اخر الاخبار

( تنشر «طريق الشعب» هذه الصفحة بالتزامن مع انعقاد المؤتمر العاشر لرابطة الانصار الشيوعيين )

يقال ان من يكتب التاريخ بتفاصيله وصدقه هم اولئك الذين ساهموا بصنعه ، وهذا ليس كل الحقيقة ، فهناك من ساهم بصنعه ولكنه لسبب ما وقف على الضفة الاخرى او رأى قول الحقيقة لا ينسجم مع مطامحه الذاتية ، لهذا نراه يكتب ضمن ابعاد الزاوية التي يقف في اطارها ، والشواهد على ذلك عديدة في جميع العصور .

كتب النصيرالراحل سهيل ناصر فاضل ( ئاشتي ) موضوعات الكتاب ( الحركة الانصارية .. حياة وشهداء ) كمساهمة في تاريخ حركة قدمت الكثير من التضحيات مثلما هي حركة اثبتت مصداقيتها في كفاحها السياسي المسلح ضد اعتى ديكتاتورية عرفها تاريخ بلادنا المعاصر . جاءت اغلب موضوعات هذا الكتاب الذي صدرعن دار الرواد المزدهرة  في 340 صفحة من القطع المتوسط عن شهداء الحركة الانصارية ضمن الفترة الواقعة بين ( 1979 – 1990 ). صعب جدا تلخيص ما قدمته الحركة الانصارية حين يكون الهدف هو ان تكون الصورة واضحة للاجيال القادمة حول هؤلاء الذين قدموا حياتهم والذين عانوا الكثير من اجل ان يتخلص شعبنا من ظلام الدكتاتورية الذي خيم عليه .

شهيد لم يغادر الذاكرة

لازار ميخو .. الشهيد ابو نصير واحدا من الذين لما نزل نتردد من الاشارة الى قاتله سنوات مرت على استشهاده ، سنين تنزف حزنها على ارواح الذين عملوا معه في حركة الانصار ، فقد امضى اغلب سنوات عمره في هذه الحركة ، فمنذ عام 1964 عرفت قرى دهوك مقاتلا شجاعا اسمه لازار مانكيشي وحين تجمعت غيوم الدكتاتورية في سماء العراق لم يتأخر عن الالتحاق بالحركة المسلحة من جديد رغم سنوات الحزن التي مرت عليه بفقدان زوجته ورغم سنوات عمره التي قاربت الخمسين حينذاك . اسشهد وهو يحمل في روحه هموما لم يكن يخفيها حتى عن اعدائه فقد تعود الصراحة والصدق وهذا ما جعله في موقع الضفة الاخرى من مجاملة الاخرين .

كوران ، شهيد لم يغادر الذاكرة عامل الخياطة ، كان يعلم رفاقه دون ان يدري ان الكلمة فعل قبل ان تكون حروفا ، يقطع الاشجار دون قرار بذلك ، يجلب الماء دون ان يطلب منه ، يرتق ملابس الرفاق وكأنه يمارس هوايته ، تعلم كيف يعيد تركيب البندقية بعد تفكيكها مثلما تعلم كيف يستخدمها ، استشهد الرفيق كوران ( بير الياس ) بطلقة خاطئة خرجت من بندقية رفيق ونبيل الشهيد الانيق الرفيق الذي قدم من ( قاعدة نوزنك ) ، بهي الطلعة لا يتجاوز عمره النصف الاول من العشرينات كان ينهض كل يوم ببدلته الخاكي حليق الذقن وكأنه مدعو لحفلة عرس في ارقى فنادق باريس ومع كل هذه الاناقة لم يتخلف نبيل عن اداء اي مهمة يكلف بها ، من قطع الاشجار الى جلب الماء او الذهاب في مفرزة لجلب التموين اضافة الى الواجبات اليومية الاخرى .

الشهيد المرح

اما ذلك الشهيد المرح .. ابو ايفان ( هرمز يوسف بوكا ) الذي التحق بالحركة الانصارية في نهاية 1979 في نوزك نزل في اول مفرزة لترتيب صلات مع تنظيم الداخل ، تعذرت عليه العودة الى كوماته مع رفيقه ابو خدر ، لهذا عبرا الى سوريا وليعودا الى كوماته من جديد يرتدون الملابس المدنية .. كان يبعث الفرح في نفوس رفاقه يمزح كثيرا معهم ، يتذكر كل شيء عن مدينته القوش وكانت السلطة تعرف خطورة العمل الذي يقوم به لهذا طلبت من عملائها تصفية الشهيد وكان ذلك في بداية تشرين الثاني 1980 . وسيدو عزيز ، ذلك الرفيق الشيوعي الارمني ( داود آكوب ) والذي رفض الرحيل الى ارمينيا لانه ما ارتضى غير العراق وطنا ، عرفه سكان الدوسكي ويكنون له الاحترام لتواضعه ومساهماته في حل مشاكلهم ، بهي الطلعة هاديء الطبع ، ابن زاخو التحق بالحركة الانصارية بعدما ضايقت السلطة عليه الخناق من اجل الانتماء الى حزبها .. اما رؤوف المعلم الشيوعي من الناصرية ( مجيد فيصل ) معروف في مدينته وجميع ابناء قريته وحين ضايقت السلطة الخناق على الشيوعيين اضطر السفر الى بلغاريا ومن ثم قرر الالتحاق بفصائل الانصار ، مستشارا سياسيا لاحد الفصائل وبحكم خبرته في العمل الحزبي تم تكليفه للعمل سوية مع سيد عزيز . ومن مدينة الرفاعي الشهيد محمد ابراهيم جاسم ( ابو اذار ) استشهد عام 1985 في قرية ديهي ورفيقه الشهيد محمد حسين راشد من مدينة الناصرية استشهد في عملية اقتحام باعذرة في ايلول 1982 .. يرثيهم ئاشتي .. انه الحلم يا صفحة الماء اغمض عيني وامضي مع السنوات التي حملتني اليك تفاصيل تاريخك المتموج ، اغمض عيني حيث الفرات الذي يتنفس ذاكرة الناس .. حين انتهينا من تقسيم الرفاق على المواقع انزويت تحت شجرة تين في قرية بريفكا فتذكرت رفاقي الشهداء .. عدت الى شوارع مدينتي الناصرية تذكرت تفاصيلا اخرى عن وهج الحب القابع في روحي من زمن .. بطيئا مر وقت الانتظار وجيش ظلامنا المنشود كان يجر خطاه متعبة حسبناه انتظار العمر ، ياهذا الظلام المر هل تدري بانك كنت صديقنا الاوفى ؟ وكنت عدونا المبغض تحركنا وسر الليل بين شفاهنا همسا ، توزعنا وكان الصمت سيدنا ولم يمض سوى بضع من الوقت حتى جاءنا صوت القذيفة اشارة للبدء .. ويستذكر الشهيد ابو قيس ( علي حسين عباس من مدينة قلعة سكر استشهد في 2 نيسان 1982 في قرية بولقامش مع ثمانية من رفاقه وقد قطع صاروخ ساقيه وهو يهتف بحياة الحزب . اما الشهيد المولع بالقراءة ، ابو يوسف ( ابراهيم شمسه ) اغلب الرفاق ارتسمت بذاكرتهم صورته وهو يحمل بندقيته على الكتف الايمن وفي يده اليسرى كتاب وضع سبابته بين اوراقه لكي لا يفقد رقم الصفحة التي وصل لها وهو يستقبل رفاقه عند الخيمة في معسكر الناعمة في لبنان ، استشهد في مذبحة بشتاشان . وشهداء قتلهم حبهم .. الشهيد جانيك سركيسيان والشهيد خليل توما متي وشهيد قتله غاز الاعصاب ، هي رحلة عذاب تستهلك فيك كل مكنونات الحنين ، ام هي طيف يمر على جفونك فيمتص كل دموع الحزن العالقة في رموشك ؟ كل شيء ممكن حين تستعرض تاريخ حياة رفاق عرفتهم ليس معرفة طارئة بل معرفة انغمس فيها الضحك وتحمل الصعاب وتهشم الاماني ، مثلما تعضدت بالحب والرفقة الطيبة ونداوة الامل وتشابك فرح العيون . وشهيد قاتل لآخر رصاصة ..

تعلمت من الشيوعية معنى الاخلاص

( ابو رستم ) شاب لم يصل الثالثة والعشرين من عمره ، اطال شعر ذقنه تيمنا بجيفارا ومقولته الشهيرة ( تتعرف على الثوري من رائحته ) واضاف الذقن الاسود وسامة على وسامته كان يقوم بجميع الاعمال حتى التي لم يكلف بها .. وبعد تشكيل المفارز كان ( ودود شاكر ) وهذا اسمه الصريح امر فصيل في السرية المستقلة وشهيد يفتدي رفاقه بروحه ( دلبرين ) واسمه الصريح يونس سرحان سليمان من قرية تابعة الى قضاء سميل خاض مع السرية اغلب عملياتها العسكرية وكان انموذجا للشجاعة .. والشهيد كريم صبري ماهود ( كفاح الزغيرون ) تحمل مثلما تحمل رفاقه وانتهز كل الفرص ليثبت شجاعته رغم صغر سنه ، تمنى كثيرا ان يكمل دراسته استشهد بطلق ناري في طريق رحلته .. وتكمل المسيرة حين التحق ابو سمرة ( الشهيد جبرائيل بولص متي ) بقاعدة نوزك بعد ان انهى دورة عسكرية في لبنان ، عامل الخياطة الشاب لم يفقد حيويته وثوريته واخلاصه لقضية ابناء جلدته الفقراء المعدمين مثلما لم ينسى تعب امه وهي تبحث عن اخوته في معتقلات الانظمة لتنقل لهم الطعام والزاد الحزبي لهذا كان انتماؤه عن وضوح في الرؤيا لمأساة الفقراء من زملائه .. احتضنته مياه الهيزل ذلك النهر الهائجة امواجه .. وعلي خليل الذي استشهد في كهف ، هي وحدها الكلمات ترسم في الدجى دوما لعينيك التي ورثت من الزمن المعبأ بابتسامات الندى والشوق تاريخا لكل العابرين على مدى الايام ونذرت روحك كي تراهم نجمة في الليل ترسل دفئها حتى يستجيب الصبح للضوء المعفر بالاريج . وشهيد يحلم بلقاء اطفاله ، ابو فؤاد ابن قرية دوغات تلك القرية التي تعلمت من الشيوعية معنى الاخلاص للمبادئ مثلما تعلمت ان حب الناس لا يكون حقيقيا ان لم يتعمد بالتضحية من اجلهم ، عاد من ايران وكل امله ان يلتقي باطفاله ، انتظروه طويلا لكن طائرات النظام القت بقنابلها الكيمياوية على مقر القاطع واصابت احداها الرفيق ابو فؤاد وبقى حلمه برؤية اطفاله بين اجفانه واخذه معه الى القبر . وشهيدا كان طيارا ( لطيف مطشر ) وتم فصله من كلية الطيران العسكرية قبل تخرجه بشهر حين اكتشفوا انه شيوعي ويرفض الانتماء الى حزب السلطة ، التحق بالحركة الانصارية يحمل من العلوم العسكرية ما يؤهله ان يكون قائدا عسكريا ، يحفظ من الشعر الكثير كعادة اهل الجنوب وكان يبادر قبل افراد الفصيل في اية مهمة عمل .

يجيد اصوات الطيور

 الشهيد علي جبر من سكنة مدينة كربلاء التحق بالحركة الانصارية منتصف عام 1981 لم يكمل تعليمه الثانوي ، لم يتردد مرة في تنفيذ اية مهمة يكلف بها ، يبعث الفرح في نفوس رفاقه خاصة في المواقف الحرجة ، احب رفاقه واحبوه والشهيد عادل ليبرالي يحمل الطيبة وحبه لرفاقه وحرصه على حزبه وللمزاح الصقت به صفة اللبرالي لانه لا يسكت على خطأ يرتكب امامه ويناقش بذلك مع اغلب رفاقه ، فكلما توهمت انك قد تجاوزت حنينك لتلك الايام تعود بك الذكريات اكثر التصاقا بها وكأنك طفرت للتو ساقية صغيرة في قرية تناولت فيها فطورك ، او ربما قطفت قبل ساعة تفاحا من شجرة تركها الفلاح لآخر ايام الخريف كي تزداد حلاوة واحمرارا ، او ربما دخلت مساء الى قرية وانت بانتظار ان يوزعكم مختارها على البيوت ، كل شيء يذكرك بتلك الايام فيشب الحنين بروحك كطفل غرقت مقلتاه بالدمع لفقدان امه ، لكن اكثر ما يثير هذا الحنين هو رفاقك الشهداء  .  شهيد يجيد اصوات الطيور ( جميل احمد صالح )  من قرية سواري التابعة الى محافظة دهوك من عائلة شيوعية بكل افرادها ، بعرف الجميع انتماء هذه العائلة لهذا من الصعب جدا التخلي عن هذا الانتماء ويبدو انهم كانوا مقتنعين بالمثل ( لا تقلب سترتك الاولى حتى لو بليت ) قبل ان يقرأها جدهم وربما لم يقرأها البتة ، لهذا كان اعتزازهم بالشيوعية ليس من السهولة ان يتزعزع مثلما لا يمكن ان يخضع هذا الانتماء الى الابتزاز او الاغراء . سؤال عقيم وساذج في محتواه نردده دائما هل تملك التكنولوجيا قدرة اكبر من قدرات الانسان ، فللانسان قدرة اكبر وارقى واعمق وهي في حقيقتها قدرة مصدرها التمسك بالحياة والدفاع عن الوجود ، وسام  الاشكر اتعب الطيار القاتل وما زالت ذاكرته تختزن نظرات الذي اطلق عليه الرصاص واصابه في كتفه واعتقد الطيار ان وسام قد تم قتله .

وزير النفط

 وشهيدا كان مسؤولا عن توزيع النفط على القاعات اسمه ابو سلام نفط وتحببا اطلق عليه بعض الانصار وزير النفط بعد الانتصار ، شيوعي بصراوي  طيلة فترة وجوده في كوماته لم يعرف احد اسمه الحقيقي ولا مهنته لا احد يعرف له قبرا مثلما لا احد يملك له صورة ولكن اسمه ونضاله سيبقى في نفوس رفاقه . وظافر السلامي  استشهد حين تجمد بالثلج معلما من مدينة الكوفة يعرفه اغلب ابناء المدينة شيوعيا ملتزما بالدفاع عن الفقراء . وكاظم الخالدي كان له مشروعه المسرحي ، من الشهداء المبدعين التحق بحركة الانصار عام 1980 عرفت مسارح بغداد امكانياته وابداعه المتواصل في الاخراج المسرحي .  والشهيد عباس مهدي شكر من مواليد النجف ولد ابنه مجد بعد استشهاده من ابناء مدينة النجف واقترن برفيقة دربه ام مسار عام 1979 وحين اشتدت هجمة النظام ضد الشيوعيين سافر الى لبنان والتحقت به زوجته بعد ذلك .. الرفيق علاء ياسين خريج كلية الادارة والاقتصاد كان يأمل ان يستريح بعض الوقت استشهد في طريق العبور الى تركيا مع القرويين.

للمرأة غنوتنا والها محبتنا

كان للنصيرات الشهيدات احلامهن في الثامن من اذار والرحلة معهن بقدر ما تحمل الفرح تكون مترعة بالحزن .. الشهيدات ام سرباز هي اولى الشهيدات ، استشهدت اثناء حدوث سيل جبلي جرفها بجنونه المتدفق ، ام ذكرى تعرف جيدا ماذا يعني الاحتفال بهذا اليوم لهذا اشعلت عود ثقاب في ملابسها لكي تنير الطريق لكل نساء البلاد وتؤكد حقيقة ان ظلام الحكام لا يدوم ،  ام الحان وسناء كانت كلماتهن ابلغ من منشور سري كانت امنيتهن ان تخرج نساء الحلة على شاطيء النهر وتشعل شموع الفرح ، رضية فتاة طويريج كانت تتمنى ان يكون الاحتفال باذار في كل البوت ، فاتن وسوسن  كان الفرح هاجسهن دائما وبغداد هي الحب الذي ترعرع في نفوسهن وام لينا ايقونة العمل السري ترغب ان تحمل تحت عبائتها علبة الجكليت الملفوف بداخله التهنئة بيوم المرأة وانسام راهبة الفرح الشيوعي في الناصرية واحلام فتاة الالق المندائي ستغنين بفرح طفولي ( للمرأة غنوتنا والها محبتنا) .

عرض مقالات: