اخر الاخبار

مع أن ستين عاماً قد انقضت على انقلاب ٨ شباط ١٩٦٣ الأسود، إلا أن حوادثه ومآسيه ما زالت عالقة في ذهن جيل عراقي غير قليل.

فعقبَ المجازر الدموية التي بدأت باغتيال قائد القوة الجوية جلال الأوقاتي ومن ثم قصف وزارة الدفاع ومجزرة مبنى الإذاعة، بدأ الانقلابيون مشروعهم الدموي ضد الشيوعيين والديمقراطيين وكل المدافعين عن ثورة ١٤ تموز وتوجوها ببيانهم المشؤوم، البيان رقم ١٣ بإبادة الشيوعيين. على إثر ذلك انطلقت حملة تضامن خارج العراق، بدأت بأول خطوة جماهيرية للتضامن مع الشعب العراقي، حيث دُعي إلى تجمع في مركز فسيح جدا بالعاصمة الجيكية براغ ضم العراقيين، وفعلا اكتظت القاعة بالحضور حتى أن عدد الواقفين كان أكثر من الجالسين. ونتيجة لهذه الاستجابة الكبيرة من القوى والشخصيات الديمقراطية العراقية انبثقت (لجنة الدفاع عن حقوق الشعب العراقي) وبدأت نشاطها بعقد مؤتمر صحفي حضرهُ مندوبون من الصحف الشرقية والغربية، وتم إنتخاب الشاعر محمد مهدي الجواهري لرئاستها، فضلاً عن لجنة عليا لقيادتها تكونت من الدكتورة نزيهة الدليمي وفيصل السامر ومحمود صبري ورحيم عجينة وعبد المجيد الونداوي وكمال فؤاد ونوري شاويس ومراد عزيز، وكانت تلك اللجنة تُدعى للمؤتمرات باعتبارها حركة ديمقراطية عامة، وتألفت لجان فرعية في بلدان عديدة نشطت في تعبئة المنظمات والصحف والإذاعات المحلية لمساندة الشعب العراقي. ولعل واحداً من أبرز نشاطاتها هو الدور المشهود لرئيسة رابطة المرأة العراقية نزيهة الدليمي في مؤتمر النساء العالمي الذي انعقد في موسكو حزيران ١٩٦٣، إذ أدى وفد الرابطة دوراً كبيراً في اقناع  الرئيس السوفيتي نيكيتا خروشوف بإرسال برقية إلى عبد السلام عارف طالبه فيها بالكف عن اضطهاد النساء العراقيات واصفاً صدور حكم الإعدام بحق عدد منهنَّ بالمفجع، وأدى هذا الضغط إلى إلغاء حكم الإعدام واستبدالهِ بالسجن، والمعتقلات كنّ زكية شاكر و سافرة جميل حافظ وليلى الرومي، القائدات في رابطة المرأة، حتى أطلق سراحهنَّ عام ١٩٦٦.

وكان من نشاطات الحركة ايضا ضم عدد من أعضاء مجلس النواب البريطاني في عضويتها، كما تمكنت من كسب الفيلسوف البريطاني (برتراند رُسل) إلى رئاستها، فضلاً عن نجاحها في إرسال لجنة تحقيقية إلى العراق برئاسة النائب العمالي (ويلي غريفتس)، إذ نجح في تقديم تقرير مهم عن الأوضاع في العراق ساهم في تعبئة الرأي العام البريطاني ضد ما كان يرتكب من انتهاكات فيه، وتمكنت الحركة من كسب عدد من الشخصيات العالمية الكبيرة، ففي فرنسا ترأس اللجنة (جاك كولان) الاستاذ في جامعة السوربورن، فضلا عن مساهمة شخصيات حكومية في دعم الحركة مثل رئيس وزراء المانيا الديمقراطية وجيكوسلوفاكيا وبلغاريا ورئيسة وزراء الهند أنديرا غاندي، والرئيس الكوبي فيديل كاسترو والرئيس الغاني نكروما . نشاط هذه اللجنة كان موجعاً للانقلابين حيث فضحهم عالمياً، فكان رد فعل تلك السلطات الرجعية هو إصدار مديرية الأمن العامة يوم السادس عشر من تشرين اول ١٩٦٣ كتابها المرقم ١٥٨٩ الذي نص على سحب الجنسية العراقية عن الدكتورة  نزيهة الدليمي ورفاقها، محمد مهدي الجواهري وفيصل السامر وصلاح خالص وهاشم عبد الجبار ونوري عبد الرزاق حسين وعبد الوهاب البياتي وذو النون ايوب وغائب طعمة فرمان ومحمود صبري وآخرين، فيما أصدر الحاكم العسكري العام امراً بحجز أموالهم المنقولة وغير المنقولة استنادا إلى كتاب كان قد صدر في ١٤ شباط ١٩٦٣.

اما المناضلات اللواتي شُملن بتخفيف حكم الإعدام إلى السجن فكنَّ:

١) زكية شاكر (١٩٣٠ ـ ٢٠٠٠) إحدى المؤسسات لرابطة المرأة، والمناضلة من اجل حقوق المرأة والمدافعة عن ثورة ١٤ تموز. تخرجت من كلية التجارة والاقتصاد أوائل الخمسينات، وكانت من النساء القلائل في الجامعة آنذاك، وهناك تعرفت على زوجها كاظم جواد. اعتقلت بعد أيام من الانقلاب، وتعرضت للتعذيب والضرب والإهانة في قصر النهاية، وكان من المجرمين الذين اعتدوا عليها صدام حسين، وشهدت تعذيب القائد سلام عادل ورفاقه، وبعد تخفيف الإعدام نُقلت إلى سجن النساء، وهناك كان دورها كبيرا بين النساء السجينات إذ استطاعت وضع جدول عمل لهنَّ وأسست مكتبة هناك. بعد إطلاق سراحها عام ١٩٦٦، قامت هي وزوجها الذي كان نزيلا في نقرة السلمان بفتح محل بقالة، وبعد فترة عادت للوظيفة فعملت مدققة للحسابات في وزارة العدل، وأحيلت للتقاعد المبكر نتيجة نزاهتها وكشفها للفاسدين، فيما عمل زوجها في شركة التأمين. لم تمض حياتهم سهلة مع استفزازات البعث واجهزته، مما اضطرهم إلى الهجرة والالتحاق بأبنائهم وأحفادهم في السويد. وحتى هناك لم تهنأ طويلا، فقد داهمها مرض عضال أتى عليها في شهر آب عام ٢٠٠٠.

٢) سافرة جميل حافظ، قاصة ومناضلة. من مواليد بغداد العام ١٩٣١، درست في كلية الآداب. بداياتها الأدبية كانت منذ الدراسة الابتدائية والمتوسطة والثانوية حتى الجامعية، حيث كتبت ونشرت العديد من القصص  وربما تكون أول امرأة كتبت القصة القصيرة، كما عملت في الصحف مٍحررة لصفحة المرأة في جريدتي البلاد والاخبار، تعرضت للتوقيف أول مرة عام ١٩٥٢، شاركت في تأسيس رابطة المرأة العراقية في يوم ١٠ آذار ١٩٥٣، واعتقلت لأول مرة عام ١٩٥٦ عقب المظاهرات المنددة بالعدوان الثلاثي على مصر، والمرة الثانية كانت بعد أيام من انقلاب شباط الدموي هي وزوجها الشهيد محمد حسين ابو العيس حيث لجأ الفاسشت إلى أقذر الطرق في كسر ارادة المعتقلين وذلك  بتعذيبها أمامه وتعذيبهِ أمامها أو أمام رفاقهم المعتقلين وخاصة سلام عادل ورفاقه الأماجد. ساهمت بكل النشاطات الوطنية بعد العام ٢٠٠٣، وكان حضورها واضحا في الساحة الادبية، حيث قدم لها اتحاد الادباء والكتاب لوح الابداع ناهيك عن العديد من الجوائز التقديرية من جهات متعددة. منذ ثلاث سنوات حولت مكتبتها وجزءا من دارها في منطقة الكرادة إلى مكتبة عامة للقراءة ودعت اليها كل محبي الكتاب والثقافة، هذه الخطوة التي قامت بها جاءت وفاءً لوالدتها التي كانت تردد على مسامعها (لو كنتُ اجيد القراءة، لقرأت مكتبات بغداد جميعها، لأن القراءة هي التي تفتح لكم آفاق المعرفة وفهم العالم).

 ٣) ليلى الرومي، طبيبة اختصاص بالأطفال، مناضلة طلابية ونسائية ووطنية. ولدت في مدينة العمارة ونشأت في بيئة مندائية متفتحة، إذ ساهم والدها غضبان الرومي الذي كان تربوياً، في زرع حب العلم والمعرفة بين جميع ابنائه وبناته حيث لم يكن يفرّق بينهم. دخلت الابتدائية والثانوية في بغداد. في الصف الرابع الثانوي (١٩٥٥) فصلت من الدراسة لعام نتيجة نشاطها السياسي. دخلت كلية الطب عام ١٩٥٧، ووصلت الصف السادس حيث كان مقررا أن تتخرج عام ١٩٦٣، لكن حدوث الانقلاب قلب حياتها رأساً على عقب. فقد تعرضت للاعتقال يوم ١٨ شباط ٦٣ ونقلت إلى قصر النهاية يوم ٢١ شباط، وتعرضت للتعذيب مع قادة الحزب الشيوعي من رجال ونساء وبضمنهم الشهيد سلام عادل. كانت ليلى الرومي وزكية شاكر وسافرة جميل حافظ من ضمن قائمة بـ ٢٤ اسما قد صدر حكم الإعدام بحقهم ليلة ٢٤ شباط ١٩٦٣، لكن جرى عزل النساء الثلاث مؤقتا ونفذ الحكم بالرجال الذين دفنوا في مكان مجهول. وبعد تسرب أسمائهم للخارج وبدء حركة التضامن مع السجناء جرى تخفيف الحكم إلى السجن حتى أطلق سراحها عام ١٩٦٦. حاولت العودة للكلية الطبية لإكمال الثلاثة شهور المتبقية لكنهم رفضوا عودتها، مما اضطرها لإخراج جواز مزور والسفر إلى بولندا وتعلم اللغة والدراسة هناك لعامين حتى تخرجت عام ١٩٧٠، سافرت بعدها الى المملكة المتحدة حيث تخصصت بطبابة الاطفال وتعمل في أرقى المستشفيات البريطانية. أما على صعيد النشاطات السياسية والثقافية فهي دائمة المشاركة وايضاً تعمل بنشاط في الجمعيات المندائية وخاصة النسوية.

عرض مقالات: