اخر الاخبار

صدر عن دار الكتاب للطباعة في بغداد عام 2025 كتابٌ للنصير الشيوعي جراح صكر حطاب الفؤادي بعنوان "مذكرات عريف شيوعي" من الحجم المتوسط، يقع في 188 صفحة مع الملاحق والصور.

تتوزع محتويات الكتاب بين ولادة الكاتب وبواكير نشاطه الحزبي، والكفاح المسلح في الأهوار وشخصياته، ومنهم موسى عطية السويعدي وخالد أحمد زكي وغيرهما، وحرب تشرين عام 1973، حتى هجوم نظام البعث على تنظيمات الحزب الشيوعي ومغادرة الكاتب إلى هنغاريا، والعودة إلى كردستان والانضمام إلى الحركة الأنصارية، وجريمة بشتاشان كما يسميها (الغدر بالحزب الشيوعي في جبال قنديل)، ثم نزوله إلى بغداد لإعادة التنظيمات الحزبية، حتى سقوط النظام الدكتاتوري في نيسان 2003.

في مقدمة الكتاب، يذكر الدكتور عبد الله حميد العتابي: "هذه المذكرات شهادة حية بلا مواربة أو رتوش، حقائق عاشها الكاتب وعائلته، وسفر خالد في ضمير من آمن بالحزب الشيوعي طريقًا للحياة الحرة الكريمة".

يقول الكاتب: "عاش والدي التفاوت الطبقي في الريف العراقي منذ بداية شبابه، وأحس بالجور الذي يمارسه الإقطاع بحق الفلاحين المساكين، وكان من حسن حظ أبي جراح أن التقى بعبد الواحد كرم العلياوي والمناضل الراحل فعل ضمد العبودي، والحاج مهدي العلياوي" (ص13). ويضيف: "ويبدو أن ذلك كان دافعًا لوالدي للانتماء إلى التنظيمات الفلاحية للحزب الشيوعي العراقي، ولعل حسه الوطني سبب إيمانه بحزب الطبقة العاملة".

ويذكر العتابي كيف تأثر والده بأفكار الحزب فيقول: "عُرف عن والدي جراح نضاله ضد الإقطاع وتسلطهم، وكان مساهمًا فاعلًا في التنظيم الفلاحي الحزبي، ومساهمًا فاعلًا في ترسيخ مبادئ الحزب الشيوعي وثباته، وكان إيمانه عميقًا، فليس من المستغرب أن يرث أولاده فكره وعقيدته". فقد كان تأثير المد اليساري كبيرًا بين الفلاحين، حيث يشير الكاتب: "كان الحراك اليساري فاعلًا في القرية، وتأسست جمعية فلاحية قادها المناضل عبد الواحد كرم العلياوي، وعضوية جراح صكر الفؤادي ومهاوي حمود العلياوي وحسن العناكي وحسن زنيد العتابي".

ويشير الكاتب أبو ثائر إلى دور الأساتذة اليساريين الذين كان لهم تأثير بين الطلبة والفلاحين، ومن المعلمين عبد الزهرة والشيوعي عبد عون من العمارة وعبد الجبار من بغداد.

ويستعرض الكاتب حياته الدراسية في العمارة وانتقاله إلى بغداد في مدينة الحرية - الدباش وإكماله الدراسة الابتدائية فيها. هذا الطالب الذي ترسخت في مفهومه الشيوعية، حين سأله المعلم بعد انتقاله إلى بغداد ولم يفهم السؤال بشكل جيد: "أنت منين اجتنا من يا بعثة؟" فأجاب: "أنا لست بعثيًا، أنا شيوعي، أنا شيوعي".

ويتطرق الكاتب إلى بواكير نشاطه الحزبي في مدينة الشعلة، مدينة الكادحين الذين قدموا من أرياف جنوب العراق إلى بغداد أواخر خمسينيات القرن الماضي، بسبب العوز والفقر والحرمان والمرض والاستغلال من قبل الإقطاعيين وسراكيلهم. وقد اندمجوا مع حياة المدينة بأبسط الأعمال (البناء - العمالة) لتوفير حياة كريمة لهم. وبالنسبة للمناضل جراح، فقد التحق بالجيش العراقي كمتطوع في صنف الطبابة العسكرية في معسكر الرشيد وتخرج بصفة مضمد صحي. وهو المنضم حديثًا للخط العسكري للحزب الشيوعي العراقي بتنظيمه السري في عام 1965.

ويتطرق إلى فترة عصيبة من حياة الحزب وتطلعات أعضائه في تغيير النظام العارفي تحت شعار الانتفاضة الشعبية المسلحة الذي رفعه تنظيم بغداد، والعمل الحاسم الذي رفعته اللجنة المركزية، حتى الانشقاق في أيلول عام 1967. وهنا يتحدث عن انشقاق عائلي، حيث يذكر: "على المستوى العائلي، فقد بقيت مخلصًا للجنة المركزية في حين مال والدي إلى القيادة المركزية" (ص 30). ويقول نقلًا عن الكاتب نبيل عبد الأمير الربيعي: "اجتمعت مجموعة من الكوادر، منهم المناضل خالد أحمد زكي وعبد الأمير الركابي وموسى عطية (أبو صبري) وعبود خلاطي ومحسن حواس وآخرون عام 1967 في مدينة الشعلة في بيت موسى عطية لغرض مناقشة الأوضاع السياسية والحزبية، حيث قرر الحاضرون الاندماج بالقيادة المركزية بعد إصدارهم بيانًا مقتضبًا".

ومن هنا الانطلاق إلى الأهوار وتنظيم عمل مسلح من أجل تغيير النظام. وكان هذا الانطلاق يوم 28 أيار 1967 من هور العمارة، قرية موسى عطية وحسين محمد حسن، ومعهم عبد الأمير الركابي وشلش أبو بارود، وتم تأسيس القاعدة. وتقول هنا زوجة الكاتب، نهضة موسى، إن والدها موسى عطية (أبو صبري) أحد المشاركين في معركة الغموكة، حيث التحق في أيلول عام 1967 في أهوار الناصرية مع الشهيد خالد أحمد زكي الذي كانت له علاقة رفاقية حميمة مع أخيها الشهيد صبري موسى الذي استشهد في قصر النهاية أواخر عام 1969.

وتضيف نهضة موسى: "وفي آذار من عام 1970، استشهد والدي أبو صبري وأحد الرفاق من أهالي الحي في قاعدتهم التي بنوها (لاحقًا) في المجر التابعة لمحافظة العمارة، حيث تم الهجوم عليهم من قبل الخونة والجواسيس وبالتعاون مع مسؤول العمارة لحزب البعث الفاشي الدكتور جبار عجرش، وتم قتلهم ورمي جثثهم في الهور، حيث أخبرنا بعض أقربائنا المتواجدين بالأهوار بالحادث".

هذه الأحداث كتبها الروائي حيدر حيدر في "وليمة لأعشاب البحر" التي طُبعت عشرين مرة، والتي خلد فيها هؤلاء المناضلين، ومنهم موسى عطية السويعدي. هذا الرجل البسيط يدخل السجن بسبب جريمة غسل العار ليودع في سجن نقرة السلمان، وهناك احتك بالسجناء الشيوعيين واعتنق الفكر وتعلم القراءة والكتابة على يد الشيوعيين حتى يخرج عام 1958 بعد ثورة تموز المجيدة، ليصبح وكيلًا لجريدة "اتحاد الشعب" في البصرة. وبعد منع قائد الفرقة الأولى وصول الجريدة إلى الألوية الجنوبية والوسطى، يتعلم أبو صبري مهنة التصوير حتى انقلاب 8 شباط عام 1963، ويهرب إلى إيران مع الشاعر المعروف مظفر النواب.

ويتحدث الكاتب عن فترة الجبهة ونشاطه في تنظيمات الحزب في مدينة الشعلة، حتى قيام النظام الدكتاتوري بالهجمة على الحزب وتنظيماته في جميع أنحاء العراق، فيقرر أبو ثائر الخروج من العراق والالتحاق بالحركة الأنصارية التابعة للحزب الشيوعي العراقي في كردستان للنضال من أجل إسقاط هذا النظام.

وبعد سنوات، يرسله الحزب إلى بغداد لإعادة التنظيم، ويبقى هناك حتى سقوط النظام الدكتاتوري في نيسان 2003، ويعاود أبو ثائر هو وعائلته إلى الحزب وينشط في مدينة الشعلة ويفتتح مقرًا للحزب فيها.

مذكرات المناضل جراح صكر (أبو ثائر) سرد ممتع وجميل، إضافة إلى أنها كفاح بطولي لرفاق ناضلوا من أجل إسعاد الآخرين، وهذا الكتاب إضافة جديدة لتاريخ الحزب الشيوعي النضالي.

عرض مقالات: