اخر الاخبار

ضمن إصداراته المتتابعة لهذا العام، أصدر الإتحاد العام للكتاب والأدباء في العراق، كتاب (سويج الدچة) للكاتب رحمن خضير عباس المقيم في كندا.

وسويج الدچة تصغير تحبب لـ (سوق الدكة)، وهي  ناحية قريبة من الشطرة في محافظة ذي قار .

والكتاب الذي كتب بلغة سلسلة وممتعة للقارئ، يجمع بين الحكاية والتأمل ويتلمس أحداثا ووقائع لم يعد يتذكرها غير مجايليه، وذلك عبر إعادة الحياة إلى شخصيات طواها الزمن من منظار عالم طفولة، معتبرا إياه تحديقا في بئره الواسع، حيث نرى عائلته، والجيران، وأبناء المنطقة، والشخصيات العامة، والمعلمين، وأصدقاء الطفولة وغيرهم.

والكاتب في مؤلفه كأنما لا يعيد تشكيل هذا المكان العزيز عليه فقط، بل يبني نصبا له ولكائناته، ولكن ليس نصبا ثابتا نزوره ونمضي، بل متحرك وله لسانه الذي يتحدث به لنا، نتفاعل معه، نختلف، نغوص معه، ويخلق لنا تمنيا أن يكون لنا مكان بينهم. ومن هنا تكمن أهمية الكتاب وأهمية انتزاع مكان من بئر الذاكرة والنسيان إلى الوقائع وإلى البوح بكامل ما يكنه إلى الاخرين. وهو لا يكشف أسرارا عصية كالطلسم، بل يمنحنا كما يقول الكاتب رسما بانوراميا شاملا ( من خلال شرفة العمر الذي ناهز السبعين، ومن خلال عدسة الماضي التي تحاول استرجاع الصور المتشظية، ومحاولة رتقها وتعديلها لتصبح أكثر وضوحا).

وسويج الدچة، في واحد وعشرين فصلا، هو رحلة تمتد منذ خمسينات القرن الماضي حيث العهد الملكي وصولا إلى انقلاب البعثيين في عام 1968

  وبهذا لا نقول إنه يؤرخ زمنا عراقيا، فهو غير معني بالسرد التاريخي سواء لأحداث المدينة أو لتاريخ العراق عامة، ولكن يكشف لنا أثر هذه الأحداث والمتغيرات على الناس، أي هؤلاء البسطاء الذين لا يتذكر أحدهم، وكيف كانت ردود فعلهم، وحياتهم والمفارقات التي يقعون فيها، وتأملاتهم، وأحلامهم.

 والكاتب ربما يدعونا ليس للاطلاع فحسب بل هو التأمل بما وقع، وهل يمكن إعادة الأحداث كمسودة ونتجنب الأخطاء في حالة حدوثها ثانية؟ وكيف لنا أن نتكشف الكنز في هذا المتحف الذي أعاد لنا ترميمه كما يقول المؤلف من ذاكرة متشظية؟

وأعتقد وأقول جازما، إن (سويج الدچة) هو سيناريو فيلم أو عمل درامي متكامل، يمكن ان يجسد إلى عمل فني مهم عن حياة الفلاحين، والمناضلين، وأثر الخلافات السياسية عليهم وعلى أبناء المدينة، وكيف كان الطفل (رحمن) يرى ما حوله وتغوص في ذاكرته الأحداث ولا يجد لها تفسيرا في وقتها.

وهذا الإبداع يشكل أيضا، دعوة إلى جميع الكتاب بالكشف عن عوالم مدننا وقصباتنا المتنوع. وأخيرا أن (سويج الدچة) بطاقة مفتوحة ومجانية إلى التنزه في عبق التاريخ، والعيش في ماض، يعد رغم مساوئه أفضل من حاضرنا اليوم، وخاصة في محافظته المنكوبة ذي قار.

عرض مقالات: