يشير تاريخ الحزب الشيوعي العراقي، إلى أن عمر صحافته السرية أكبر من سنوات صحافته العلنية، وهذا التاريخ الفاصل بين العمرين، وفي أزمنة مختلفة، طوال العهد الملكي، وبعد انقلاب 1963 وصولا إلى فترة دكتاتورية صدام من 1979 إلى 2003، ترتبت عليه أمور كثيرة، أهمها هو تميز الصحافة السرية في الخطاب المحرض ضد السلطات، وفي إدانة اعتقالاتها وقمعها، وتجاوزاتها على حقوق الشعب وخصوصا الفقراء منهم، ولهذا عدت منشورا سريا تغلغل في أوساط الناس، وصعب على أجهزة القمع ضبطه، وحتى في حالات وقوع مطابع الحزب السرية في أيادي الأمن نتيجة الاعتقالات والمداهمات، سرعان ما يعيد الحزب نشاطه. والحزب كما يقول الرفيق الخالد فهد بما معناه، ليس عاشقا إلى السراديب والأماكن المظلمة، إلا أن قمع الحريات العامة والشخصية، هو وراء هذا العمل السري.
وتميزت الصحافة السرية، رغم قلة مواضيعها، وخلوها من الدراسات الرصينة، بالشعبية، ويجري تلقفها من يد إلى أخرى، كونها تمتلك قلب الشارع ونبضه، وعدت السلطات صحافة الحزب السرية، أكثر خطرا عليها لكونها تملك سلاح التحريض، وتدعو إلى وعي الناس بمصالحها، فحين تسيطر الأفكار تكتسب قوة مادية يصعب زحزحتها، مما يشكل تهديدا إلى (دار السيد)، وتقض مضجعه.
كما تميزت صحافة الحزب السرية، بانسجامها مع مبادئ الحزب وسياسته وقرارات مؤتمراته الوطنية، رغم ظهور بعض الصحف تدعي الشيوعية والتي ساءت إلى دوره ومواقفه، ومنها (المنبر) وغيرها من الصحف التي ظهرت في فترات مختلفة.
أما صحافة الحزب العلنية، ومنها (اتحاد الشعب) و(طريق الشعب) فهما، ارتبطتا بأحداث مهمة الأولى ثورة 14 تموز عام 1958، والثانية التحالف مع حزب البعث عام 1973، ثم التغيير بعد عام 2003. وهذه الأحداث ترتب عليها، مراعاة الحريات المتاحة، وتوازن القوى.
ومعروف أن طريق الشعب أيام السبعينيات، تلقت العديد من الإنذارات من وزارة الإعلام، لإنها خالفت شروط النشر التي تريدها السلطات، بل وصلت إلى حد تهديد صحفيين بأسمائهم وإثارة مواضيع قديمة ضدهم ومنهم الشهيد شمران الياسري (أبو كاطع).
وما يميز الصحافة العلنية، أنها أتاحت لفئات واسعة، الاطلاع على سياسة وتاريخ الحزب عن قرب، وكانت مواضيعها وطبيعة موادها مثار حسد، حتى من السلطات نفسها، فكان صدام حسين مستغربا من مستوى طريق الشعب الرفيع، قياسا إلى جريدة (الثورة) التي تغدق عليها السلطات الأموال.
كما أن صحافة الحزب العلنية، مدرسة لتخريج الصحفيين المعروفين، ولعبت الدورات الصحفية دورها في إعداد الكوادر وفي رفدها بدماء جديدة من خلال المحررين المتفرغين أو المكاتب الصحفية في المحافظات.
وكان هم أعداء الحزب، هو تصفية كوادره الصحفية، خلال العهد الملكي، ومجازر عام 1963 وبعد عام 1979، وفي الاغتيالات بعد عام 2003. وقائمة شهداء الحزب طويلة.
إننا، في يوم عيد الصحافة الشيوعية في العراق، علينا أن نؤكد أهمية استعادة مكانتها، وزيادة شعبيتها، وتوزيعها، وذلك من خلال سياسة طبقية واضحة اتجاه ما يحدث، لملامسة هم الفئات الكادحة والمسحوقة، وتحسين أداء العمل الصحفي من خلال (مطبخ صحفي) محترف، مع أيجاد وتحسين منافذ التوزيع، وإرسال الجريدة عبر الوسائل المتاحة، وذلك من خلال المبدأ الصحيح، أن تكون الصحيفة محرضا جماعيا، ومنظما جماعيا، وداعية جماعية.
والمسألة الأخرى، أهمية الرأي والرأي الآخر، ونشر الآراء المختلفة، وقد اشار لينين إلى محافظة الصحيفة (على استقلالية ووحدة مواقفها وبين أن تسمح على صفحاتها بالمساجلات بين الرفاق. وبعد سطور قليلة كتب (.. أننا لا ننكر وجود الاختلافات، ولن نحاول إخفاءها أو طمسها بل على العكس من ذلك نريد لمطبوعاتنا، أن تصبح منبرًا لمناقشة كل القضايا من قبل جميع الاشتراكيين الروس على اختلاف وألوان آرائهم. أننا لا نرفض المساجلات بين الرفاق، بل نحن على العكس من ذلك، مستعدون لأن نخصص لهم مجالاً واسعًا على أعمدة صحفنا..)