اخر الاخبار

هبّ من رقاده على نحو مفاجىء، وصار يتشمم يده اليمنى مرعوباً. مد يده الأخرى وضغط على زر المصباح الكهربائي المنتصب على منضدة واطئة إلى جوار رأس السرير فشعّ ضوء باهر تبين معه أن الساعة الجدارية المواجهة له تعلن تجاوز منتصف الليل بساعتين. صار يتشمم يده اليمنى من جديد فانتبه إلى أن زوجته بدأت تتململ وتفرك عينيها قبل ان ترفع نصف جسدها العلوي. أحتد صوتها بعض الشيء:

 ماذا هناك يا سلطان؟

ــ يدي !

ــ يدك اللعينة نفسها؟

هزّ رأسه مؤكداً .

ــ انها لعبتها على ما يبدو.ما الذي حدث هذه المرة؟

ــ أشم رائحة دم فيها.

ــ رأيتَ حلماً مزعجاً على مايبدو.

ــ أقسم لك أنني لم أعد أرى أحلاما ً. ما أعانيه من مشاكل لايترك لي فرصة لأن أمارس الحلم مثل بقية خلق الله !

مد يده إليها:

ــ تشمميها من فضلك.

التقطت كفه وقربتها من أنفها. أعادتها على عجل. قالت وهي تكتم ابتسامة:

ــ لا أشم رائحة دم إنما بقايا رائحة مقززة.

ــ أية رائحة؟

ــ ما يشبه الرائحة التي تنبعث من مجاري المياه الثقبلة.

لم تدعه يخرج من ذهوله:

ــ هل مددت يدك في المنهول هذا اليوم؟

وانفجرت ضاحكة. احتد صوت احتجاجه:

ــ أي كلام هذا؟ انك تثيرين غضبي.

 احتجّت وهي تعيد رأسها إلى الوسادة:

ــ ولماذا أثير غضبك؟

ــ هل تظنين أن رجلاً في مثل موقعي يمكن أن يفعل ذلك؟

ــ إنني أمزح معك.

مدت يدها ومسكت ذراعه وسحبته فاستقر رأسه على الوسادة المشتركة. قالت:

 أطفىء الضوء ودعنا ننام، والصباح رباح.

 فعل منصاعاً للطلب لكن لم يغمض له جفن. يرفع يده اليمنى. يتشممها فيصير في يقينه أنه يشم رائحة دم. من أين تأتي رأئحة الدم هذه وليس في يده أي جرح؟ زايلته الرغبة في معاودة النوم ولكن القلق والتوتر لم يزايلاه وها أن شعاع الشمس يتسلل الآن إلى الداخل خلل الفجوات الضئيلة بين ستائر النافذة. لم يفقد الرغبة في تناول الإفطار فجسده الذي يبدو مثل جسد فحل جاموسٍ مبشوم يلح عليه بطلب المزيد من الطعام. لن يذهب إلى مقر عمله هذا اليوم وقد لازمه تشمم يده مثل عادة متأصلة. أخفت زوجته ابتسامة ماكرة وهي تقترب منه:

 لماذا لا تمارس طقوسك المعتادة؟

ــ أية طقوس تعنين؟

ــ تلك التي تحاول ان تخدع نفسك بها؟

احتد صوته:

كوني صريحة معي. لست في وضع يسمح لي أن أسمع ألغازاً.

ضحكت:

ــ لا تغضب يا زوجي العزيز. أعني زياراتك للأضرحة وقراءتك للأدعية وتوزيعك للصدقات وصلاتك دون وضوء أحياناً.

قذفها بنظرة استياء لكنه شكرها في قرارة نفسه. لقد فتحت أمامه منفذاً للخلاص. خرج ولم يعد إلاّ في المساء , لثلاثة أيام ظل يخرج صباحاً ويعود مساءً يمارس طقوسه لساعات، لكنه حين يعود ويتشمم يده يجد ان رائحة الدم لازالت صامدة.قالت زوجته:

ــ لماذا لا تعرض نفسك على أحد الأطباء؟

استحسن الفكرة وكان ضحى اليوم التالي قي عيادة صديقه الطبيب المتمرس. قال شاكياً:

ــ يدي اليمنى يادكتور. منذ ثلاثة أيام وأنا أشم فيها رائحة دم.

ــ دعني أراها.

أخرج يده من جيب سترته بحذر. تلمسها الطبيب وتشممها فلم يشم رائحة دم. قال ممازحاً وهو يضحك:

ــ هل سبق لك أن قتلت أحداً؟

أذهله ما سمع. لهوج على عجل:

ــ أبدا.

صمت لحظة وما لبث أن عاد يقول:

 أعترف بأنني مارست التعذيب في النادي الرياضي في تلك الجمعة التي يسمونها بالجمعة المشؤومة او الجمعة السوداء. أعترف أيضاً انني شاركت في اغتصاب الفتيات المعتقلات لكنني لم أقتل أحداً.أقسم بالبيت الذي حججت إليه أكثر من مرة انني لم أقتل أحداً.

خيّل للطبيب أنه يسمع همهمة غامضة ورأى صاحبه يخفي يده على عجل.قال:

 أكاد أسمع صوتاً غريباً.

حاول الآخر أن يتهرب لكنه تراجع امام الحاح الطبيب. قال:

ــ إنها يدي يا صاحبي. يدي اليمنى التي أشم فيها رائحة الدم.

ــ لم أفهم ما تعني.

ــ سأكون صريحاً معك. انها تتكلم معي أحياناً.

تملّكت الطبيب الدهشة و كتم ضحكة كادت تفلت من فمه:

ــ وماذا قالت لك الآن؟

حاول أن يتهرب. قال الطبيب:

 تعرف أننا يجب أن نتعرف على الداء لكي نصف الدواء.

قال الاخر بعد هنيهة تردد:

ــ ما إن سمعتني أقول: لم أقتل أحداً حتى انبرت قائلة: ولكنك أصدرت الأوامر بالقتل بهذه اليد.

ظل الطبيب واجما للحظات انتزعه منها صوت صاحبه:

ــ وما العلاج يا صاحبي؟

ــ لا علاج للتخلص من هذه اليد سوى البتر.

عرض مقالات: