اخر الاخبار

يرجع تاريخ الوليمة الشيوعية الى عام 2015، حيث تمت اقامتها لأول مرة في بغداد، المناسبة كانت 31 اذار العيد 81 لتأسيس الحزب الشيوعي العراقي، وأستمر هذا التقليد سنويا ولمدة 6 سنوات بواقع 4 سنوات في بغداد وسنتان في كربلاء، الدعوة لهذه الوليمة الشيوعية، يحضرها من تبقى على قيد الحياة من المعتقلين بتهمة تشكيل حزب شيوعي في الجيش عام 1980 اي بعد اعدام الوجبة الاولى من الشيوعيين بنفس التهمة وكان عددهم 31 شهيدا، بالضبط مثلما كان عددنا ايضا 31 معتقلا، فهل كان هذا العدد يعني لهم شيئا قد يذكرهم بعيد تأسيس الحزب الشيوعي 31 اذار.

الان وباء كرورنا منع كل شيء وبالتالي تم الغاء الوليمة الشيوعية لهذا العام، وباء كرورنا الذي شكل أكبر مفاجأة على مستوى العالم، وقد فشلت الدول العظمى في مواجهة هذا الفايروس، بل ان الدول المتقدمة قد كان نصيبها من هذا الوباء اشد من الدول الفقيرة ودول عالم الثالث، نتمنى للجميع السلامة والتخلص من آثار هذا الوباء القاتل من خلال الالتزام بالتوجيهات الصحية وعدم الاجتماع او الاختلاط والتزام البقاء في البيوت.

كنت في كل سنة اكتب ذكرياتنا في المعتقل بعد انتهاء الاحتفالية، واليوم هو 31 اذار 2020 العيد 86 لتأسيس الحزب الشيوعي يمر من دون احتفال وقد تبرع الحزب بالأموال التي تخص الاحتفال لشراء سلات غذائية للعوائل المتعففة، وليس بالغريب على حزب الفقراء ان يبادر مثل هذه المبادرة، لكنني سوف اكتب عن بعض تلك الذكريات!

كانت فترة التوقيف قبل التسفير الى سجن رقم واحد (الرهيب) هي 15 يوما، وغالبا ما يكون مكان التوقيف التي نطلق عليها احيانا (النظارة) وقد يعني النظر في التهمة الموجهة الى المحجوزين! وفي مصر يطلقون عليها (التخشيبة) يقولون لأن المساجين يكدسونهم كما يكدس الخشب بالمخازن!  أما التوقيف فقد يعني صعوبة النوم او حتى الجلوس احيانا والبقاء بوضع الوقوف كلما فتح الباب ودخل أحدهم، فأي موقوف يبقى جالسا ينزل عليه بالعصي، كان صديقي محمود عيدان وكذلك كامل مجيد يضحكان بدون سبب عندما يدخل أحد العناصر الامنية ويتعرضان الى الضرب الشديد بالعصي، وهما لا يتوقفان عن ممارسة الضحك! كان معنا جنود مستقلون او غير سياسيين يقولون لي "نحسدكم على روحكم الساخرة في مثل هذه المواقف، ليتنا نعرف مصدر معنوياتكم العالية؟) اقوله لهم: إنه الفكر! يقولون: فقط، اجيب: نعم وبالممارسة نصل به الى اليقين والثقة وهي من تجعلنا نتحمل ونضحك بأصعب الظروف!

خلف وحسن

حينما تم نقلنا الى سجن رقم واحد، كان المسؤول المباشر عن القاووش عريف (حسن) كان أنسانا طيبا، تحس بأنه يخفي المودة نحونا، صالح ذياب يقول كان يخدم في نقرة السلمان وقد عاشر الشيوعيين هناك وأثروا عليه! شعرنا بالراحة معه، على الرغم من انه كان قاسيا على وليد زغير خاصة وان ابو حسن يمزح معه ويجعله يغضب، فيضربه بالصوندة على ظهره يضحك وليد زغير وهو يتلقى الضربات ويقول (العصى لمن عصا)، اما المسؤول الاكبر علينا وعلى العريف حسن فكان رئيس عرفاء (خلف) هذا يصعب الاتفاق معه فهو يحقد على كل البشر ويتعامل معنا بقسوة حتى عريف حسن كان يخشى منه، لا يوجد في قاموسه الرحمة او العاطفة الانسانية.

اضراب السجناء

عندما بدأت الحرب العراقية الايرانية كنا نحن في السجن وعندما كانت الطائرات الايرانية تصل الى معسكر الرشيد يقفلون علينا الابواب ويهربون! بعد فترة من الحرب  اتخذوا قرارا بدلا من التسفير للتبعية الايرانية  اصبحوا يضعونهم بالسجن، كان قسم من هؤلاء التبعية في الخدمة العسكرية، لذلك جاؤوا بهم الى سجن رقم واحد في صالات كبيرة نستطيع ان نراهم، واصبح رئيس عرفاء خلف مسؤولا عنهم، خلصنا من شره واصبح مؤذيا لهؤلاء التبعية، كنا نراه من الشباك كيف يتصرف معهم بقسوة ونذالة، يحمل بيده عصا ومعه عدد من الجنود ينهال على البعض بالضرب من دون سبب او ذنب، مما جعلهم يتذمرون ويهجمون عليه وعلى جنوده واعلنوا الاضراب، لكن مدير السجن (نقيب قصي وهو ابن اخت سعدون غيدان) كان ذكي  مع السجناء واقنعهم بأن رئيس عرفاء خلف سوف يعاقب ويسجن (لكنه وضعه في باب النظام حتى لا يراه المساجين) وكسر اضرابهم عن الطعام وبعد ايام تم فرز قيادة الاضراب وتم ترحليهم الى الاستخبارات. ولم يعودوا ابدا.

العفو الرئاسي

كان صدام يكثر من استخدم العفو و السجناء العاديون يتأملون خروجهم بعفو بعد اندلاع الحرب العراقية – الايرانية ان يصدر عنهم عفو عام، طبعا دائما يستثنى من العفو (جرائم المخدرات والزنا بالمحارم والسجناء السياسيين) من معي في غرفة السجن يتكلمون عن العفو وانا ذهبت  بتأملاتي حول سجناء شيوعيين من مصر، هؤلاء تم الحكم عليهم بالسجن بتهمة قلب نظام الحكم في العهد الملكي، بعد ثورة الضباط الاحرار 1952 اصدروا عفوا عن السجناء السياسيين وتم استثناء الشيوعيين، حينما قدموا تظلما، واوضحوا بإن الضباط الاحرار وثورتهم هي من اسقط النظام الملكي، فإذا كنا مذنبين من المفروض ان يكون عبد الناصر وضباطه معنا بنفس التهمة! او نخرج مثلهم، كان الجواب على التظلم مضحكا جدا قالوا (الشيوعيون ليسوا سياسيين هم اقتصاديون ولا يكونوا سياسيين الا عندما يستلمون السلطة)!

* بمناسبة العيد 88 لتأسيس الحزب الشيوعي العراقي نعيد نشر هذا المقال

 

عرض مقالات: