اخر الاخبار

على المسرح الجميل لمتحف «رصيف برانلي» للفنون البدائية، يعود المخرج الياباني ساتوشي مياجي إلى باريس ليقدم عرضاً جديداً مستوحى من الملحمة السومرية «جلجامش».

وجهة نظر المخرج الذي حاول تقديمها في سلسلة العروض، هي أن الملك جلجامش كان يتمتع بطاقة غير عادية لا يجد منفذاً لها. كما أنه لم يجد نصيحة لتوجيه اندفاعه. وفي حالة اليأس تلك، يلجأ البشر إلى الآلهة لمساعدتهم. وهكذا يعثر على إنكيدو، الكائن الذي تتطابق قوته الجسدية مع قوة الملك السومري. وبفضل تلك الصداقة يتحرر من الشعور العنيف بالوحدة الذي كان يعذبه حتى ذلك الحين. لقد تخلص جلجامش، أخيراً، من غلوائه وأصبح ملكاً مثالياً.

يبني المخرج الياباني عرضه في جزأين، يرى أنهما ضروريان لاستحضار التوازن الذي تسعى إليه البشرية؛ الأول هو تدمير الغابة والآخر هو الرحلة إلى الخلود. إن جلجامش يريد أن يجعل من مملكته، أوروك، عاصمة لا مثيل لها في الازدهار والروعة. كان يعتقد أن مسعاه يتطلب كميات هائلة من خشب البناء. لذلك يتجه مع إنكيدو نحو غابة الأرز التي يحرسها همبابا، الكائن الأسطوري العملاق الذي أوكلت إليه الآلهة مهمة حماية الأشجار. لكن جلجامش كان مؤمناً بأن السيطرة على الطبيعة تمثل الانتصار النهائي للإنسان. لقد وصل إلى مرحلة من الكبرياء التي تدفعه لأن يضع نفسه في مواجهة الطبيعة.

إنها ملحمة تعود للألفية الثانية قبل عصرنا الحالي، تلهم فناناً يابانياً ليحط بها في متحف الحضارات الذي حلم به ونفذّه الرئيس الأسبق جاك شيراك. وهي قد وصلت إلينا بفضل نسختها في الكتابة المسمارية على ألواح من الطين. ولا يكتفي مياجي ساتوشي وفرقته بالنص المسماري، بل يحاول أن يبحث عن الموسيقى الأصلية للملحمة الشفوية. وقد سبق للمخرج في عروض سابقة أن اشتغل على تطوير ما يسميه «النسخ المتماثلة في المقابل». أي نسج دقيق للصوت بين أصوات الممثلين والموسيقيين. ويستند العرض، أيضا، إلى المواجهة بين سينوغرافيا هندسية تستحضر العالم الذي خلقه البشر، مقابل القوة الوحشية لهمبابا، ممثلة بدمية عملاقة يتلاعب بها 8 ممثلين.

في عام 1990، أسس ساتوشي مياجي فرقة «كو ناووكا». كان مهتماً باللعبة التمثيلية الخطابية التي تحتل فيها الموسيقى مكانة مركزية، وكذلك بتوزيع الممثلين والممثلات في «أماكن غير مسرحية». إنهم يؤدون حركات تشبه الجمباز وفق صيغة «ممثلان لدور واحد». ومنذ تأسيس الفرقة حلّ ساتوشي ضيفاً على أكبر المسارح والمؤسسات الثقافية الدولية. ففي عام 1995، تمت دعوته مع الفنان تاداشي سوزوكي لتقديم ملحمة «إلكترا» على الملعب التاريخي في موقع دلفي الأثري في اليونان. كما تولى نقل ملحمة «ماهابهاراتا» إلى المسرح، عام 2006، وقدمها في باريس. وأخرج «أنتيغون» لتكون العرض الافتتاحي لمهرجان «أفينيون» الحادي والسبعين عام 2017.

نال مياجي العديد من الجوائز وتم تعيينه مديراً لمهرجان «شيزوكا» الدولي للمسرح في اليابان، حيث يقوم كل عام بدعوة مسرحيين من جميع الثقافات لتقديم عروضهم بروح عالية من الانفتاح.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

“الشرق الأوسط” – 12 آذار 2022