اخر الاخبار

السادة أعضاء اللجنة التحضيرية لمؤتمر حزب الشعب الديمقراطي، الحزب الشيوعي العراقي المحترمون،

شكراً جزيلاً على التفاتتكم بإطلاعي على مشروع منهاج عمل حزبكم المناضل، وكان بودي أن أسجل ملاحظاتي بشكل تفصيلي على فقرات المنهاج، لكن وضعاً صحياً يمنعني من هذا الأسلوب، لذلك أستميحكم عذراً في أن يكون طرحي على شكل أفكار وليس مناقشة البنود بحسب تسلسلها:

كما كان وسيظل شعار حزبكم “وطن حر وشعب سعيد” يسحر العقول وقبلها قلوب المواطن الطامح في حياة لائقة بالإنسان منذ الثلث الثاني من القرن العشرين، كان برنامج الحزب يلقننا الكثير من الأفكار ويشدنا لحشد طاقات الشبان وبقية العراقيين من أجل التغيير والتقدم،

ويواجه العراق بعد خلع النظام الشمولي تحديات غير مسبوقة:

تضاؤل مناسيب مياه دجلة والفرات والأنهار القادمة من إيران، مما يؤدي إلى تعاظم الجفاف والتصحر، الناجمين عن التغير المناخي،

كما يواجه العراق هجمة سلع وبضائع وخدمات من دول الجوار وبقية العالم، في ظل دور مستحوذ على بعض مفاصل القرار، مما أدى إلى تعطيل تنمية الصناعة والزراعة المحليتين، وتحول واسع للعديد من المستثمرين من مجال الإنتاج إلى وكلاء للجوار بالأخص، وبقية العالم،

كما يعيش العراقيون أزمة سكن خانقة، حيث الأسر محدودة الموارد، تعيش في مساكن مكتظة، تتخطى كل معايير الحياة الطبيعية، بكل ما يعنيه هذا من مشاكل خطيرة على مستقبل الأسرة والحالة النفسية لتعايش المواطنين، وليس الانزلاق في مستنقع الجريمة،

وتواجه الأجيال الفتية والشابة مشكلة تدني مستوى التعليم والتعليم العالي، في ظل غياب تخطيط حقيقي يرتب بما يخدم خطط تنموية واختصاصات يحتاجها العراق، وليس مجرد تحصيل شهادات عليا من التعليم العالي الخاص والتحول إلى العمل في خارج البلاد، أو التحول إلى أجراء يوميين في اعمال غير فنية، بكل ما يعنيه هذا من استشراء اليأس وتغذية حواضن الإرهاب أو النشاطات الإجرامية والفوضوية،

وهناك حقيقة كبرى هي تهرؤ البنى التحتية والحاجة الملحة إلى تحري سبل توظيف الاستثمارات الأجنبية لمعالجة هذه الكارثة المتفاقمة، بدءاً من المدارس والمستشفيات والشوارع وحتى الأحياء السكنية،

كما يعيش العراقيون معدلات تلوث تفوق العديد من الدول الصناعية، ليس بسبب حرق غاز النفط فقط، إنما بسبب انعدام المسؤولية إزاء تلويث الأنهار والجو والمدن، سواء من المؤسسات العامة والخاصة والمواطن ايضاً،

هذا كله في ظل حقيقة اتجاه العالم للتخلي عن النفط مورداً رئيساً للطاقة، مما يعني أنقطاع المورد الرئيس للإنفاق الوطني،

لذلك فأنني أجد من الضروري تضمن المنهاج طروحات علمية، لا تعوز ملاكات حزبكم وخبراتها العلمية والعملية من أجل استعادة الفرصة المضيعة بسبب الفساد وعدم الكفاءة بعد 2003، من خلال تحقيق:

  1. ضرورة تكريس فقرات في منهاجكم تعالج بشكل واضح ومحدد سبل الحد من تأثير تراجع تدفق المياه من الجوار، بجانب السبل القانونية والعلاقات الثنائية للحد من الأثر الخطير على مستقبل الحياة في العراق، مع تفاقم تضاؤل المياه الواصلة للبلاد، حد أن بساتين النخيل في البصرة ومقترباتها باتت تموت، والأهوار التي يجري الحديث عن أحيائها هي بحكم الجفاف لاحقاً، بجانب ما يؤديه التغير المناخي من تصحير ارجاء واسعة من الأرض وبمعدلات مذهلة،
  2. إن الفقرة 19 تحدثت عن العولمة، لكنها جاءت بصياغات عمومية، ولم تشر إلى ظاهرة أتساع دور وكلاء الرأسمال الأجنبي الواضح في خنق الصناعة الوطنية، وعرقلة أية مشاريع إنتاجية في المجالات المتنوعة...من ناحية أخرى من الضروري الإشادة بالرأسماليين الوطنيين ممن يواصلون بشق الأنفس محاولة إحياء الصناعة الوطنية وإقامة مشاريع إنتاجية صناعية وزراعية، بما يكفل توفير فرص عمل، بجانب عدم استنزاف عوائدنا النفطية في الاستيراد، بل في منهج الحد من الاعتماد على الريع النفطي وحده،
  3. بالنسبة لمشكلة السكن، تاريخيا كان لكم رأي بشأن سبل حل مشكلة السكن من خلال البناء العمودي، وهنا لا بد أن يكون لكم رأياً بشأن لجوء أصحاب القرار إلى توزيع الأراضي على شرائح تعاني من شظف العيش، مما يعني لجوءها إلى بيعها لمكتنزي المال لسد رمقهم، وبقاء مشكلة السكن قائمة، ما لم يتم التعاقد مع أطراف دولية مقتدرة لتحقيق معالجة سريعة لمشكلة السكن وباقي البنى التحتية المتهرئة، لبناء مجمعات سكنية بأسعار مدعومة معقولة، وليس مثل أسعار المشاريع الحالية، بما يؤدي على مشاركة المواطن بإقباله عليها.

إن منهاج عمل حزبكم يؤكد السعي لاستكمال مرحلة بناء الدولة المدنية الديمقراطية الاتحادية بالتعاون مع جميع الأطراف ذات المصلحة، واعتقد هنا من الضروري تحديد القوى التي أمن غرامتشي (الكتلة التاريخية) بقدرتها على البناء التقدمي وإفشال مشاريع قوى التخلف والفساد كذلك دعاة استعادة الشمولية.

كنت وما زلت مؤمناً بأن حزبكم قادر على أداء دور متميز، ليس فقط بحكم تاريخه النضالي العريق، وتضحياته الجليلة، بل لما يمتلكه من خبرات رفيعة ومهارات متميزة ونزاهة وإيثار نادرين، أتمنى لكم كل التوفيق، وعسى يتوصل المؤتمر إلى أن المطرقة والمنجل لم تعوداً شعاراً للكادحين، فما عاد أحد يعمل بالمطرقة، ولا الفلاح بالمنجل، فالتكنولوجيا الآن هي التي يعمل بها العمال والفلاحون، كما لم يعد القلم أداة المثقفين، في ظل التسهيلات الكبيرة التي تقدمها الحواسيب للعمل الفكري ومراجعه. لذلك فأن الحمامة رمز للسلم الأهلي والسلم العالمي في الوقت نفسه.

إن الماركسيين في المغرب توصلوا إلى ضرورة استنباط اسم الحزب من طبيعة المرحلة الطويلة إمامهم، لذلك أصبحوا “حزب التقدم والاشتراكية”، وكثير من الأحزاب عادت إلى أسم “الحزب الاشتراكي الديمقراطي” أو “حزب الشعب الديمقراطي”، عسى يتوصل مؤتمركم إلى أن أسم الحزب ينبغي أن يكون معبراً عن بيئة محلية وليس استنباط توصيات الأممية الثالثة وما تلاها.

بالأخير هناك بعض ملاحظات الصياغة:

- الفقرة 4 تقول “استيحاء كل ما هو تقدمي من تراث مكونات شعبنا” وهذا صحيح تماماً لكن “الرصيد النضالي” هنا زائدة فهذه قد تصح عن الحديث عن صلابة النضال وليس العطاء الفكري.

- الفقرة 5 تقول بشأن الحكم الاتحادي توطيدها، والصحيح “توطيده”.

- في بناء الدولة الفقرة 22 عن المحاصصة والطائفية وردت كلمة تجلياتها، والتجلي عمل إيجابي بناء لذلك ينبغي استبدالها بكلمة سلبية وليس إيجابية مثل بكافة أشكالها.

مع خالص التقدير

المخلص: حسين فوزي

عرض مقالات: