توماس سيبييه (1512-1589) مترجم وكاتب مقالات ومحامٍ وشاعر أفلاطوني جديد، معروف بشكل خاص عبر كتابه "الفن الشعري الفرنسيّ" Art poétique français الذي نُشر في جزئين عام 1548. وقد ألهم جواكيم دو بيليه ليكتب عام 1549 كتابه الشهير "دفاع وتوضيح للغة الفرنسية".
من أعماله:
ـ الفن الشعري الفرنسي، لتعليم الطلاب الشبان، المتقدّمين في الشعر الفرنسي (1548).
ـ ايفجنيا مسرحية ليوربيديس، نقلها من اليونانية إلى الفرنسية.
ـ مديح النساء، ابتكار مستمد من تعليق بانتاغرويل على كتاب أندروجيني لأفلاطون (1551).
ـ مفارقة ضد الحب، ترجمة لأعمال باتيستا فريغوسو Battista Fregoso (1453-1504)، دوق جنوة عام 1581.
يبدو أن الثقافة الفرنسية بين 1548 إلى 1610 قد شهدت مع صدور كتاب سيبييه "الفن الشعري" في عام 1548، معرفة ميدانية جديدة ونوعًا أدبياً منصبّاً بشكل رئيسيّ على الاهتمام بالفن الشعري.
مصطلح "الفن الشعريّ" خرج من فن الخطابة الإغريقي ليصبح نوعًا في حد ذاته. لم يعد الشعر يُعالَج بصفته فن النظم فحسب؛ وجرى التركيز علي قيمة ووظائف الشعر وأبراز القضايا التي لا يمكن تفسيرها بيسر كالإلهام. طرح توماس سيبييه القانون المؤسّس ولم يتبع خطى منظّري الشعر حتى زمنه: دو بيليه Du Bellay (1549)، وكلود دي بواسيير Claude de Boissière (1554)، ورونسارد Ronsard (1565)، وبيير لودون دايغاليرز Pierre Laudun d’Aigaliers (1597)، وفوكلان دو لا فرسنيه Vauquelin de La Fresnay (1610) وأخيراً بيير دي ديمييه Pierre de Deimier وأكاديمية الفن الشعري. مع هذا الأخير ثمة عودة إلى عقائدية صارمة. كان تعبير "الفن الشعري الفرنسي" هو المستخدم دائمًا تقريبًا. يعود مصطلح "الفن الشعري" إلى هوراس، وأضاف توماس سيبييه الصفة "الفرنسي" له وبدأ نوعًا جديدًا في فرنسا؛ وقد لعب سيبييه مثل هوراس دورًا تأسيسيا للمنظرين الذين اتبعوا خطواته. وكان هو الذي حدّد موضوع الشعرية، أي ما هو مكتوب في أبيات الشعر، وكان التعريف النظميّ أي الشعر بصفته نظماً، بالكاد موضع تساؤل من قبل خلفائه. كان الرجل نفسه أيضًا هو من حدّد مجال الشعريات الفرنسية مستثنيا نتاج اللغة اللاتينية أو النتاجات اللهجوية لشعراء فرنسيين. تمحور الفن الشعريّ من حينها أذن حول الدفاع عن للغة الدارجة التي ستصير الفرنسية الراهنة.
سجّل توماس سيبييه، من جانبه، المزيد في التقاليد القروسطية التي خضعت زمن المؤلف لتحولات مهمة. للوهلة الأولى، فإن تكوين فنه الشعري الفرنسي كان عملا ديالكتيكيا بصرامة: تمحور الجزء الأول حول القافية والثاني حول القصيدة. لكن نظرة متفحصة سترينا أنه يتضمن بالحقيقة ثلاثة أجزاء، أولها (الكتاب الأول، الفصل 1 إلى 4) ضروري لملاحظة اختلافه عن فنون الخطابة الثانية les arts de seconde rhétorique لأنه يطوّر مفهومًا عاليًا عن الشعر ويعطي مكانًا مميَّزاً للنظريات الافلاطونية الجديدة حول الحماسة enthousiasme. علاوة على ذلك، على الرغم من أن سيبييه قد خضع لتأثير هوراس وسمح نفسه من وقت لآخر أن يكون خارج الموضوع، حيث كان يجتاز المسارات التي تشهد على رغبته في الخروج من الإطار التعليمي الصارم. لقد تم اعتبار بيلتييه Peletier وبيير لودان داغالييه Pierre Laudun d'AigaLiers إلى حد ما في قرابة ثقافية مع سيبييه. أما بالنسبة إلى كلود دو بواسيير Claude de Boissière وعرضه التقنيّ الصارم، فهو الأقرب إلى نموذج الفنون البلاغة الوزنية.
ترجمة وفهم توماس سيبييه عسيرة بعض الشيء حتى على فرنسي لم يدرس الفرنسية القروسطية، واستخداماتها وتعابيرها وطريقة كتابتها ومجازات قرنها السادس عشر المبلادي أضافة إلى أسلوبها الخاص، فماذا يقول متعلّم أجنبي مثلنا؟
شذرات:
"العصور القديمة [...] بخشوناتها وقسوتها دخلت إلينا عبر الصقّالين، ويجب تبجيلها من طرفنا كأمنا وعشيقتنا".
من كتابه " الفن الشعري الفرنسي". الصقّالون يقصد الأدباء البارعين المشتغلين على نقل الآداب وصقل الأسلوب بما يلائم عصرهم.
..........
"[المرأة] تعرف بدقة كيفية استخدام حيل عطاري [الأعشاب] التي يمارسها الفيلسوف والشاعر: إنهن يغطين (قال) أقراص [دوائـ]ـهن السوداء والمرة بسكر أبيض حلو: وعلى حافة الكأس (في داخله يتثاءب شراب الأفسنتين المُسْكِر لشربه) ثمة العسل الأحمر والحلو: لاجل ألا يتمتع المريض الفقير بالدواء. [...] وهكذا تجعلك سيدتك، بالحب، مريضا في الدماغ الفقير".
..............
ما الذي يجب أن يسميه الفرنسيون قافية Ryme؟
ان الفقر القديم للغتنا الفرنسية، أو جهل البالغين لدينا، يعني أن ما تسميه اللاتينية، كارم carme ("قصيدة، أغنية، تعويذة") أو بيتا شعريا، والتي كان اليونانون قبلها قد قاموا بدقة ومعرفة بتسميته mètré = metriques وزنا، أوزان العروض، وفي ممارسة وقراءة الشعر الفرنسي يسمى بشكل واسع حتى الآن ايقاعا Rime. وهي مفردة بقدر ما يمكن مسامحتها، فمن المؤكد أنها أقل صحة من كلمة "القافية" (التي نحن مجبرون على الاعتراف بها كونها مأخوذة من اليونانية)، لكننا في المعنى ذاته بالقدر الذي يسمح به نقاء لغتنا الآن ووضوحها. أما التسمية اليونانية لها يالوزن، أي القياس mesure، فهو تتطلع إلى أبعاد الأرقام وأوزان الشعر (كارم ). وهو ما لا يسمح بالحديث عنها ألا بشكل عارف: فاللاتينية تسميتها كارم، أي أغنية: وبيت شعري، هذا يعني ان شكل الشعر (كارم) قد مُنح من جهة قصد الغناء: ومن الآخرى فإن مادة البيت [الشعري]، المصقول بالتنوع والخطوط العريضة، تقوم بصنع الوزن mesure والبناء الناعم: لقد حُدّدت بذلك خواصها ومعرفتها كليها. لكن الفرانسيين يدعون قافية Ryme، ما لا يزال يتبع المظهر [الخارجي] الرئيسي للشعر (كارم).
وعلى الرغم من أن هناك في الشعر تناغما وتدرجا، يشار اليه اليونانية بمصطلح ريثموس ῥυθμός، فإن الشعر الفرنسي المعهود، لا يشكل أنموذجا لكل عمل في الشعر الفرنسي، فالابيات والقصيدة ستكون أحسن قولا من الناحية الزخرفية وشكليا تكون متلائمة ومتوافقة، وأكثر طلاوة.
أطلق الرومانيون تسمية ريثموس ῥυθμός كذلك، ليس فقط على الأبيات والحقب الزمنية بل على الأعداد والفضاءات عندما لاحضوا بصرامة [وجود مثل هذا الإيقاع فيها]. إن ما يسمّى بشكل أكثر شيوعًا القوافي في لغتنا الفرنسية، إنما واقع لوجود مزيد من المبررات لهذه التسمية، ولوجود التكافؤ المنبثق من تشابه وتوافق المقاطع التي تنتهي بها الأبيات الفرنسية التي لم تتلقفها اللغات الأخرى في فهمها للشعر (كارم)، والتي قبلتها جميعها كزخرفة في صلواتها المنطوقة وفقا للمتعة السمعية: وأطلق عليها باليونانية ὁμοιοτέλευτον، homoioteleuton وبتسمية مشابهة غي اللاتينية، [مصطلح يعني "المنتهي بالطريقة نفسها"].
ما أطلق عليه الفرنسيون اسم قافية، بتحريف للكلمة الإغريقية ريثموس ῥυθμός = rhuthmós بحذف حرف الـثيتا θ: وللتحدث بدقة فأن الريثموس ῥυθμός اليونانية، تختلف عن قافية الفرنسيين. ولكن من المقبول أن نرى أن تشابه المقاطع التي تنتهي بها الأبيات الفرنسية ليس إلا تناغمًا يحمل بهجة للعقل من خلال جهاز السمع. البهجة الناجمة عن تأثير الموسيقى التي تدعم ببطء تنغيم الشعر (كارم)، حين التساوقات والوحدات "الأوكتافات" (التي تتموضع فقط بشكل مختلف، كالقوافي) تجعل التوافقات أحلى وأكثر كمالًا. من هنا، احتفظ الشعب الخشن والجاهل فقط بالأشياء الأكثر حذة والأكثر وضوحًا المقدَّمة له، وسمع وقرأ الشعر الفرنسي، وحفظه أولاً وبسرعة وأستخدم القافية...". انتهى الاستشهاد.
ملاحظات:
- مقدمتنا تفيد من:
Jean-Charles Monferran, L’École des Muses. Les arts poétiques français à la Renaissance (1548-1610). Sébillet, Du Bellay, Peletier et les autres, Genève, Droz, coll. Les seuils de la modernité, 2011.
- يجدر الانتباه أن مفردة كارم carme التي تعني في فرنسية العصور الوسطى ("قصيدة، أغنية، تعويذة") قد صارت في الفرنسية الحديثة charme التي تعني سحرًا (وهذه هي المفردة نفسها بالإنكليزية)، بعبارة أخرى فرنسية العصور الوسطى كانت تحدّد الشعر عبر تأثيراته الواقعة في السحر والجاذبيّة والجذاب والتعويذة والفتنة والفاتن.
- في اليونانية الحديثة، يمثل الـ θ ثيتا حرفاً ساكناً احتكاكياً أصمّا. وفي نظام الأعداد اليوناني يعادل الثيتا Thêta رقم 9. في الهندسة، طذلك يتم استخدام حرف الثيتا بشكل متكرر لتعيين زاوية.