اخر الاخبار

عندما يجتمع الحقد السياسي والقومي العنصري ليكون سلاحا قذرا بأيدي المجرمين في أن واحد يصنع الكوارث المدمرة في حياة الأفراد والعوائل والشعوب الأمنة والمستقرة ويحولها إلى حطام متناثر ومأسي مؤلمة توقظ الضمير الانساني بالنضال بلا هوادة ضد دعاة الطائفية والعنصرية البغيضة والاستفادة من تجارب الماضي المرير..

كان للعائلة الوطنية هذه نصيب مأساوي بما عاشته ما بين “عگد العجم” في الحلة و(عگد العرب) في ايران فضلا عن عواصم عربية وعالمية أخرى بعد أن كان لها العطاء الوطني والثوري منذ اربعينات القرن الماضي في النضال ضد الاستعمار والرجعية والصهيونية والدفاع عن الشعب ومصالحه الوطنية المشروعة وحقوق الانسان وكان من بينهم العديد من المناضلين البارزين تحت راية حزبهم الشيوعي المقدام ..

  وكان لنا فرصة ثمينة للقاء مع الدكتور حلیم عبد الله مرتضى (ابو ياسمين) بعد فراق دام اربعين عاماً من الغربة والمعاناة والحرمان طوال السنين التي أخذت منه ومنا ربيع العمر، ليوضح لنا حقيقة الاضطهاد والمعاناة المريرة له ولعائلته المناضلة. أوضح لنا في بادئ الامر معنى كلمة (خوجه) فهي تعني سابقا المعلم أو المدرس والاستاذ وهو من مواليد 1946 حيث وجد أغلب أبناء عائلته قد امتهنوا الندافة والصياغة ومنهم من أصبح لديه معامل نسيج مصغرة ويعتبرون من الاوائل الذين ادخلوا معامل النسيج إلى مدينة الحلة.. وكان منهم الشعراء والادباء وكان جده الفقيد (مرتضى) له مجلس يضم العديد منهم ولا زال دارهم القديم الذي ولد فيه قائماً وتحول إلى مسجد ومقام باسم العلامة السيد مسلم السيد هادي وكان والده عبد الله شاعراً وخاله الفقيد عبد الرزاق أحمد وابوه شاعرا أيضا كما حصل الكثير منهم على شهادة الدكتوراه في عام 1957 و 1958 ومنهم من كان معيداً في جامعة بغداد.

ومنذ بداية حياته وجد شقيقه الاكبر (رضا عبد الله ) وأولاد عمه الشهيد “شهيد محمد سعيد” والمناضلين المعروفين محمد علي مجيد وشقيقة عارف مجيد من أبرز المشاركين بالمظاهرات الجماهيرية في وثبة كانون 1948 والانتخابات التي حصلت في بداية الخمسينيات التي كان يخط بها شعارا يدعو إلى ( من يريد الخبز والعمل ينتخب الشيخ محمد عبد الكريم الماشطة) وفي تظاهرات عام 1956 واصلوا الكتابة على الجدران وهو معهم شابا يافعاً حاملا (قواطي البوية الحمراء) وكان عندما يشاهدونهم الشرطة يطلبون منه الفرار إلى البيت فورا ويكلف من قبلهم بإلقاء القصائد الشعرية المؤثرة بين المتظاهرين رغم صغر سنه ولكونه يحب الشعر ويجيد قراءته ولحد الآن.

ثم انتمى للحزب بعد ثورة الرابع عشر من تموز مباشرة ونال شرف العضوية في عام 1961 واصبح مسؤولا عن بعض خلايا المرشحين في المجال الطلابي وكان معه (سامي الصفار - مجيد شربة – المصور مرتضى محمد علي - حاتم الاعمى من القاضية) يقودهم الرفيق (ابو عادل - سامي عبد الرزاق الملا ابراهيم) .. وفي عام 1963 اعتقل مع الرفيق سامي جراء اعترافات متفرقة وبقي الخط الطلابي سالما وقاموا بدورهم بالاتصال مع الحزب مرة أخرى وبعد اطلاق سراحه بستة اشهر عاد على الفور مع (ابو عادل) للاتصال بالحزب عن طريق ابن عمه (محمد علي مجيد) وكان مطارداً وخلال ايام الاختفاء كان يمارس مهنة الحلاقة لجميع الرفاق وعندما كان مطارداً قام بمهمة الدخول إلى السجن خلال المواجهة محاولة منه لحل بعض الخلافات بين الرفاق داخل السجن وايقاف بعض التداعيات سواء بالاعترافات او المحاكمة للتقليل من الخسائر التنظيمية. وبعد دخوله كلية التربية في عام 1967 واصل العمل بين الطلاب وسافر في عام 1974 إلى الاتحاد السوفيتي وحصل على شهادة الدكتوراه (علوم الفيزياء) في عام ۱۹۸۲ وعمل مسؤولاً عن رابطة الطلبة العراقيين في مدينة (مينسك) عاصمة (بيلاروسيا) وكان قريبا من المدرسة الحزبية حيث كان يسكن معه الشهيد (وضاح عبد الأمير) عضو المكتب السياسي للحزب لأكثر من ثلاث سنوات. وبعد سماعه بقيام النظام الصدامي المجرم بإبادة وتهجير عائلته سافر إلى الجزائر وبقي ست سنوات، وفي ليبيا ثمان سنوات لتقديم يد العون لوالديه ولأهله وما حل بهم من كارثة موجعة، وآخرها كان مقيما في لندن,

وكانت الصدمة الأولى لعائلته استشهاد ابن عمه (شهید محمد سعيد) على ايدي جلادي حزب البعث في عام 1963 تحت التعذيب الشديد حيث كان يسكب عليه الماء الحار ثم البارد وحرق جسمه بنار (اللمبة) وسابقاً كان يقابله في السجن مع والده، وقد وقعت له حادثة اثرت في نفسه عندما قامت السلطة بمنعهم من الدخول واطلقوا عليهم النار جميعا واستشهد عدد كبير من السجناء والمراجعين على حد سواء وحمله والده وهو صغير إلى المقبرة المجاورة للسجن في باب المعظم وهم يركضون مع الآخرين وكان ذلك موقفا مرعبا للجميع، وقد سبق للشهيد ان اعتقل في بداية الخمسينات لمدة سنتين ووضع تحت المراقبة سنة كاملة في زرباطيه، اما في عام ١٩٨٢ كانت المأساة اكبر حيث تعرضت عائلة (ال خوجه نعمه) عموما للتهجير القسري كوجبة أولى ومصادرة املاكهم وبيوتهم ومحلاتهم واعتقال اولادهم جميعاً حيث بلغ عددهم اكثر من ستين شاباً تراوحت اعمارهم ما بين (۱۸ - 50 سنة) واغلبهم بعمر الورود من بينهم شقيقه حسين وابن عمه صفاء مجيد وسعد فرهود عبد الله وابن اخيه محمد رضا عبد الله وابن اخته فاضل عباس مجيد حيث تم وضعهم جميعا في غرفة واحدة لم تكف لاستيعاب ربع العدد وهم عراة في منطقة (جبلة) بإحدى مراكز الأمن في بابل وتركت لهم فتحة صغيرة لتزويدهم بالخبز والماء فقط ولسنين طويلة حتى تحولت اجسامهم إلى عظام لا يقوون على الوقوف او السير ويصعب تمييزهم جراء شعورهم الكثيفة والطويلة جداً وبعد انبعاث الرائحة منهم فتحت الغرفة ولم يجدوا فيها سوى ثلاثة اشخاص يزحفون على الارض لشدة الضعف الذي أصابهم وهم شقيقه سعدون الذي فقد بصره وعبد الاله موسى وحفظي محمد ) وقاموا برميهم على احد التلال قرب الحدود الايرانية وهم لا يطيقون السير وقد انقذتهم احدى الدوريات وقاموا بإنزالهم من فوق التل بواسطة (الشفل) وتم نقلهم إلى مخيمات المهجرين العراقيين في داخل إیران واسكنوهم مع والديه في خربه مهجورة بعد العز والسعادة ومصادرة الممتلكات بما فيه ممية الطفل الرضيع)..

تصور ان سليم خوجه نعمه أعدم أولاده الستة جميعا وان التهجير شمل المئات من اهله. ويتذكر حادثة يرويها له أخوه سعدون شاهدها من خلال وجود ثقب صغير جدا في غرفة الحجز المجاورة لغرفة التعذيب حيث شاهد المحقق قد استدعى رجلا وامرأة ومعهم طفل عمره ثلاث سنوات يمسكه بيده ويطلب منها الاعتراف وقام بقلع عين الطفل بأظافره تم مسكه من رجليه وضرب رأسه بالحائط بقوة وفارق الحياة بالحال وما كان لأمه الا ان سقطت على الأرض مغشيا عليها.

وقد ساهم الدكتور حليم عبد الله مع الجميع بحضور المؤتمرات ضد المقابر الجماعية من قبل حقوق الانسان وفي كردستان وألقى كلمة طويلة شرح فيها تفاصيل الجريمة وقد ابكت الحاضرين وطلب منه البعض منهم بإصدار فلم خاص يمثل تلك الاعمال البربرية وما يماثلها. وبعد أن اتصل به وزير التعليم العالي في لندن طالبا منه العودة وقام بمعادلة شهادة الدكتوراه والعودة للوظيفة غير أنه لم ينصف اطلاقاً واعيد مدرساً في اعدادية الحلة منذ عام ۲۰۱۳ ولم تحتسب له خدمة سوى خمس سنوات فقط وتم احالته على التقاعد وظل يراوده الشعور بالاضطهاد لأنهم خرجوا مضطهدين مظلومين وعادوا محرومين وهذا هو قدرهم لكونهم المخلصين الشيوعيين وقد اكتفوا بحمل اوسمة الشرف والنضال والتضحية ايمانا وحباً بحزبهم الشيوعي وشعبهم المناضل.