اخر الاخبار

كان قد اشترى قلمَ حبرٍ، وبعد أن رسم توقيعه عدة مرات على الورقة، ثم الأحرف الأولى من اسمه، وعنوانه، وبعض الخطوط المتموجة، ثم عنوان والديه، أخذ ورقة جديدة، وطواها بعناية وكتب: (الجو بارد جداً بالنسبة لي هنا)، ثم كتبَ؛ (أنا ذاهب إلى أمريكا الجنوبية)، ثم توقف مؤقتاً، ثم ثبت الغطاء على القلم الذي يحمله بيده، ونظر إلى الورقة ورأى الحبر يجف ويصبح داكناً، (في متجر القرطاسية قالوا له أنه سيكون لون الحبرِ أسود)، ثم أخذ قلماً مرة أخرى كان في متناول اليد عند الطاولة وأضاف اسمه في أسفل الرسالة بطريقةٍ متقنة. ثم جلس منعزلاً في الركن. بعدَ برهة قلّبَ الصحف الموجودة على الطاولة، وتصفح إعلانات السينما، وفكر في شيء ما، ودفع منفضة السجائر جانباً، ومزق قطعة الورق ذات الخطوط المتموجة، وأفرغ قلمه من الحبرِ وملأه مرة أخرى.

لقد فات الأوان الآن لعرض السينما. تستمر بروفة جوقة الكنيسة حتى الساعة التاسعة صباحاً، ولكن  هيلدغارد ستعود في الساعة التاسعة والنصف. كان ينتظر أنْ تعودَ هيلدغارد. إلى جانبِ هذا الضجيج، كانت الموسيقى على الراديو مرتفعة.  وقام بإيقاف تشغيل الراديو.

على الطاولة وفي المنتصف، توجد الورقة المطوية التي كتب عليها اسمه (بولس) بخط أزرق مائل إلى الأسود. وكان قد كتبَ أيضاً: (الجو بارد جدًا بالنسبة لي هنا). وهو ما زال منتظراً أن تعودَ هيلدغارد إلى المنزل في الساعة التاسعة والنصف. كانت الساعة الآن التاسعة صباحاً. قرأَ الصحف، وصُدمَ، وربما لم يصدق ما حدث في أمريكا الجنوبية، لكنه ظلَ يشغلُ نفسه بأمور جانبية، لا بد أن شيئاً ما قد حدث.

لقد أعتادَ أن يجري مكالمات هاتفية ويكرر الاتصال عن طريق الهاتف، أما في أيام الأربعاء فكانت دائرة البريد مغلقة. ربما تبسم ويأس وتقبلَ الأمر. كان يمشط شعره عن وجهه عدة مرات، ويمرر إصبع يده اليسرى على جانبي صدغه، ثم يفك أزرار معطفه ببطء.

بعدها جلس على إحدى الطاولات في الركن المنزوي، فكر فيمن يمكنه أن يكتب رسالة إليه، وقرأ تعليمات النشرة التي فيها تبين طريقة استخدام أقلام الحبر، والتي كانت مرفقة مع القلم، قرأها مرة أخرى، وأمالَ النشرة المرفقة قليلاً إلى جهة اليمين كي يقرأ ما كُتِبَ في اللغة الفرنسية. وقارن بين الإنجليزية والألمانية، وجد على الطاولة مطوية تتحدث عن أشجار النخيل، بدأ يقرأ وهو يفكر في عودة هيلدغارد. وأستمر جالساً في مكانه المنزوي، وعند الساعة التاسعة والنصف جاءت هيلدغارد وسألت: (هل الأطفال نائمون؟)، ودفعت شعرها عن وجهها.

ــــــــــــــــــــــــــــ

*كاتب سويسري يكتب باللغة الألمانية.

عرض مقالات: