اخر الاخبار

أعلنت وزارة الدفاع البريطانية عن عزمها ارسال قذائف خارقة للدروع من اليورانيوم المنضب لدبابات تشالنجر – 2 إلى أوكرانيا. ووصفت روسيا استخدام هذه القذائف بأنها خطوة جديدة في تصعيد النزاع. وحذرت وزارة الدفاع الروسية والسفارة الروسية في بريطانيا من أن قذائف اليورانيوم المنضب ستؤثر على صحة مستخدميها والسكان المحليين على حد سواء. وستعتبر عملية تسليم القذائف المحتوية على اليورانيوم إلى كييف بمثابة استخدام للقنابل النووية القذرة. 

أعتقد أن العراقيين، وخاصة سكان البصرة، وكذلك اليوغوسلافيين والسوريين يتذكرون جيدا مدى الأخطار الناجمة عن هذا السلاح الذي استخدمته الولايات المتحدة وحلفائها في هذه البلدان والآثار والآفات المدمرة المميتة التي نتجت عنه والتي يعاني منها سكانها من الرجال والنساء والشيوخ، وخاصة الأطفال، إلى يومنا هذا.

وقبل أن نذكر الرأي العام العالمي بجرائم الإبادة الجماعية التي اقترفتها الولايات المتحدة وبريطانيا باستخدامها قذائف اليورانيوم في هذه البلدان لا بد أن نعود إلى علم الفيزياء لكي نلقي نظرة على ماهية “اليورانيوم المنضب او المستنفد” المستخدم في هذا النوع من الأسلحة.

يحتوي اليورانيوم الطبيعي على 99,23% من اليورانيوم 238 وعلى 0,72% من اليورانيوم 235  و 0,0055% من اليورانيوم 234. وهذه هي أهم نظائر اليورانيوم الطبيعي، والتي تتفكك بمرور الزمن إلى عناصر مشعة اخرى، وفي النهاية إلى نظائر عنصر الرصاص المستقرة غير المشعة.

وعند الحصول على اليورانيوم المخصب (او المركز) فأن عملية فصل النظائر تسمح باستعادة جزء كبير من اليورانيوم 235 الذي يستخدم لأغراض الطاقة النووية أو انتاج الأسلحة النووية او الاستخدامات الأخرى. أما الباقي، والذي يسمى “باليورانيوم المنضب” فيحتوي على 0,2 – 0,4% من اليورانيوم 235. ويمكن الحصول من اليورانيوم الطبيعي على نسبة منخفضة جدا من اليورانيوم 235. وتنتج عملية التخصيب كميات كبيرة من اليورانيوم المنضب.

على سبيل المثال لغرض انتاج كيلوغرام واحد من اليورانيوم المخصب بنسبة 5% يلزم استخدام 11,8 كيلوغرام من اليورانيوم الطبيعي، ويبقى حوالي 10,8 كيلوغراما من “اليورانيوم المنضب” والذي يحتوي على 0,3% فقط من اليورانيوم 235.

   واليوم ينوي الغرب، وخاصة بريطانيا، استخدام اسلحة “اليورانيوم المنضب” في أوكرانيا واستئناف جرائم القتل وابادة الجنود الروس وسكان أوكرانيا إلى آخر جندي أوكراني مثلما فعلوا عام 1991 في حرب الخليج وفي الحرب في البوسنة وخلال قصف يوغوسلافيا وفي الحرب العراقية عام 2003.

فالولايات المتحدة استخدمت هذا السلاح المخيف في العراق وجعلت من أراضيه ميدانا لتجارب “اليورانيوم المنضب” وآثاره المميتة على سكان العراق وخاصة البصرة. ويذكر أن الجيش الأمريكي استخدم حوالي 14 ألف من قذائف الدبابات المحتوية على “اليورانيوم المنضب”. واجمالا استخدمت أمريكا حوالي 300 طن من “اليورانيوم المنضب” في عملياتها الاجرامية ضد الجيش العراقي. وفي الواقع أكد البنتاغون في تصريحات عديدة على استخدام كميات كبيرة من الأسلحة الحاوية على “اليورانيوم المنضب” في الحرب ضد العراق.

ويشير علماء البيئة إلى أن الخطر الاشعاعي الرئيسي من “اليورانيوم المنضب” يظهر عندما يدخل جسم الانسان بشكل غبار. ومن المحتمل جدا أن يتسبب الاشعاع وجزيئات اليورانيوم الصغيرة المترسبة في الرئتين والمسالك الهوائية والمريء في تطور الأورام الخبيثة. ويتجمع اليورانيوم أساسا في العظام وتركيزات أقل في مختلف الأعضاء والأنسجة الأخرى. بالإضافة إلى أن هذا النوع من اليورانيوم يعتبر مصدرا لتلوث البيئة، خاصة التربة، والذي تستمر آثاره المسممة على مدى عشرات السنين.

وذكر عالم البيئة الروسي، العضو المراسل في اكاديمية العلوم الروسية ألكسي يابلوكوف عام 1999 أن القذائف الخارقة للدروع التي استخدمها الناتو تطلق “اليورانيوم المنضب” إلى الغلاف الجوي بشكل “رذاذ خزفي” بإمكانه ان ينتشر إلى مسافة عشرات الكيلومترات. وعند دخول هذا الرذاذ جسم الانسان تتراكم الجزيئات في الكبد والكلى ما يساعد على الاصابة بالأمراض السرطانية وخلق آفات مختلفة في الأعضاء الداخلية وتشويهات في الأجيال اللاحقة على المستوى الجيني.

ومن المعروف أن أخطار “اليورانيوم المنضب” وآثاره لا تنحصر فقط على سكان المنطقة التي استخدمت فيها هذه الأسلحة، انما على أفراد القوات التي استخدمتها ايضا. فبعد حرب الخليج عام 1991 تبين أن عدة آلاف من الجنود الأمريكيين والبريطانيين أخذوا يعانون من أمراض مختلفة مرتبطة بضعف وظائف الكبد والكلى وانخفاض ضغط الدم وسرطان الغدد الليمفاوية واضطرابات عقلية وتشوهات ولادية في الأجيال اللاحقة.

وأشار ألكسي يابلوكوف إلى أنه ازدادت في الأراضي العراقية الملوثة باليورانيوم في منطقة البصرة ب 3 – 4 مرات وتيرة الولادات المبكرة والتشوهات عند الأطفال حديثي الولادة وسرطان الدم وانواع أخرى من السرطان. واضاف يابلوكوف ان التشوهات الولادية، مثل انعدام العيون والآذان والتئام الأصابع والأوعية الدموية، وجدت في أكثر من 60% من الأطفال المولودين في عائلات جنود أمريكيين قاتلوا أثناء النزاع.

وفي الواقع، وكما هو معروف، أن أوكرانيا سبق وأن عانت من التسرب الاشعائي في كارثة تشرنوبل النووية، واليوم يجب أن تكون حذرة من المغالاة في استخدام قذائف اليورانيوم المنضب والانجرار وراء أسيادها الغربيين المتهورين على أساس أنها واحدة من أهم الدول المنتجة والمصدرة للحبوب والبذور الزيتية في العالم، وعليها ان لا تتجاهل المخاطر المحتملة والتلوث البيئي الناجم عن اليورانيوم الذي سيضر بأوكرانيا قبل كل شيء.

ان استخدام هذه القذائف من قبل النظام الأوكراني هو بمثابة إبادة جماعية لشعب أوكرانيا نفسه وتهديد كبير لطبيعته الغنية والذي ستبقى آثاره الكارثية، في حالة الاقدام على هذه الجريمة، على مدى أجيال كاملة.

عرض مقالات: