اخر الاخبار

كأنّي أراه

مِن قريبٍ وبعيدٍ معاً

في حُلمِ ليلةٍ من ليالينا القديمة

في طبيعة صامتة لا تضاهى

جالساً على كرسيٍّ مِن جريدِ النّخل

أمامه منضدةٌ عليها قصبٌ ومحبرة

وكتاب طوق الحمامة.

يحدّقُ في الماء

يُصغي لموسيقى المياه في نهرِ الكوفة.

ابتسامتهُ ذاتها لم تتغير قط،

نظرةُ عينيه ذاتها،

تنظرُ في البعيد، تستفهمُ كلَّ شيءٍ

القصور، التي تطلُّ على النّهر، بهتت ألوانهاِ

تمضي مع النهر  إلى البعيدِ

تصيرُ مثل رسومٍ  لا تفاصيلَ لها

بلاسم على كرسيّهِ لا يتحرّكُ

لا يسمعُ ما أقول

كأنّي في حُلمٍ وهو يجلسُ في الحقيقة .

 أراه في غرفةٍ تطلّ على حديقةٍ في المساء

يخرجُ منها حاملاً خطوطه

ورواية “جوستن .”

يصعد سلّم “مجلتي” مبتسماً، كعادته

كان ذلك مِن زمنٍ بعيدٍ في الوزيرية

سوياً سنمضي، أوّل اللّيل، إلى السينما

الفيلم كان فرنسيا والسينما سمير اميس.

 ذات مساءٍ، في بيتٍ بغدادي قديم

وكانت أحلامنا ما تزال في عذوبتها

أسرّ لي بقصةِ حُبٍّ ضاحكاً

عيونٌ مِن الزّمردِ وشعرٌ بلونِ اللّيلِ

 بعد دهورٍ أسأله عن نهاية القصّةِ

فيضحكُ ذات ضحكته  القديمة..

انتهت بكارثة! يقول لي .

وتسرحُ ضحكته في شوارعِ روما أوّل آذار .

“فقدت ابتسامتك وفقدت شعري “

يقول لي .

“ فقدنا كلَّ شيءٍ الا صداقتنا .”

زمانٌ عجيب

لم يرأف بنا ساعةً،

أقول له، وكانَ يسحلُ سترته الزّرقاء

قريباً من الكوليزيه .

كان عقيل وعبد الرّحيم خلفنا

وينقصنا سهام  كي نعودَ إلى الماضي .

 أراهُ في البيتِ، بيته المحاذي لدجلة

هناك، في مدخلِ الدّارِ، تشمُّ رائحةَ الماءِ

عطر وردةِ الجوري على يمين الحديقةِ

والظّلالُ على “طارمة” الدّارِ

ترسمُ خطوطاً مستقيمةً.

ورشتهُ في الطّابق الأوّل

نافذةٌ كبيرةٌ، لوحاتٌ، أوراقٌ وقناني ألوان،

كتبٌ تزاحم بعضها بين الموائدِ والرّفوفِ، وصور العائلة 

يهبطُ السّلمُ مسرعاً،

حاملاً ألبومَ صورٍ مرّت عليها سنين

لمياء تدندنُ أُغنيةً قديمةً

واقفة تركّبُ كيمياء الطّعام

رائحة الرّز تأتي وتغزو المكان

تختلط التّوابل بضحك أطفاله وضجيج الأصدقاء

في الكؤوسِ يذوبُ الثّلج في ثوانٍ

فيضيفُ بلاسم ثلجاً في الكؤوس

نحن في رابعةِ النّهارِ

والنّوارسُ ما زالت تحلّقُ فوقَ دجلةَ .

سيأتي ربيعٌ ينطحُ آذارُ نيسانَ فيه

من كتابِ الأساطيرِ تهبُّ عاصفة

رياح من ثمود تقلعُ وردةَ الجوري

مدخلُ البيتِ، الظّلال

ورشة الفنان، عطور النّهاراتِ

أحرفُ الأبجدية

كرّاسة هاشم

أغاني لمياء

وابتسامة أخي عن شفتيه

في صباح الأربعاء

الماء في دجلة يصير غباراً

بغداد يجلّلها السّواد

والكوفة يجهشُ صفصافها بالبكاء .

لماذا؟

أصرخُ في البعيدِ

في نهار أوروبا المعلّب بالوباء

بلاسم! لماذا؟

لماذا يا أخي تُغادرُنا الآنَ

ألم ننتظر كلّ هذي السّنين؟

لماذا لا تنتظرُ ولو عاماً

شهراً  كي يمرَّ الرّبيع

ونلتقي بعد أنْ يخفتَ النّرجس

ويأتي الصّدى: نيسان

أقسى الشّهور علينا وعلى العراق.

في التّاسع منه تسقط بغداد

ويتهاوى صديق العمر مضمّخاً بالطّيبِ

وعطرِ الفراق.

عرض مقالات: