اخر الاخبار

في مقدمة كتاب الحركة الأنصارية.. حياة وشهداء، يؤكد الكاتب سهيل ناصر فاضل (ئاشتي) ان كتابه هذا لم يكن بجهد شخصي فقط، فقد كان بالتعاون مع الكثيرين الذين عاشوا نفس التجربة، اننا للأسف لا نملك ارشيفا لكل شهدائنا الأنصار بأسمائهم الصريحة ومواليدهم وسكناهم نعرفهم فقط من خلال اسمائهم الحركية التي نتعامل بها يوم كنا أنصارا وربما حتى الآن.

النصير يناضل من اجل قضيته

شهيد كلما حاولت ان اكتب عنه تأخذني على جنحها غيمة بيضاء من ذكريات تطوف بي في سماء صبرا ببيروت وتأخذني إلى حقول البيرة في بقاع لبنان ثم تعود بي مسرعة (ولربما أسرع من زخة الرصاص التي اخترقت صدره) متيقنا من ان للشهيد صفات لا يملكها غيره، كل الذين استشهدوا من مجموعتنا يحملون شذى هذه الصفات، عباس ابو سباسيبا، ابو كريم، ابو ايمان، ابو هديل، ابو ازدهار ديالى، ابو يوسف، هل خذلتني الذاكرة ونسيت اخرين؟ ربما، ولكنني لن أنسي (ابو لينا ابو عيون الزرك) عشنا تلك الفترة وكأننا شخص في مجموعة.. كان يحلم بمدينته الديوانية لهذا كان متحمسا للذهاب مع المجموعة التي استشهد فيها الرفيق (فؤاد يلدا) هل بكى عليه كثيرا؟ هل تسرب اليأس إلى روحه؟ ربما نعم وربما كره الحياة.. ومعتصم عبد الكريم طالب في معهد الفنون الجميلة، يحب الناس والفرح والموسيقى والعصافير والاطفال وأمه وأباه والألوان جميعها، الا الأسود.. استشهد في 24 اذار 1980 .

لم يتبادر إلى تفكير اي من الأنصار عدم الاستشهاد، فما دام هناك استخدام للسلاح يعني هناك فقدان لحياة ما، وعلى حد قول احد الأنصار مازحا ، الطلقة التي سوف تقتلني تبحث عني الآن بين الوديان، وحقيقة هذا الأمر متأت من القناعة بالقضية التي يناضل من أجلها النصير لأنها تستوجب منه التضحية حتى بحياته، لهذا حين تذهب مجموعة من الأنصار للقيام بعملية عسكرية، يودع أحدهم الآخر وربما يتخلل ذلك الوداع بعض المزاح وهو في حقيقته للتخفيف من جدية الامر، يونس شغيت مواليد 1952 من عائلة كادحة انتمى ابناؤها إلى الشيوعية، لم يهادن ولم يساوم على مبادئه لم يتذمر يوما من صعوبة العمل الأنصاري، له قدرة على تحمل الصعاب بشكل خرافي لهذا أحبه جميع الرفاق الذين عرفوه، في 30 آذار 1982 تسلل إلى جدار الربيئة وبدأت البنادق تزغرد حاول الصعود على الجدار ولكن الرصاصات استقرت في صدره فاحتضن الجدار ولم يستطع رفاقه من سحب جثمانه لصعوبة الوصول اليه. والشهيد كاظم طوفان من مواليد مدينة العمارة 1945، عامل بناء لم يكمل تعليمه الابتدائي ارتبط بالحزب الشيوعي العراقي منذ ايام شبابه واغلب اصدقائه من طلبة الكليات لهذا تأثر بهم في حبه لتثقيف نفسه وصارت القراءة بالنسبة له تأتي بعد وجبات الطعام في أهميتها وترافقت ثقافته مع شجاعة نادرة في التحدي.. وشهيد بصري يذكرك لمعان اشراقة ابتسامته بلمعان تمر الخضراوي اسمه الحركي ابو بسيم والصريح (رعد عبد المجيد يوسف) متخرج من جامعة البصرة كلية الهندسة، استشهد مع رفيقين آخرين وهم يفتحون ثغرة لكمين من أجل ان يمر الجميع، ولم يبق سوى ابتسامته عالقة في ذاكرة رفاقه دون ان يكون له قبر.

شهيد أممي

على مر تاريخ الحركة الشيوعية كان هناك شهداء أمميون تطوعوا من أجل ان تنتصر قضية الانسان، من هؤلاء كان هناك شهيد لم يكن شيوعيا بل تطوع للعمل المسلح في حركة الأنصار الشيوعيين العراقيين لأنه كان منتميا إلى حركة يسارية في كردستان تركيا اسمه الصريح يوسف ولكن بحكم تطوعه للعمل في مسجد قرية كوندك اطلق عليه اسم صوفي، كانت الجندرمة التركية تبحث عنه وجدوا كتابا يساريا باللغة التركية توجهوا إلى القرية التي يعيش فيها صوفي لهذا استعد لمقاتلتهم من بيته وقد جرح عددا منهم ولكنه ايضا جرح، خرج ونام على ظهره امسك القنبلة اليدوية بيده بعد أن رفع مسمار الأمان عنها وعندما اقتربوا منه فجرها بهم وبنفسه .. الشهيد ابو سعيد الشايب حلو المعشر يتمتع بصوت عذب في الغناء من مواليد الثورة 1954 هو شاب وسيم حنطي البشرة استشهد مع الرفيق مام كاويس والرفيق عبد الله فقي في معركة مع مفرزة اوك في قرية البنجاغ عام 1985. ورفيق من أصول فلاحية وبحكم الظروف المعيشية عمل في قلع الحجر فترة غير قليلة من حياته، حين يسير في مقدمة السرية لا يلتفت إلى الخلف لأنه واثق من رفاقه يلحقون به رغم خطواته الواسعة، ولد عام 1950 في قرية تابعة إلى قضاء رانية استشهد في تشرين الثاني 1986. والشهيد روداو اسمه الصريح سعيد اسماعيل صبري ولد في بداية ستينيات القرن المنصرم واجتذبه الحلم البنفسجي حين رأى الفقر والتخلف الذي يحيط بقريته ومنطقته لهذا انتمى للحلم.

بيتهم مقر للحزب

ربما حالة العجز في بدء الكتابة عن شخص كل شيء فيه جميل هي حالة طبيعية فكيف إذا كانت الكتابة عن شخص قدم حياته من أجل قضية يؤمن بها اضافة إلى كل صفاته الجميلة والتي تشكل كل حياته.. اسمه الحركي دكتور عادل والصريح (غسان عاكف حمودي) مواليد عنه 1954 كل شيء في بيتهم انتمى إلى الشيوعية أو في الحقيقة كان بيتهم مقرا للحزب دون ان تعلق عليه يافطة.. من الصعوبة ان تجد شخصا يحمل كل هذا الحب لرفاقه وكان يذهب إلى نهر الخابور ليصطاد السمك من أجل رفاقه المرضى.. توجه عام 1983 مع مفرزة للمشاركة في معركة بشتاشان الثانية، جرح في ساقه عرف انه جرح مميت لهذا طلب من رفاقه ان ينسحبوا ويتركوه، نزل الشهيد ابو ليلى لشد جرحه بالكوفية فاصيب ايضا بجراح مميتة وبعده ملازم حسان نزل ليسحبهم فاستشهد معهم، حين حل مساء الاول من ايلول نزل بعض الرفاق ليتفقدوا الشهداء الثلاثة، رأوا الثلاثة متعانقين. وشهيد حالم بنهر الغراف ولد في مدينة تستوحي عذوبة هدوئها من انسياب نهرها الغراف الذي يحتضنها بشاطئيه.. محمد جواد طالب الكاظمي من مواليد قلعة سكر عام 1953 اسمه الحركي ابو انتصار كانت طيبته الجنوبية تتجلى في تقديم كل ما يستطيع لرفاقه. ورفيق طويل القامة اسمر الوجه جسده يوحي للناظر اليه يتحمل ثقل جبال الارض وصل إلى كوردستان مع اول وجبة من خمسة رفاق ليساهم في بناء أولى قواعد الأنصار في منطقة بهدينان كان ذلك في نهاية عام 1979 اسمه الحركي ابو داود اما اسمه الصريح هو كاظم ابراهيم خضير الخطابي مواليد كربلاء 1950. ورفيق اراد الموت بين رفاقه لكي لا يضعف أمام جبروت الموت، فلاح ارتبط بالحزب الشيوعي منتصف الخمسينات عندما أيقن ان الحزب يدافع عن الفقراء، اسمه المعروف بين الأنصار (ابو أسمر) اما اسمه الصريح فهو عيسى جامي رسول كان وضعه الصحي في تدهور دائم، ولكن معنوياته وأحاديثه مع الرفاق الأنصار توحي بعزيمة أكبر على مواصلة العمل وكان النصير الدكتور ابو تضامن يتابع وضعه الصحي وهو غير واثق من استمراره في الحياة.. قرر ان يموت بين رفاقه واستشهد في النصف الثاني من عام 1987 . الرفيق ابو ميهفان واسمه الصريح اسماعيل عبد الرحمن سعيد من ناحية بامرني ولد في عائلة شيوعية معروفة في نضالها الوطني التحق مع فصائل الأنصار عام 1981 كان يتمتع بشجاعة لا تغري الموت ان يقترب منه في كل الحالات التي هو بنفسه يذهب اليه بها استشهد في كمين لمرتزقة السلطة في قرية زيوه التي لا تبعد أكثر من 45 دقيقة مشيا عن بامرني.

ضرير يتطوع للعمل الانصاري

وأحيانا يبدو الأمر خارج منطق المعقول وفق القياس الانساني وإلا بماذا يمكن تفسير حالة انسان ضرير ويتطوع للعمل الأنصاري والمعوقات التي تعترضه ليس من السهولة تجاوزها، والسؤال الأهم هل ما يقدمه ينسجم مع تكوينه كنصير مقاتل؟ التحق بحركة الأنصار رفيقان ضريران، ابراهيم مصطفى سليمان مواليد العمادية تأثر بوالده النقابي المعروف بعد ثورة 14 تموز، حافظته الجيدة جعلته متمكنا من الحديث عن تاريخ الحزب وسياسته.. إلى اليوم ما زال ابراهيم ذلك الشيوعي الذي يرى ان المستقبل الجميل يكمن بانتصار قضية الانسان. في النضال الثوري المسلح تبدو الحقيقة اغرب من الخيال احيانا فمن يستطيع ان يتصور ما يقوم به انسان بصير في عمله الثوري المسلح او ما يقوم به شخص استبدل أحد ساقيه بساق بلاستيكية ويواصل عمله الثوري المسلح، تبدو الحيرة حين تكون بين أمرين، لا تستطيع التخلي عنهم ولا تستطيع مساعدتهم، ولكن مع حالة النصير فهد الاخرس (حمد امين عبد الله معروف) فهي حالة مختلفة فهو يرفض ان يكون حرا دون رفاقه. عندما تم اعتقاله ضمن الاسرى في مجزرة بشتاشان رفض ان يطلق سراحه لوحده فقط اشترط لاطلاق سراحه اطلاق سراح رفاقه العرب .. ورفيق بساق واحدة انه النصير ابو سلام (نجم الدين مامو السورجي). ربما لا تختلف الحركة الأنصارية الشيوعية العراقية كثيرا عن غيرها من حركات الأنصار التي خاضتها الاحزاب الشيوعية في العالم وكان الرفيق موجودا خلال فترات الحركة ومساهما في الدور التعبوي والتنظيمي.

انصار فقدناهم في الغربة

ويفرد ئاشتي فصلا لأنصار غيبتهم الغربة، التي تهشم كل الفرح في الروح وتستجيب إلى عالم من الوحشة والسواد، تنثر اشواكها في كل الدروب وترمي في آتون محرقتها كل الاحلام التي كانت ترفرف بأجنحتها على الجفون، هذه الغربة كانت وربما ستستمر تأخذ حصتها في تغييب الأنصار الشيوعيين العراقيين الذين اضطرتهم ظروف بلادهم الارتماء في احضانها.. ابو عادل الشايب والنصير ابو سلمى والنصير اسكندر والنصيرة ام شوان والنصير ابو سناء والنصير ابو نبأ والنصير علي الشاهر والنصير نجاح ابو الهيجا والنصير ابو هدى. وشهيد اغتيل في بيته ليلا وفي منطقة آمنة وبعيدة عن اجهزة السلطة قد يكون أمرا غير مألوف ولكن الحقيقة غير ذلك فقد كانت للسلطة مجساتها وعملائها وتحقق عن طريقهم غاياتها في بعث القلق لدى القوى التي تقاتل وكانت اغلب حالات الاغتيال في المنطقة الآمنة هي نتيجة عملاء تبعث بهم السلطة ويكون دورهم اما بارسال المعلومات او الاغتيال المباشر، إنه الشهيد ابو حسن من مانكيش، انهى دراسة الماجستير، التحق بالأنصار بداية 1982 ، اغتيل عام 1985 جالسا بين رفاقه في البيت الذي يعيش فيه في قرية دهي، امتدت ماسورة بندقية عبر الكوة الصغيرة لتصوب طلقتين إلى صدر الشهيد فرانسو ميا بولص.

والنصير دلوفان مع اخيه الاكبر وابن عمه التحق في حركة الأنصار الشيوعيين وهم من عائلة شيوعية من قرية سناط التابعة إلى قضاء زاخو. واسمه الصريح منير قطو زرو .. كان ركيزة حزبية يساهم احيانا في العمليات العسكرية التي تستدعي وجوده وبيته يكاد يكون مقرا غير معلن، اعتاد ان يزور بعض العوائل في القرية، طرق ليلا على باب بيته نهض دلوفان وتبعه سالم ليعرف من الطارق وبمجرد فتح الباب انهارت عليهما زخات متلاحقة من الرصاص فاستشهد الاثنان وهرب الجناة.

نصيرات الحزب

النصيرة انسام .. ذلك الملاك الشيوعي اسمها موناليزا امين منشد منذ طفولتها رافقتها خاصية التفوق، كانت صديقة حميمة للكتب التي تحتويها مكتبة بيتهم في الناصرية، برزت ككادر نسوي في رابطة المرأة العراقية، رفضت كل من تقدم للارتباط بها من شباب الناصرية.. وارتبطت بالحركة الشيوعية الأنصارية منذ كانت طالبة في معهد المعلمات.. في عام 1986 جاءت في زيارة إلى قاطع بهدينان وفي طريق عودتها إلى منطقة لولان تعرضت المفرزة التي كانت معها إلى كمين من قبل الجندرمة التركية مما ادى إلى اصابتها بأكثر من رصاصة استشهدت على إثرها وتم دفنها في قرية حدودية.

وخاتمتها رثاء إلى (الرفيقة دروك)، من اي سماء سوداء تنزل سحب الحزن على الروح؟ ومن اين للروح قدرة على تحمل كل الخسارات؟ كل يوم يتسرب من بين رموش عيوننا عزيز عشنا معه فأصبح هو الاخ والصديق والرفيق، وحين لامست عيوني جملة وداعا الرفيقة دروك لم أستطع متابعة ما كتب الأنصار وبدأت دموعي تحفر انهارا لها، كنا نتحدث عنها لسكان القرى هذه الرفيقة التي استخدمت المدفع وفي وادي الخيول قررت ان لا تتخلى عن حبيبها وزوجها ابو سوزان.. اضحك معك من خلال دموعي واتذكركم كان حزنك كبيرا يوم استشهد ابو كريم، بكينا لبكائك والآن ليس لي غير ان اقول لك رفيقتي العزيزة، انت ورفيقاتك النصيرات كنتن السماء التي تفتح ابوابها بوجوه الأنصار، بل وتاريخ الحزب، لذا اعتز بكل تاريخ حياتك ايتها الرفيقة النادرة.

عرض مقالات: