة إستبدال الرأسمالية بالشيوعية في القرن العشرين، لا يعني الهزيمة، فقد أثمرت المحاولة عن تشجيع البشرية على التحرر، وبقيت جذوة الكفاح متقدة رغم كل شيء، وهذا ما نراه في النضال من اجل العدالة والحرية وحقوق النساء وحماية البيئة، وفي اليقين بعدم إمكانية اصلاح النظام الرأسمالي، الا بتحطيمه.

ويمكن ان نختتم عرضنا لكتاب جان زيجلر الممتع ، بما اورده من أبيات للشاعر العظيم ناظم حكمت:

لكي يمكنه نهبنا بسهولة وبلا اكتراث

لا يضع السلاسل في أقدامنا

بل في أعماق عقولنا

ــــــــــــــــــــــــ

(1) يعود الفضل في إكتشاف فائض القيمة لكارل ماركس.

(2) صار بعض من هذه الشركات اكبر من دول مهمة في العالم، فميزانية شركة اكسون موبايل للنفط اكبر من اجمالي الناتج الوطني للنمسا ورأسمال شركة جنرال الكترك يفوق الدخل الإجمالي للدنمارك.

(3) تم تدمير 98 في المائة من الغابات الإستوائية، و82 في المائة من الغابات الافريقية و70 في المائة من غابات اسيا، و80 في المائة من غابات امريكا اللاتينية، فيما اختفى مليون كم مربع من غابات الامازون. وهناك تقدبر بدخول 5 لتر من المبيدات إلى جسم كل مستهلك اوربي في العام، وان الخلل في النظام البيئي يقف وراء 62 في المائة من امراض السرطان في الدول الصناعية.

(4) بلغت ثروة الجنرال موبوتو، الذي نصبه الإستعمار البلجيكي دكتاتوراً على الكونغو، 4 مليارات دولار فيما بلغت ديون دولته، 13 ملياراً.

(5) يمتلك خمسة مليارديرات أكثر من 80 في المائة من الصحافة في فرنسا.

(6) حين كان الاعلام ضاجاً بالاخبار الخاصة بمقتل 2973 انسانا في جريمة 11 سبتمبر، مات في نفس اليوم 17000 طفل دون العاشرة، في الدول الفقيرة، دون أن ينبس احد ببنت شفة حولهم.  

عرض مقالات: