يمر عيد المرأة هذا العام حزينا، بعد شرعنة التعديلات المجحفة على قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لعام 1959، التي مست تغييرات جوهرية فيه، ونسفته كمنجز وطني واجتماعي، حققته ثورة 14 تموز المجيدة، ليعيدنا إلى عصر الجواري والرقيق. ومن المضحك المبكي أن هذا التشريع أعده (المشرعون) انتصارا، لأنه يتوافق مع نهج الفكر الظلامي المتخلف، وكما قال الفنان الشهيد ناجي العلي: أخشى ما أخشاه أن تصبح الخيانة وجه نظر! ولو كان العلي معنا لرأى بأم عينيه كيف أصبحت خشيته واقعا معاشا.
إن العمل على تجريد المجتمع من كل منظماته الفعالة والغاء القوانين التي تصب في مصلحته هو ما تسعى اليه القوى المتسلطة، كي يسهل إخضاعه وتدجينه، وجعله يبلع بدون هضم، وبدون نقاش ولا تفكير، ثم الانقضاض عليه بسهولة إن حاول المقاومة، كما فعل النظام الدكتاتوري السابق. والخطورة تمكن في إخضاع نصف المجتمع لقوانين تكرس عبوديتها، وتجعلها ذليلة، وتدمر مستقبلها، عبر الموافقة على زواج القاصرات، وممارسة الجنس مع الأطفال، وما يسمى ب(تفخيذ) الرضيعة، وبهذا تستكمل القوى المتحكمة صورة القمع الشامل: عبودية للمرأة، فساد ونهب وفقر وبطالة، وتكميم الحريات وانعدام الخدمات، بالإضافة إلى جعل الوطن مفتوحا للتدخلات الأجنبية والتمدد بأراضيه.
وما أشبه الليلة بالبارحة، عندما كانت القبيلتان الخروف الأسود والخروف الأبيض، القادمتان من آسيا الوسطى، تتناوب على الحكم في بغداد عاصمة الدولة العباسية، وعرفتا بالاستهتار بمصير الناس وبالخليفة نفسه، أذ لم يبق له سوى سك اسمه على النقود.
واليوم، فقبائل التخلف تعمل مثلهما، عبر سن القوانين والتشريعات المعادية لتطلعات الشعب، ومنها أوضاع المرأة، التي تعد حريتها دليلا على مستوى المجتمع ورقيه. فهناك ترابط بين السياسات ومكانة المرأة، فكلما ازداد تعسف السلطات، كثرت تشريعاتها القمعية ضد الشعب والمرأة بشكل خاص لجعلها أسيرة عبوديتها.
إن اليوم الحادي والعشرين من شهر كانون الثاني 2025 (يوم إقرار القانون)، سيدخل كيوم أسود في تاريخ العراق المعاصر، وكجريمة ضد الأنسانية، لما له من آثار كارثية على نسيج مجتمعنا العراقي، وتكريسه الطائفية بأبشع صورها، وينتهك حقوق الأطفال، ويهين ملايين النساء والشعب عموما، ومن أجل إزالة هذا السخام عن روح الإنسان العراقي، علينا مقاومته بكل السبل حتى يلغى ويزول.