اخر الاخبار

ماكنت أحسب يا أختاه، ليلى يا آخر العنقود، أن أمشي بجنازتك، أحملك، و جديلتك المضفورة تدثر كتفي، كظلال تحميني من حر القيظ، وتشب بصدري الآهات،

أنا الذي حملتك ساعة ولادتك إلى مهدك الأول، ليس سوى صوت الأم، تدفع المهد بهدوء، تراقب دفء القماط، تخاف على مولودها من الرعد والريح التي تفترس الضلوع، أمهاتنا يلدن دونما ضجة، ودونما صخب، يحملن أوجاعهن لوحدهن، ويودعن أسرارهن بصمت، يشتهين لحظة الوحام أن تمطر السماء لتغيث مافي البطون، يوم كانت حبّات العنقود تلتمّ خشية الإنفراط حول (صوبة وحيدة ماركة علاء الدين) تتوسط الغرفة، يالقسوة برد كانون الثاني من عام 63، كان الجو غائماً وزمهريراً يطحن العظام، وراعي العنقود في سجن الكوت، في عهد الجمهورية الأولى، إعتاد أن يختار  أجمل الأسماء لأبنائه، ويسجل أدق تفاصيل الولادات في مفكرة جيب لا تفارقه. فيها وقائع عن مواسم وظواهر كونية (موعد حصاد الحنطة، زراعة البرسيم، ظهور نجمة سهيل، وطلوع الثريا).

ترى من يختار إسم القادم الجديد هذه المرة؟ ساعتها كانت أغنية (الليل لما خِلي) لمحمد عبد الوهاب تنساب ناعمة هادئة، تبعث على الحنين، وتوقظ الأشواق في الحنايا، والليل حالك الظلام، وياهولها الأيام تلك، كانت تنذر بقادم آخر، من عصر الظلمات، له أضراس ذئب يريد أن ينهش في الوجوه، ويفترس الرؤوس، الموت على الأبواب، والشراك منصوبة لا تنحني للريح، تصطاد ما تشاء.

كنتِ نرجسة (ياليلى) بطفولتك، هكذا إتفقنا، كأنك رحيق غصن تفاح، إن صرختِ أو تضورتِ من عطشٍ وجوع، أستجير بأغنية(صباح الخير يالوله)، أدعها تنهمر عليك مثل غيث، لأبعد عنك الضجر، الأغنية (يالوله) تغسل وجهك في الصباح، يشرق بها بإبتسامة، تتوحدين بفرح مع صوت (ملك)، وتنتشين، وتضحكين كأنك طير ماء، كبرتِ، ونما غصنكِ الطري كريحانةٍ تحت سقف البيت الذي إمتلأ ببهاء عينيك.

عشر سنوات يا بنت أمي، وأنت تتلاوين مع قاهر شرس، اسمة الداء الخبيث، تزرعين الصبر برباطة جأشك وصمتك الأسطوري، كنت في الجولة الأخيرة قد أعلنت التنازل،  شعرتُ لحظتها أن  الموت يزحف اليك دونما رحمة، قالت لي وهي تسحب أنفاسها  بصعوبة بالغة إنها الجولة الأخيرة (يا ضوه عيوني)، هي مسك الختام! حينها بدأت الأرض تميدُ بي، وجسدي يغلي كالهجير.

 أسمع صوت أمي من بعيد : من هم هؤلاء الجناة؟؟ يريدون أن يخطفوا حبيبتي، طائري الجميل، ما سمعت غير آآآآه بعيدة تذيب الصخر والعظام : عينكم عليها... بنيتي!!!

من أين لك كل هذه المطاولة (يا خيتي)، من أين؟؟ وانت تكابدين الألم، تقايضيه بالأدعية والصلوات، أوالهروب من قاتل يتوعدك. تمكّن منك عند خط النهاية.

حناناً أيتها الأرض، رفقاً بها، فهي وحيدة متعبة.

عرض مقالات: