اخر الاخبار

يجري الحديث في بعض الاوساط السياسية الكردية، وحتى بين بعض الاوساط الثقافية والاكاديمية وحاملي الشهادات العليا، عن مفهوم غريب يشير الى وجود احزاب كبيرة وأخرى صغيرة، وذلك لتضليل الناس عبر بث مفاهيم منافية للحرية والديمقراطية والتعددية السياسية، وإيهامهم بعدم وجود فائدة ترتجى من بعض الاحزاب والمنظمات، التي ليس لها مقاعد في البرلمان، او لها عدد محدود من المقاعد.

والغريب أن مرددي هذا المفهوم، نسوا أو تناسوا، أن يشيروا الى علاقة عدد المقاعد بإستغلال السلطة وبنهب الاموال وبتسخير العلاقات الدولية والاقليمية وبإستغلال الدين. تغافلوا عمداً أو سهوا عن حقيقة تؤكد بأن مكانة أي حزب تأتي من مواقفه الوطنية، من نضالاته السياسية، من تبنيه لطموحات الناس وأحلامهم ومصالحهم في حياة حرّة وكريمة. ولعل أبرز مثال على ذلك  الحزب الشيوعي العراقي بتاريخه الناصع والمعمّد بالتضحيات. وسأدع ذلك التاريخ الطويل، وأكتفي بالعقود الثلاثة الماضية، أي بعد إنتفاضة شعبنا في آذار 1991، حيث رفض الحزب، أي حوار مع نظام البعث، المدان بما ارتكبه من جرائم كأستخدام الاسلحة الكيمياوية وعمليات الانفال سيئة الصيت وتدمير اكثر من خمسة آلاف قرية كوردية، وبقيّ مصّراً على مهمة إسقاطه، فسّطرت بيشمركته مع رفاقهم من بيشمركة احزاب الجبهة الكوردستانية، مواقفاً بطولية وتاريخية، جعلت المواطنين في طمأنينة، اذا ما كان الشيوعيون موجودين بالقرب منهم.

كما كان الحزب القوة الرئيسية التي وقفت بقوة وشدة ضد سرقة وتهريب الاليات الثقيلة الخاصة بالبناء والاعمار، وادان تلك الافعال، وقام رفاقه، المتواجدون في اي منفذ حدودي، بمنع تهريب وعبور مثل تلك الآليات. وكان الحزب أول من طرح مسألة الفيدرالية لكوردستان، ودافع عن الديمقراطية ورفض تزوير الإنتخابات ودعا الى التخلي عن تقسيم المناصب مناصفة لأن ذلك سيجر الكوارث والإقتتال الداخلي وهو ما جرى فعلاً، فدفع الحزب لأن يلعب دوراً كبيراً ومشرفاً لإعادة الوئام والتعاون الى الساحة الكردستانية. وواصل الحزب نضالة الطبقي والوطني، وبحرص ومبدأية عالية، فحذر من الفساد المستشري، ومن هدر الثروات وغياب مبدأ تكافؤ الفرص في التشغيل وفي احتلال المواقع المهمة على اساس التزكية الحزبية والمحسوبية والمنسوبية، لما ستؤدي له من عواقب وخيمة على تجربة كردستان. فهل يعقل بعد هذا كله، أن يصف عاقل ومنصف، هذا الحزب بأنه من الأحزاب الصغيرة؟!

كان لنا في مدينة الحويجة، رفيق يدعى داوود الزرعد، من الشخصيات الاجتماعية المعروفة، التي انتمت للحزب الشيوعي العراقي منذ مطلع شبابه. وقد سجن الرفيق الزرعد مع الرفيق «فهد» وعرف بوطنيته وتضحياته دوماً وخاصة في أصعب الاوقات واحلك الظروف. وكان يتعرض لتعذيب قاس، كلما أعتقل في شعبة امن الحويجة أوفي مديرية الامن العامة في كركوك، دون أن يتمكنوا من النيل منه او كسر عزيمته. في إحدى المرات التي أعتقل فيها، إدعى الجلادون دهشتهم من أن يكون الزرعد، العربي السني الحويجي، لابس العقال واليشماغ، شيوعياً، شاتمين إياه ومشددين من تعذيبه وهم يكررون استغرابهم من أن يكون لابس الزي العربي شيوعياً. فما كان من الرفيق الزرعد الا أن نزع عقاله ويشماغه وقال لهم، خذوا الزي واتركوا لي شيوعيتي. وأكرر أنا هنا كما قال «داوود الزرعد»، خذوا أحزابكم الكبيرة، خذوا خطاياكم، واتركوا لي شيوعيتي، اتركوا لي فخر المواقف الوطنية المشرفة، نظافة اليد والتاريخ الساطع، فنحن كبار بذلك.