اخر الاخبار

كانت مشاعرهما مرتبكة بين قلق وفرح خفي بدأ يساورهما حال توفير المال الكافي لشراء قطعة الأرض التي ستكفيهما هما وأولادهما بالكاد.. وما أن عزما على ذلك حتى انطلقا يبحثان عن أنسب مكان يليق بشيخوختهما.. قال ممازحا.

- سأزرع ما يتاح لنا من مكان..

ابتسمت وردت بحبور.

- ما الذي ستزرع يا رجل؟

ضحك بسعادة متناغما مع وهج صباح ذلك اليوم الربيعي.

- سأزرع العشب الأخضر وبعض أشجار الرمان.

ردت بقلق.

- ومن سيديم اخضرارها؟

استدرك قائلاً.

- الأولاد طبعاً.. لديهما القوة الكافية لفعل ذلك.

انزعج الشيخ الذي كان يقود السيارة من وعورة الطريق بعد أن تجاوز الشارع المبلط بالإسفلت،.. طلبت منه زوجته أن يتوقف قليلا لكي يتفحصا هذا المكان فهو على ما يبدو أكثر زحاماً ورحابة من بقية المناطق ثم قالت.

- لنشتر قطعة الأرض هنا.

لم ينبس الرجل بكلمة بل هز راسه رافضاً فكرتها وأدرك بأنهما لم يتفقا يوماً طوال عمريهما  فكيف سيتفقان على اختيار قطعة الأرض ولكي ينحر فضولها ولهفتها لسماع الجواب قال.

- الأرض في هذا المكان باهظة الثمن..

ثم مضت السيارة تنهب الطريق وأضاف.

- لنجد مكاناً ينعم بالهدوء بعيداً عن هذه الضوضاء، فنحن أحوج ما نكون إلى الهدوء والسكينة.

زمت شفتيها وأدارت رأسها غاضبة باتجاه النافذة وهي تتطلع إلى الناس وهم يتسارعون في خطواتهم.. صمتا قليلاً ثم أعلن الشيخ مبتهجاً.

- سيكون لمنظر الحديقة أثراً مبهجاً في نفوسنا ونحن ننعم بالراحة.

لم تحر الزوجة جوابا وكانت تنتظر دوره لإرضائها بكلمة أو العدول عن قراره في الأقل. بعد قليل أوقف السيارة في أرض تنفتح على الصحراء وهي تسترخي تحت شمس الربيع ولم يمنع نفسه من التفكير ببشاعة الحر في الصيف القادم وقسوة الشمس اللاهبة التي لن تتردد في إحراق رؤوسهم الحاسرة...قال الرجل واثقا.

- هيا ترجلي لننظر إلى هذه القطعة من الأرض.

ردت الزوجة بعصبية.

- ألم تجد مكانا غير هذا؟ نحن في نهاية العالم...

فرد الرجل جازماً.

- لن تكفي نقودنا صدقيني ولكن هذه الارض افضل من تلك فهى مازالت رافلة بالصمت والهدوء...

سارا بتثاقل نحو الأرض التي لم يتفقا على شرائها، بيد أن المرأة بقيت واجمة ومكفهرة الوجه لأنها لا تحب الأماكن الهادئة وتفضل الضوضاء والحركة الصاخبة... بلا اتفاق توصلا إلى حل مقنع الى النتيجة حيث وعدها الرجل بأنه لن يقصر في تدشين الأرض وتزيينها.. بعد أن نالا  بهجة متساوية واطمأنا بأن الأرض ستكون لهما حتماً وستعود ملكيتها إلى أحد منهما، قال الرجل وكأن طاقة عجيبة حلت في جسده وهو يلوح في الفراغ.

- ستكون الغرف هنا وبمحاذاتها ستزدهي الحديقة.

أيدته المرأة واعترضت.

- لا تحلم كثيراً..

أقفلا عائدين وبقايا سعادة غامرة ترتسم على وجهيهما وفلول خيبة صغيرة بدت واضحة في العيون الكابية. وعلى امتداد الطريق كانت شواهد القبور تترى أمام ناظريهما وهما يتطلعان عن كثب من نوافذ السيارة.

عرض مقالات: