اخر الاخبار

صدر عن جمعية الامل العراقية  للباحثة في مجالات السلام والجندر ومديرة مركز النساء والسلام في كلية لندن للاقتصاد (صنم نراقي  اندرليني) كتاب بعنوان (صانعات السلام)  ما اهمية ما يفعلن ؟  ترجمة غسان مكارم وجاء في 292 صفحة من القطع المتوسط وراجعه لغويا حسن الخاقاني.

يتناول الكتاب النساء اللواتي يعملن من اجل السلام ويقدمن نظرة جديدة والتزاما بقضايا منع نشوب النزاعات وصنع السلام واعادة الاعمار. فحضور النساء في عمليات صنع القرار المؤثرة على عالمهن وبلدانهن ومجتمعاتهن واسرهن، لا يلغي حقوقهن غير القابلة للتصرف او يخفف منها. وبغض النظر عن ايجابية او سلبية تأثيرهن، فان للمرأة الحق في المشاركة مثل الرجل وهذا امر بديهي. الكتاب يسعى الى سد الهوة بين عمل النساء وجهود اللاعبين الدوليين، فالسؤال الرئيس المطروح ليس ما يمكن او ينبغي ان تفعله عمليات السلام بالنسبة للمرأة، ولكن ما الذي يمكن ان تفعله النساء في عمليات السلام لفائدة المجتمع ككل. يتعلق الامر بدراسة عمل المرأة ضمن الاطار الفعلي للمجتمع الدولي ومجموعة اولوياته المحددة واظهار كيف ولماذا تحدث فرقا ايجابيا وما هي القيود والتحديات التي لا تزال تواجهها ؟.

ان نشاط المرأة المعاصر من اجل السلام هو في الواقع ظاهرة جديدة يرتبط ارتباطا وثيقا بالطبيعة المتغيرة للحرب وطمس الخطوط الفاصلة بين ميدان المعركة والمجتمع، والضحية والجاني، والعدو والجار. انها حركة عالمية تقوم بالاتساع وذات طبيعة محلية للغاية لها خصائصها المرتبطة بالأمم المتحدة ونظام المؤتمرات والشبكات الدولية التي ظهرت منذ اوائل التسعينيات وبما ان الحروب (خاصة الحروب الاهلية) تدمر المحرمات والاعراف الاجتماعية التي تحمي النساء، فان النساء انفسهن يأخذن الموقف ويقلن ان هذا يكفي.

ان هذا الكتاب ليس عن القلة الاستثنائية (المرأة الخارقة) بل يتعلق بالنساء العاديات، المدرسات، الاخصائيات الاجتماعيات، الطبيبات، الامهات، الممثلات، الراقصات، المحاميات، السياسيات، المقاتلات، اللواتي وجدن انفسهن في اوقات غير عادية يقمن باستعادة الحياة الطبيعية. ومع اختلاف دوافعهن وايديولوجياتهن، الا ان رؤيتهن ومطالبهن للمستقبل غالبا ما تتقارب وينظرن الى السلام على انه التحرر من العنف والحصول على سكن آمن وفرص العمل والتعليم والمساواة في نظر القانون والمجتمع والحق في الملكية وعودة الحياة الى طبيعتها.

تناولت الكاتبة  ممارسة منع نشوب النزاعات مع التركيز بشكل خاص على الوقاية المبكرة من العنف والتحول اللاعنفي للنزاع وقدمت امثلة لنشاط المرأة وتأثيره والقيود المفروضة عليه، بالاضافة الى مناقشة كيف ولماذا تؤدي المعلومات الآتية من النساء وحولها على تعزيز عمليات الانذار المبكر عن النزاع كما تسلط الضوء على المعضلات المستمرة التي يواجهها المجتمع الدولي في التصدي لتصاعد انعدام الأمن داخل حدود الدول. كما تتناول كيفية تعبئة النساء من اجل السلام اثناء الحرب ومحاولات معالجة عمليات التفاوض الرسمية وتسلط الضوء على استراتيجيات وتكتيكات النساء لاسماع اصواتهن على المستويات المحلية والوطنية والدولية، وتحاول تحليل الصفات التي تجلبها النساء الى عملية وجوهر محادثات السلام يالاعتماد على العدد القليل من الحالات التي دخلت فيها المرأة في عملية المفاوضات الرسمية. وتتساءل لماذا ؟ وما الذي يعيق ادماج المرأة في عمليات السلام الرسمية ؟ كيف تتغلب النساء على التحديات ؟ ما الفرق الذي احدثته اللواتي شاركن في مفاوضات ؟ تعالجه ببعدين من مبادرات بناء السلام النسائية : جهودهن لكسب الدعم العام والسياسي لمحادثات السلام واسهامهن في مفاوضات السلام، حيث تستكشف الصعوبات التي تواجهها النساء والتكتيكات والاستراتيجيات التي تستخدمها لاكتساب التقدير والمشاركة حيث شاركت المرأة، وتدرس اسهاماتها في جوهر وعملية المفاوضات وبذلك تسلط الضوء على اوجه القصور في هياكل مفاوضات السلام القائمة في معالجة تعقيدات الحروب الاهلية. وجوابا على السؤال لماذا تغيب النساء عن محادثات السلام الرسمية ؟ تقول المؤلفة ربما هو قلة النساء في المناصب القيادية في الاحزاب السياسية او الدولة او الجماعات غير الحكومية. حتى عندما تشغل النساء مناصب قيادية في جماعات المعارضة او الحكومة يستمر استبعادهن الى حد كبير من صنع القرار على مستوى عال. وفي كثير من الاحيان يرتبط استبعادهن من محادثات السلام ارتباطا مباشرا بتهميشهن في المناصب الحكومية الرئيسة، ومن وجهة نظر النساء اللواتي يعملن على تعبئة المجتمع المدني غالبا ما يؤدي الافتقار الى التخطيط الاستراتيجي والاحجام عن المشاركة في السياسة الرسمية الى تفاقم المشكلة. وتوجد ايضا حالات ترفض فيها ناشطات السلام عن عمد المشاركة المباشرة ويخترن الانسحاب من التفاعلات مع القطاع الرسمي ( اي الحكومات او جماعات المتمردين او غيرها ) بسبب تصرفاتها والاعتقاد بأن ارضية المحادثات غير اخلاقية. ومع ذلك فان استبعاد النساء خاصة ممثلات منظمات المجتمع المدني ينجم عن عيوب منهجية في هيكل وعملية مفاوضات السلام. ولاستبعاد النساء عن المسارات الرسمية لدى صانعي السياسات اسباب وفيرة منها ان طاولة السلام ليست مكانا لمناقشة قضايا المساواة بين الجنسين او قضايا المرأة، وتضمر هذه التعليقات فكرة ان المرأة تهتم فقط بقضايا المساواة وان قضايا النساء هي الشاغل الوحيد لها. وهناك القليل من الفهم او القبول بان جميع القضايا هي قضايا النساء وهناك وعي قليل وقدرة كبيرة على الشك بقدرات النساء ومعرفتهن وخبراتهن بالمشاركة والمساهمة بفعالية في التفاوض وبناء السلام والامن. ويشكل استبعاد النساء جزءا من الثقافات المحلية وغالبا ما يتم التشكيك في مصداقية مجموعات المجتمع المدني النسائية لانها لا تمثل السكان على نطاق واسع، فهي النخبة. وتشمل اعذارا غريبة منها ان المرأة يجب الا تكون في المفاوضات لانها ستقدم تنازلات، عدا انها لم يكن لها اي علاقة بالحرب. الاسباب والاعذارالمقدمة لاقصائهن تعيق وتحبط ولكنها لا تثنيهن، يطالبن بمساحتهن ويعبرن عن ارائهن واهتماماتهن وحلولهن للمسارات الرسمية ينظرن لمفاوضات السلام كلحظة تاريخية ونافذة حاسمة للتغيير وبالنسبة للنساء اللواتي يضعن حياتهن على المحك لا تقتصر الحرية على التحرر من العنف الجنسي او حتى الاضطهاد السياسي فهي تحرر من التمييز الاجتماعي والجندري. ان تقرير المصير ليس فكرة مجردة تتعلق بالهوية الوطنبة والدولة فحسب بل يتعلق بالحق في رسم مسار الفرد في المجتمع، اما موقفهن الضمني فهو انه يجب الا تتخذ القرارات المتعلقة بمستقبلن من دون تدخلهن.

من بين العدد الذي لا يحصى من الاعلانات والسياسات التي اصدرتها الامم المتحدة بشأن حقوق المرأة كان قرار مجلس الامن رقم 1325 اول من ذكر صراحة ان المشاركين في تخطيط وتنفيذ برامج نزع السلاح والتسريح واعادة الادماج يجب عليهم مراعاة الاحتياجات المختلفة للمقاتلين السابقين اناثا وذكورا وعلى مراعاة الاحتياجات، وفتح هذا الاعلان الباب لمناقشات اوسع حول نزع السلاح والتسريح واعادة الادماج ودور المرأة. وفي عام 2002 اصدر اجتماع خبراء الامم المتحدة نتائج توصل اليها مفادها ان للمرأة دورا اساسيا في المساعدة على تهيئة الظروف لوقف الصراع العنيف في انشطة مثل مراقبة السلام والتعامل مع الصدمات.... وجمع وتدمير الاسلحة. وكانت النساء في مناطق النزاع قنوات فعالة لتعزيز نزع السلاح والحفاظ على وقف اطلاق النار وخاصة امهات المقاتلين يكن حاسمات في عملية نزع السلاح حتى لو تعرضت حياتهن للخطر وذكرت الكاتبة امثلة حية على ذلك في بوغانفيل وفي مالي وليبيريا والصومال والبانيا وكمبوديا.

من الملفت ولكن ليس من المستغرب تماما ان تبرز القيادات النسائية على المستويات المحلية والاقليمية والوطنية في البلدان المتأثرة بالعنف والقمع والانقسام عندما تدفع الحرب النساء الى المجال العام بوصفهن معيلات وامهات او الى النشاط للتعامل مع المأساة الشخصية او تعبئتهن من اجل قضية ما، فانهن سرعان ما ينخرطن في السياسة. في اعقاب الحرب وخاصة اثناء مفاوضات السلام غالبا ما يظهر استياء مرير وخيبة امل لعدم تحقيق المساواة والحقوق التي يسعى اليها الناس. وتتمثل احدى المعضلات الرئيسة التي تواجه المجتمع الدولي والمجتمعات الخارجة من الحرب في موازنة الحاجة الى اصوات ووجهات نظر جديدة ضد الاصوات القائمة والتي غالبا ما تكون راسخة وقد تؤدي لنشوب الصراعات كما تظهرفي افغانستان والصومال واماكن اخرى.

وفي العراق وسط الفوضى والبازار السياسي الذي ابقى البلاد في مأزق لعدة اشهر بعد الانتخابات البرلمانية لعام 2005 لاحظ المراقبون ان النساء البرلمانيات حتى اللواتي جئن من احزاب دينية اكثر محافظة كن اكثر ميلا للتقدم واكثر استعدادا للانخراط والبحث عن حلول مشتركة. والاهم من ذلك فقد واصلن المشاركة في جهود واجتماعات حل المشكلات التي بدأها المجتمع الدولي على الرغم من التهديدات الفعلية والمحتملة لحياتهم. ومهم الاشارة الى ان النساء في السياسة تواجه تحدي الحصول على دعم وفهم كافيين للروابط. وبعبارة اخرى يتعين عليهن اظهار ان السياسات الحكومية التي تمنع المساواة في الوصول الى الصحة والتعليم او القوانين والعادات التي تديم اقصاء النساء او تمكن مرتكبي العنف من التصرف دون عقاب ترتبط باسباب الصراع في المجتمع ككل. وبالتالي فان محاولات تغيير قوانين الزواج وممارسات الميراث على مستوى واحد لا تفيد النساء بشكل مباشر فحسب، بل يمكن ان تساعد في تبديد التوترات التي تثيرها القضايا الاجتماعية والثقافية.

عرض مقالات: