اخر الاخبار

عندما أردت الكتابة عن هذا الشيوعي البار عدت إلى لداته وأقرانه ومن عملوا معه طلبا لرأي أو معلومة فكانت الألسن تلهج بذكره، فهو من مواليد الحلة الفيحاء 1935 تربى في كنف أخواله آل المعروف فعرف بهم ولقب بلقبهم يقول الدكتور عدنان الظاهر “كنا وستار في أربعينيات القرن الماضي كالجيران في محلة واحدة اسمها “جبران” وزقاق عريض واحد أسمه (عگد المفتي) لكنه كان أسبق مني في المدرسة بعام واحد أو عامين. كان ستار هادئاً بين بقية أطفال عگد المفتي مؤدباً لا يدخل في عراك أو شجار مع باقي الأطفال كما كان شأننا في الكثير من الأحوال. كانت يوم ذاك علاقته الوثقى بكل من “عبد حمزة الشهربلي” و”عدنان أحمد دنان” دخل دار المعلمين الابتدائية في بغداد / الأعظمية وكانت حينذاك الدار الوحيدة في عموم العراق التي يتخرج فيها المعلمون جيلاً بعد جيل” وتخرج فيها سنة 1952”. لا أتذكر أنه مارس التعليم بعد إكماله دراسته في دار المعلمين غير أنه غاب فجأة عن الحلة وما كنتُ أعرف سبب غيابه إلا بعد مرور العديد من السنين: اختفى تفرغاً للحزب الشيوعي وحتى قيل في حينه إنه تخفى وتنقل مع البدو الرحل هرباً من شرطة العهد الملكي . ظهر ستار مهدي بعد ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958 وتزوج من السيدة ساهرة حميد طخة شقيقة الأصدقاء رضا طخة وهادي والحاج مهدي حميد طخة.

  قيل في حينه إنه مسئول خطوط الفلاحين في منطقة الفرات الأوسط وكان معروفاً في الحلة أنه مرشح لعضوية اللجنة المركزية للحزب. كان ستار يزور الحلة بين الحين والحين زمن عبد الكريم قاسم وقد أنتقل حزبياً إلى بغداد. كان ستار حريصاً على أنْ يسمعَ مني عن أوضاع الحلة وتكالب البعثيين والقوميين والرجعيين واستقوائهم علينا وصعود مدهم الدموي وتفاقم الحالة السياسية وما رافقها من اعتداءات واستفزازات وخاصة في فترات انتخابات نقابة المعلمين في لواء الحلة”.

وذكر الرفيق جاسم الحلوائي في رسالة أن “ الرفيق ستار معروف ذكي ويمتاز بإمكانية تكوين رأي مستقل والتعبير عنه بشكل ملائم وهذه سمة مطلوبة جداً لاسيما بالنسبة للكادر الحزبي وكانت في ذلك الزمان تنطوي على جرأة وثقة بالنفس، آخذين بنظر الاعتبار ضعف الديمقراطية داخل الحزب. وأتذكر جيدا بأن ستار هو أول من أعترض على تقدير الحزب الوارد في الوثيقة الصادرة من الكونفرنس الثاني (1956) بشأن أسلوب الكفاح وقد ناقش سلام عادل في الاجتماع. فقد شخصت الوثيقة طبيعة المعركة “باعتبارها معركة ذات طابع سلمي غالب”. ولم يقتنع العديد من المشاركين بالتوضيحات التي قدمت في الاجتماع لتبرير هذا الاستنتاج. وقد غيرت اللجنة المركزية هذا الموقف على أثر انتفاضة تشرين الثاني 1956 التي جوبهت بالرصاص من قبل السلطات، وذلك في بيانها الصادر في 11 كانون الأول 1956، لتقرر بأن الأسلوب العنفي هو الأسلوب الغالب.”.

  تفرغ للعمل الحزبي بعد تخرجه من دار المعلمين، ولحركته الدائبة فقد أستلفت أنظار المباحث الجنائية التي هالها هذا النمو المتصاعد في الوعي الطبقي للجماهير فأخذ يتنقل بين المحافظات لمواصلة عمله التنظيمي ، فنسب الى النجف ، مسئولا عن قيادتها سنة 1956 فقام بما أوكل إليه على أحسن ما يكون، وتمكن من بناء العمل التنظيمي بما عرف عنه من جدية وصرامة وقدرة على التحرك في مختلف الظروف، وأصبح حينها عضو لجنة الفرات الأوسط، وكانت لجنة المنطقة تتكون من الرفاق فرحان طعمة وصالح الرازقي وعبد الأمير حسون مسئول محلية بابل ثم حل محله حمد الله مرتضى، وحسن الحاج عباس الذي كان منسبا للمنطقة عندما كان مسئولا عن محلية الديوانية ثم حل محله موسى جعفر مسئول السماوة، وهادي صالح متروك. 

وبعد كونفرنس 1956  الذي أشرف عليه الشهيد سلام عادل أصبح مسئولا عن مكتب اتحاد الشعب في الحلة، وانتقل بداية الستينيات إلى بغداد ونهض بمهمة مسئولية لجنة التوجيه ألفلاحي المركزي ، وعضو اللجنة العسكرية للحزب حتى اعتقاله ليأخذ على عاتقه العمل في الريف بما يحمل من صعوبات ومشاكل في ظل التسلط الإقطاعي وانعدام الوعي في الريف ولكنه بما يمتلك من مؤهلات عالية تمكن من تذليل الصعاب التي اعترضت العمل وتمكن من بناء المرتكزات المهمة لتنظيم فلاحي أمتد ليأخذ مدياته الواسعة تنفيذا لمقررات الحزب في ضرورة توسيع نشاط الحزب في الريف والعمل لبناء قاعدة قوية لأن الفلاحين يشكلون النسبة الأكبر بين الجماهير، فكان النضال الحزبي يعتمد على بث الوعي وضرورة تشكيل الجمعيات الفلاحية التي تعمل لنشر قاعدة مهنية كبيرة تأخذ على عاتقها  تحفيز نضال الفلاحين في المطالبة بحقوقهم في تطبيق قانون الإصلاح الزراعي وخصوصا بعد أن حاولت القوى الرجعية الالتفاف عليه من خلال علاقاتها بإدارات الألوية التي كانت تعمل بالضد من القانون، وهذا التحرك في الأوساط الريفية كان وراءه خيرة الكوادر الحزبية التي نذرت نفسها لهذا العمل واستطاعت استمالة الفلاحين لجانبها ليأخذوا بناصية النضال الوطني لانطلاقة جديدة ويشكلوا الإسناد الطبيعي لجماهير المدن في نضالهم لنصرة الثورة وحماية منجزاتها التي كانت تصب في صالح الفقراء ،وكان يتنقل في الألوية العراقية لمتابعة العمل الفلاحي وتشكيل الجمعيات والعمل لتذليل المصاعب التي تواجهها بسبب تواطؤ الإدارة المحلية مع كبار الملاكين.

وأستمر في عمله النضالي واضطر للعمل السري بعد انحراف عبد الكريم قاسم ومحاولته تقريب العناصر الرجعية والقومية وإرضائها من خلال محاربة الشيوعيين واعتقالهم، حتى امتلأت السجون بالشيوعيين ،وظل وفيا لمبادئه وحزبه حتى ساعاته الأخيرة حيث القي القبض عليه ليلة 7 اذار 1963 ، وتعرض للتعذيب من قبل عتاة الحرس القومي ، ولم يستطع هؤلاء الفاشست انتزاع اعتراف منه فحافظ على الأمانة وأعطى درسا للآخرين كيف يكون الصمود ،وهذا هو ديدن الشيوعيين العراقيين في الصمود والتصدي فقد قام البعثيون باستعمال مختلف الوسائل لانتزاع الاعترافات إلا أنهم باءوا بالفشل بسبب الصمود الأسطوري للقيادة الشيوعية التي أصبحت مثلا  في التضحية والفداء ، ومواجهة الموت بشجاعة منقطعة النظير. وفي ليلة 9-10 اذار 1963استشهد مع مجموعة من رفاقه بعد اعدامهم في منطقة الحصوة ودفنوا في مقبرة جماعية بمكان مجهول.