اخر الاخبار

يُعد الكاتب المسرحي الألماني غوته رائداً لفن المونودراما الألماني، والأول بين معاصريه الذي تبنى هذا النوع من المسرحيات. إن أسطورة (بروسيربينا)، التي اختطفت على يد بلوتو إلى العالم السفلي، حيث تم خِداعُها ونقلها من حياتها الأرضية وتحويلها كملكة بجانبه، أبهرت العديد من الفنانين منذ العصور القديمة. وكذلك فعل غوته، الذي أهدى لها مونودراما وقام بتقديمها مرتين بنفسه. ومع ذلك، فقد تم تجاهل عمله الكبير هذا، والذي يعد نواة المونودراما الألمانية الحديثة إلى حد كبير حتى الآن من قبل الباحثين. ولو رجعنا إلى العصور القديمة في التاريخ الألماني، فأنه يمكننا العثور على بعضٍ من مسرحيات المونودراما، وفي هذا النوع تحديداً من التمثيل الإيمائي المستمد من التراث الروماني. وقد تم تطوير التمثيل الإيمائي في الإمبراطورية الرومانية منذ عام 22 ق. م ولغاية العام 31 الميلادي. وتكون جميع الأدوار في التمثيل الإيمائي الروماني يلعبها ممثل واحد؛ لم يتكلم وكان يستخدم لغة الجسد فقط كوسيلة للتعبير، وكذلك (تعابير الوجه والإيماءات) وحركات الجسم. وتمكين جمهور المونودراما من خلال تلك الإيماءات أن يستنطقوا النصوص لجميع الشخصيات من خلال مشاهدتهم لذلك الفن الإيمائي المتطور. كان الجمهور يقف أو يجلس بلا حراك على حافة المسرح، لمتابعة تلك الحركات الجسدية. بهذهِ الصورة كان عليهِ المسرح الروماني قائماً، وهو مشابه تماماً للوضع الحالي في المونودراما الحديثة، على الرغم من أن التمثيل الإيمائي الروماني ليس نوعاً من انواع المونودراما بشكل مباشر، حيثُ كان الهدف الرئيسي من التمثيل الإيمائي هو إتقان الممثل للمعني وليس الوضع الدرامي المحدد للشخص الذي يقف بمفرده على المسرح ويؤدي قصة مضغوطة في أحداثها إلى حد ما. لكن ما يشترك فيهِ ذلك الفن الإيمائي مع المونودراما هو حقيقة واحدة وهي أن الشخص على خشبة المسرح كان يقف منفرداً، حتى وأن أشترك معه عدة أشخاص يمثلون أو يؤدون أدوارهم واحداً تلو الآخر، والذين غالباً ما يتحدثون مع بعضهم البعض. إن الوضع الحقيقي في التمثيل الإيمائي لم يكن في نهاية الأمر تمثيلاً أحادياً؛ كما هو حال الممثلين أو الممثل عند ظهورهِ في المونودراما الحالية.  أن التمثيل الإيمائي هو أقرب إلى (المونولوج) وهو متشابهٌ معه في الكثير من السمات. ومع ذلك، يمكن اعتبار التمثيل الإيمائي الروماني هو الجذور الأولى أو السلف الحقيقي للمونودراما الحديثة، لأنه يحتوي على بعض السمات النموذجية التي توجد أيضاً في المونودراما. وفي حقبة العصور الوسطى أنحسر التمثيل الإيمائي الروماني، مثلماً أنحسر أيضاً تقليد المسرح القديم بأكمله قد شابه نوع من الشلل، بعدما تم حظر المسرح باعتباره غير أخلاقي في الإمبراطورية الرومانية بعد انتشار المسيحية، وغالباً ما غادرت مجموعات الممثلين الرومان الأراضي الرومانية لتقديم عروضها المسرحية بعيداً عن سطوة الكنيسة.  وقد حاول أولئك الممثلون الهاربون من السلطة الرومانية الوصول إلى مناطق أخرى يتمكنون فيها من تأسيس فرق مسرحية جديدة، ومن تلك الأماكن الجديدة التي وصلوا إليها هي مناطق جبال الألب.

وقدْ حاولوا تكوين فرق لهم شمال جبال الألب وأصبحوا منافسين حقيقين للفرق المسرحية الفرانكفونية. وقد جلبوا معهم ظاهرة مسرحية جديدة إلى أوروبا، وشكلاً فنياً متطوراً في المسرح لم يكن معروفاً في أوربا آنذاك. لم تنشغل الفرق القادمة بالطبع بأنواع المسرح التقليدي ومنها على سبيل المثال التراجيديا، حيث لم تتوفر لديهم آنذاك مستلزمات إنجاح تلك الأنواع المسرحية المعتادة. ولهذا السبب تم التركيز على اعتماد نوع من الفنون المسرحية الصغيرة والمبسطة، وما متوفر لديهم من قدرات كما انتشر فن (المونولوج) أو ما يسمى (بالمونولوج الثنائي). وهو من أشكال رواية القصص الملحمية التي تم تنفيذها من خلال تنشيط التحولات التي يؤديها أو يقوم بها الراوي إلى عدة شخصيات تمثيلية.

كان عرض المسرحية التي مُثلت كمونودراما مسرحية هي (الخطبة أو العِظةُ المفرحة)، وهي تقليد لخطبة الكنيسة (العظة)، ولكن بدلاً من الموضوع الكنسي، ظهر الموضوع العلماني الساخر في العظة. كان هناك حوالي ثلاثين عملاً بارزاً حصل على انتشار واسع حينها، ومنها الخطبة التي ألقاها جويو، من بين أمور الأخرى التي كانت تتناولها هذهِ المونودراما، التي كانت تشبه المواعظ على خشبة المسرح، كانت مواضيعها تدور حول الأمور الحياتية الى جانب المعايير الظرفية والهيكلية للمونولوج من حيث البناء الخارجي، فيتحدث الشخص (الكاهن) بمفرده دون شريك عن موضوع حياتي متداول لفترة طويلة. لذلك يمكن للمرء أن يقول إنها مونودراما.

لقد ظهرت المونودراما (الحقيقية)، أي المونودراما كنوع مستقل، في القرن الثامن عشر عند تحويلها من مونولوج مصحوب بالموسيقى إلى مونودراما مسرحية حققت انتشاراً واسعاً في ألمانيا وكذلك فرنسا إزهارها الأول على الفور. وكانت تلك العروض مستوحاة من الأساطير اليونانية.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

* أستاذ الأدب والمسرح الألماني في جامعة بغداد

كاتب في الدراسات النقدية والمسرحية

المصادر:

„MONOLOGE" VON PETER TURRINI, Vom dialoghaften Monolog zum Monolog. Monika Borecká, Berno 2008

عرض مقالات: